رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الزواج.. بين فارق العمر والقانون!


درءًا للمخاطر الجسام فى مجتمعنا تجاه اغتيال براءة الفتيات فى عمر الزهور، بخطف أحلامهن وضحكاتهن وسوقهن نحو مصائر مجهولة تحت غطاء يحمل كل المبررات الواهية للتستر على ما نعتبره جريمة، كان لى وقفة بمقال سابق على هذه الصفحة، فى شهر يونيو من هذا العام تحت عنوان: زواج القاصرات.. بين الفقر والثراء!...

... وكانت خاتمة المقال تدعو إلى سرعة تقنين تلك الزيجات واستصدار القوانين التى تكفل الحماية للفتاة القاصر التى تحيا فى كنف أسرة فقيرة تسعى لكسب المال، أو فى ظل أسرة غنية تسعى للحفاظ على ممتلكاتها خوفًًا من تفتيت الملكية بالتوريث وبمنطق: أن يكون زيتنا فى دقيقنا، تطبيقًا للمثل الشعبى المصرى، وكتبت بالحرف الواحد: «اتقوا الله فى بناتنا القاصرات، وانظروا بعين العدالة التى لا تنام لتفعيل القوانين التى تحكم المجتمع وتضع للجميع قواعد وأسس الحياة الكريمة التى تليق بمصر التى سنت قوانين العدالة منذ فجر التاريخ». وأخيرًا تم تعديل القرار الصادر فى العام 2003 من وزير العدل آنذاك، الذى كان يقضى بمنح مبلغ من 15 ألف جنيه حتى 40 ألف جنيه للفتاة إذا زاد عمر المتقدم للاقتران بها ثلاثين عامًا عنها، طالما تم بموافقة الأهل والأب تحديدًا، وقد قام وزير العدل الحالى بإصدار القانون رقم 9200 لسنة 2015 الذى يقضى بأن يُكلف الأجنبى الراغب فى الزواج من عروس ٍ مصرية بتقديم شهادات استثمار ذات عائد دورى بالبنك الأهلى المصرى بمبلغ 50 ألف جنيه باسمها، واستيفاء المستندات المطلوبة لدى مكتب التوثيق، وذلك إذا ماجاوز السن بينهما 25 سنة عند توثيق العقد.

إلى هنا والمشرِّع يسن القوانين التى تسعى لحماية مستقبل من دفعتها ظروف الحياة إلى الزواج من أجنبى سواء برضائها أو بضغط من الأهل بدافع الحاجة إلى المال، ولكن هاجت الدنيا وماجت ضد هذا القانون واعتبره الصائدون فى الماء العكر من أعضاء وعضوات بعض منظمات المجتمع المدنى والمنظمات النسائية، أنه تقنينٌ للنخاسة وعودة إلى سوق الجوارى والعبيد فى أيامالجاهلية والقرون الوسطى، متجاهلين سعى القانون وحرص المشرِّع إلى تثبيت غطاء الحماية والرعاية للفتاة إذا ما هجرها هذا الأجنبى بعد زواج هدفه البحث عن المتعة ليس إلا، وليس الهدف إقامة صرح أسرة تخدم المجتمع والإنسانية، وحينئذٍ يكون المال عونًا لها فى مواجهة الحياة إذا ما تخلِّى الزوج عنها وعن أبنائه منها إن وجدوا، ولأن زواج الفتاة ـ تحت ضغط الظروف ـ من أجنبى غالبًا مايكون عرضة كبيرة للفشل وانهيار الحلم الوردى الذى تأمله لحياتها المستقبلية.

ولا شك أننا نعرف أن زواج الفتيات من أجانب ـ خاصة الوافدين العرب ـ تقوم على تسهيله ما يشبه السماسرة والعصابات التى لايهمها سوى المال، ووجود هذا القانون بمفرداته الجديدة سيحد بالتأكيد من تغلغل هذه العصابات فى المجتمعات الفقيرة بالغواية لتزويج بناتهن تحت ضغط الفاقة والفقر، ومن الطبيعى أن من حق الدولة وضع الضمانات التى تراها لحماية المجتمع المصرى، بل إننا نطالب بالمزيد من القيود وتطبيقها على كل أنواع الزواج.

ودعونا لا ندفن رءوسنا فى الرمال ونتجاهل مشكلة موجودة ومتفاقمة، بل يجب الاعتراف بأن عباءة الفقر مازالت تتلفح بها شرائح كثيرة فى جسد المجتمع، ونجد أنفسنا فى حالة اضطرارية لقبول هذا التقنين، وفى الوقت نفسه نتعاطف مع من يرفضه ولكنه لا يقترح حلولاً بديلة أو مكملة لما هو قائم، ولكن ماالحيلة إزاء واقع مرير نشأ نتيجة تراكمات جمَّة عبر أحقاب فى المجتمع المصرى نتيجة عوامل كثيرة لابد من مواجهتها. وإذا كنت أقف موقف المؤيدة لهذا القانون ـ ولو مؤقتًا ـ فإننى أطالب بالإسراع بالعمل على انقاذ الأسرة المصرية من تدهور مستوى المعيشة نتيجة انخفاض الدخل وزيادة معدل الفقر الذى يعد من أهم الأسباب وراء ظاهرة اقتران الزوجات بكبار السن، ناهيك عن ارتفاع نسبة الأمية وانخفاض مستوى التعليم. وأخيرًا.. أعترف أن المضطر يركب الصعاب.. ولكن يجب أن يكون هذا إلى حين، لنخرج من عنق الزجاجة الذى يضيق الخناق على مجتمعنا، ويجعلنا مرغمين على قبول بعض الحلول السريعة، ولكنها بالتأكيد تحفظ ماء الوجه للمرأة المصرية وتشيد لها أسوار الحماية من غوائل الزمن.