رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسالة مفتوحة من أرض مصرية وثقافة أمريكية «١»


بدعوة كريمة من السفيرة لمياء مخيمر القنصل العام فى الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديداً فى ولاية كاليفورنيا، وهذه الولاية تعد أكبر الولايات كثافة سكانية حيث يزيد عدد السكان عن أربعين مليون نسمة، وتأتى ولاية كاليفورنيا ثانى أكبر ولاية. أما مدينة لوس انجلوس فهى من المدن كثيفة السكان، حيث يبلغ عدد سكانها نحو أربعة ملايين نسمة...

... وهى ليست عاصمة الولاية، فالعاصمة هى مدينة ساكريمنتو. ولقد انتقلت سفارتنا منذ بضعة أعوام من مدينة سان فرانسيسكو والتى يقيم بها وبالمدن الصغيرة القريبة منها اقل من مائة الف من المهاجرين المصريين، فى حين أن محافظة لوس انجلوس حيث مقر سفارتنا الحالى يقيم بها قرابة نصف مليون مصرى.

وقد يسأل القارئ عن أسباب زيادة أعداد المصريين فى هذه الولاية دون سائر الولايات، والسبب الواضح أن المناخ المعتدل والقريب جدا من المناخ المصرى يوجد فى غرب أمريكا شمالا وجنوبا كما هو فى ولايتى فلوريدا وكاليفورنيا.

وقد يسأل القارئ عن معنى أسماء المدن التى تبدأ بـ «سان» مثل سان دييجو وسان فرانسيسكو وعشرات المدن التى تبدأ «بسان» أو «سانتا»، ويرجع هذا إلى أن هذه الولايات كانت جزأ من دولة المكسيك المجاورة لأمريكا.

وحتى لا يأخذنا القلم بعيدا عن المناسبة الرائعة فى احتفالية مصرية وطنية على أرض مصرية وفقا للقوانين والأعراف الدولية، فقد دعتنا السيدة السفيرة قنصل مصرلحفل عشاء بمناسبة زيارة البابا تواضروس الثانى للولايات المتحدة، وتحديدا لهذه الولاية الكبيرة وهذه المدينة التى اكتظت بالمصريين ودول عربية أخرى. كان اللقاء مساء الاثنين عشرين أكتوبر، حيث دعى عدد كبير من المصريين، ومع أنى لا أحبذ أبدا التفرقة بين عنصرى الأمة المصرية فقد كان المسلمون والمسيحيون فى بيتهم المصرى ومنهم من جاء من مدن مثل سان فرانسيسكو وسان دييجو وغيرها من المدن التى تبدأ بسان أى القديس، حيث إنها كانت فى يوم من الأيام تتبع دولة اغلب سكانها من الكاثوليك، وقد غلبت تسمية رموزهم الدينية على مدنهم، ولم تغير أمريكا أسماء هذه المدن تقديرا واحتراما للتاريخ والاتفاقيات. وفى احتفال قنصليتنا كان الشعر وكان النثر وأحاديث الموائد التى ملأت حديقة مسكن السيدة الفاضلة قنصلنا التى لم يكن قد مضى على تسلمها للعمل بضعة أسابيع، إلا أنها جمعت هذا الحفل الكبير تقديرا لرمز من رموز مصر التى نعتز بها جميعا، لا عن مجاملة، ولكن عن خبرة عمل مشترك وخطوات ثابتة تهدف إلى جمع شمل المصريين، والتى نرجو لمثلها من نجاحات تهدف للجمع لا للفرقة، للعمل لا للفرجة.

لقد التقينا وكانت الأحاديث الجانبية والتى سبقت اللقاء الرسمى كلها تتحدث عن مصر وما نتمناه لها من ازدهار وتقدم فى كل المجالات حتى تنفض عنها غبار الكسل أو التراخى وتنهض نحو التقدم، فكيف ما مضى من حقبة عانى فيها كل المصريين أشد المعاناة فى الحروب، وحتى فى أزمنة السلم، وأكبر الأدلة على ما نذكر هو الأعداد الضخمة التى تركت مصر إلى شتات المسكونة من مدنها ومن قراها، وكلهم طلبا للرزق ولقمة العيش وتربية الأولاد، أو اللحاق بقطار الزواج. وعودة إلى لقاء الأحباء الذين هم القلب لمصر وإن كانوا الآن من المواطنين الأمريكان، إلا أنهم لن ينسوا الوطن الأم. افتتحت اللقاء السفيرة لمياء بكلمة ترحيب بالبابا تواضروس وبالمدعوين عبرت فيها عن معدن المصرى الاصيل، كما القى اثنان من الحاضرين شعرا ونثرا احتفالا بهذه المناسبة. ثم تحدث البابا بكلمة عبر فيها عن مشاعرنا جميعا نحو مصر وعلم مصر بألوانه ونسره، ليربط بين العلم وكل جزء من أجزاء الوطن، شماله وجنوبه، شرقه وغربه، حتى ساكنى الصحراء لم ينساهم فى حديثه، كما تكلم عن أرض مصر الطيبة التى تفيض خيراً على شعب مصر - حماها الله من «عدوان المواد الخرسانية» التى تتغول وتتجول فى كل ركن من أركان بلادى إن عن حاجة لسكن او طمع فى مال.

وحول مائدة العشاء التى تميزت بالطابع المصرى حتى لم يفت الطاهى المصرى الاصيل ان يحوى ضمن أصناف ما قدم «الكشرى المصرى الشهير»، أما الأحاديث فكانت كلها عشقاً فى مصرنا الغالية حتى وان ابتعدنا عنها جغرافياً، فهى فى القلوب وقرة العين، وهذا بالطبع لا يقلل أبداً من البلاد التى فتحت ابوابها وقدمت للمهاجرين اليها كل الفرص، لا فرق بين لون البشرة أو عقيدة الدين أو أى اعتبار آخر، وإلا ما لجأ اليها كل من ضاقت بهم أوطانهم، وكان من أوائل القادمين إلى هذه الأرض الفارين من عنف المنتمين إلى الكنيسة الكاثوليكية فى إربا ضد اخوتهم وبنى جنسهم، إلا أنهم من اعتنقوا فكر الثائر الكاثوليكى مارتن لوثر، والذى أجبر ومعه كل من تبنى عن قناعة فكره ليلقوا حتفهم أو يفروا هربا إلى الأرض الجديدة. ولما كان لا يدرك مرارة المر إلا من ذاقوه أمثال البروتستانت الفارين من المحارق والمجازر الجماعية إلى الأرض الجديدة، فإن الواقع والتاريخ يُبين لنا نوعين من التأثير الناتج عن المظالم والقسوة والاضطهاد الدينى، أولهما الشعور بالمآسى والظلم والقسوة، فيتبنوا ذات التأثير والإحساس بالظلم لدرجة الرغبة فى الانتقام من الظالمين إن استطاعوا، أو تفرغ شحنات الغضب على الآخرلمجرد الانتقام ممن لم يتمكن من مواجهتهم، وقد يصل هذا الانتقام إلى الأقرباء، مثل شراسة الآباء على أبنائهم بدعوى تربيتهم تربية أفضل، وقد أدت هذه القسوة إلى درجة ازهاق الأرواح، وقد يكون العنف بين الأزواج، وفى الغالب الأعم من الرجال ضد زوجاتهم، كما أن هناك عنفاً بين الزوجات ضد الأزواج بطرق متعددة، ومنها ازهاق الروح، ولعلى سجون النساء تبين ايضا تلك الاعمال الوحشية.

للحديث بقية