رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العالم يواجه مخاوفه فأصبح الخوف مرضه


يعرف علماء النفس والطب النفسى الخوف بأنه استجابة غير معقولة وغير طبيعية تصل الى حد المرض تجاه أشياء بذاتها أو مواقف معينة أو إثارة من أمور بذاتها، مع العلم أن كل هذه المواقف كانت يوما طبيعية ولا تزال بالنسبة لسائر الناس الطبيعيين، أما وقد حدث أمر معين أدى للبعض أن يعانى الخوف والقلق، وقد يصل الأمر إلى الهياج والهلع والارتباك والذعر، فهذا موضوعنا فى هذا المقال وما يليه، كما أن هناك أنواعا كثيرة من الخوف ومنها الخوف من الارتفاعات الشاهقة، أو الطيران، أو الخوف من التجمعات البشرية الكبيرة، أو الخوف من الوحدة.

كما أن الخوف درجات قد يصل إلى الوساوس، كمن يعيش أزمة تأنيب الضمير جراء سلوك قد يكون قد مضى عليه زمن طويل، وإذ بالشخص يتذكره وكأنه قد حدث بالأمس أو ما قبله، وقد تعاود المريض أحداث الطفولة وهو فى شيخوخته وإذ به يشعر بتأنيب الضمير. كما قد يحاول المريض أن يهرب من مواقف الطفولة ولكنه يحاصر بخوفه من الوقوع فى ذات الخطأ أو الفعل مما يصيب الخائف مزيدا من خوفه، وكأنه على وشك الوقوع فى ذات الخطأ أو الخطيئة، وبذلك ينتقل القلق المخزون فى اللاشعور إلى مرض يسمى «فوبيا» وهو الانفصال الخوفى الذى لا يتناسب مع حقيقة الأمر ودون تفسير مقنع، وعادة ما يتركز الخوف من أن يكرر نفس الشخص ذات الفعل الذى يشعر معه بالندم، وبهذا يتحول ما فى اللاشعور الى مرض يسمى «الخوف - فوبيا» أى الانفصال الخوفى الذى لا يتناسب مع الضرر أو الخطر دون تفسير أو أسباب موضوعية مهما أكدت له أن تكرار ذات الفعل غير وارد ولا يهدد أحدا.

ومن جانب آخر فهناك أنواع من الخوف الواضح والذى لا يمكن إنكاره أو الاستهانة به وهو الخوف المرضى الذى يتمثل فى حالات من المرض وقد تكون بسيطة وممكن علاجها إلا أن الخوف يتزايد ليس فقط من المرض، بل من الموت لدرجة القلق أو البكاء وعدم الاستقرار حتى يصل الأمر إلى الهلع والهياج والخوف من الموت، ويستمر هذا المرض الخوفى زمنا طويلا حتى بعد الشفاء من المرض العضوى، ويسمى هذا النوع من الخوف «الفوبوفوبيا» وينعزل المريض عن أى تجمع من الأهل أو الأصدقاء، ويهرب من المناسبات محاولا تجنب النشاط اليومى بكل الوسائل والحيل متذرعا بمخاوف لا علاقة بها بالموضوع أو المناسبة.

ويمكن الإشارة إلى أهم أنواع الخوف فى ثلاثة أنواع هى:

أولا: الخوف من الزحام.. ثانيا: الخوف الاجتماعى.. ثالثا: الخوف الوسواسى.. أما الخوف من الزحام فهو الأكثر شيوعا إذ تصل نسبة المرض به إلى أكثر من ٧٥ فى المائة، وأكثر الإصابة به فى المجتمعات الشرقية هن النساء، وغالبا فى الغرب تكون النسبة عكسيا. ويبدأ هذا النوع من الخوف فى مرحلة عمرية مبكرة، أى من مرحلة المراهقة، ويستمر غالبا إلى ما قبل منتصفالعمر، أى فى الثلاثينيات أو بعد ذلك بقليل.

ومن أعراض هذا الخوف المرضى القلق أو الاكتئاب، وضعف التحكم الذاتى، وتجنب الازدحام والأماكن العامة، والميل إلى الانفراد معظم الوقت، وهذا النوع من الخوف يصعب علاجه لكنه لا يستحيل.

أما النوع الثانى من الخوف فيسمى الخوف الاجتماعى، وغالبية المصابين به من العنصر النسائى فى شرقنا الاوسطى، وهو ايضا يبدأ من مرحلة المراهقة ويستمر إلى بداية مرحلة الثلاثينيات من العمر، وأهم أعراضه القلق، ومحاولة تجنب المواقف الاجتماعية بحجج واهية، وأهم أعراضه الهروب من المناسبات، أو الأكل مع آخرين، ويتجنب القراءة أو الكتابة فى تجمعات غريبة أو عامة.

أما النوع الثالث من الخوف فهو المسمى «الوسواس»، وهذا النوع يتشارك فيه الجنسان بنفس القدر وعادة ما يأخذ شكل الإحساس بالقهر أو الاضطهاد والعجز عن المواجهة مع إدراك المريض أن شعوره غير طبيعى وغير معقول أو مقبول، ولكنه يبقى أسيرا له، وأهم أعراض هذا النوع هو الخوف من إنكار الناس له أو عقاب الله له.

كما يعانى المريض بهذا النوع من الخوف بما يعرف بالوسوسة، فهو دائم الاغتسال لدرجة تجنب مصافحة أى شخص، وإذا اضطر فلا بد من إعادة غسل اليدين فورا.وقبل أن نتحدث عن تجنب الوقوع فى أمراض الخوف لابد من الإشارة إلى أعراضه

حتى يمكن اكتشافه وعلاجه مبكرا. فمن المسلم به أن جسم الإنسان متغير عبر مراحله العمرية، وهو يقوم بانفعالات وتغيرات داخلية تدفع الشخص إلى اتخاذ مواقف منها لا سيما عند الشعور بالخطر أوتصوره لذلك، فإما يعالجه بالهروب من الخطر أو بمواجهته وللأسباب التى ذكرت فى هذا المقال والتى تؤدى الى شعور الشخص بالعجز عن المواجهة مما يضطره إلى الهروب من المواجهة ليكون التصرف سلبيا، وبالتالى يشعر بالعجز عن المواجهة مما يصيبه بنوع من الإحباط والعجز عن القيام بدوره الحياتى بالقدر والكفاءة المطلوبة لمواجهة المواقف المتعددة والمتباينة، مما يجعله يتخذ مواقف مرضية مثل القلق المرضى أو النفسى إلى درجة الشعور بالخطر أو العجز البدنى أو النفسى المصاحب للتوتر والشعور بالخوف دون مبرر حقيقى. وفى المقال التالى سنتعرف أكثر على موضوع الخوف وكيف يعالج، أو كيف نتجنب الإصابة به عملا بالقول «جرام من الوقاية خير من قنطار من العلاج».