رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هيـَّــا بنــا نلعــب!


هل ضبطت نفسك فجأة سارحًا فى تأمل كيف تلاعب القطة صغارها؟ بل هل اكتشفت فجأة أنك اشتريت «لعبة» لطفلك وأنت الذى تلعب بها ؟! بالتأكيد حدث لك هذا وأكثر.. بل أزعم أنك اشتريت هذه اللعبة بالذات لأنها كانت حلمًا لك أن تقتنيها وأنت طفل صغير ولم تسنح لك الفرصة أو الظروف...فاشتريتها كبيرًا بحجة رائعة وهى أنها لطفلك وليست لك! وهذا ليس عيبًا فيك ولا هى وصمة فى جبينك، ولكنها «سيكولوجية» الإنسان والحيوان وكل كائن على ظهر الأرض، يولد ليلعب ويكتسب المهارات التى تنفعه فى مواجهة حائط الحياة الصلد
...وهى بمثابة تنشيط للجانب الوجدانى فى أعماق النفس البشرية ليطلق الطفل ملكة التخيل فى اللعب بتمثيل دور الأب أو الأم أو المدرس أو الطبيب وممارسة كل الألعاب التى لاتعتمد على امتلاك «لعبة»، سواء كانت هذه اللعبة «عروسًا» أو «سيارة» أو «طائرة» أو حتى «مدفعا رشاشا»، ويظل الحلم قائمًا بامتلاك «اللعبة» التى تتفق ومزاجه الخاص وتكوينه النفسى والعاطفى الذى تتبلور ملامحه فى السنوات الأولى من حياته وربما منذ لحظة «الفطام»، بل وتلتصق بكل تصرفاته أو معظمها على مدى عمره مهما تفرعت به المشاغل والأعباء، إلى أن تأتى اللحظة الملائمة ليقتنيها ويلعب بها سواء مع نفسه أو مع طفله أو أطفال الجيران، فاللعب ضرورة للنواحى الجسمانية والعقلية والانفعالية والاجتماعية واللغوية والحسية والأخلاقية. ومازلت أذكر فى مرحلة الطفولة كيف كانت «لعباتنا» بسيطة ومفجِّرة للطاقات والملكات الإبداعية، وكانت تتكون من أبسط مخلفات ومقتنيات المنزل من كرتون وعلب وخيوط ملونة وأعواد الكبريت والخرز الملون وحتى كرة البنج بونج وغيرها، نشترك مع أخواتنا وأقراننا فى صنعها معا بكل الصفاء والنقاء والحب، إلى أن جاءت التكنولوجيا بألعابها ولعباتها التى تكاد تكون لعبات فردية تفتقد إلى التواصل الحميم الذى كان يربط وشائجنا صغارًا ونحن نلعب مع أقراننا إلى أن يهدنا التعب وننام على كل ألحان السعادةوالحبور،أما الآن فنجد على النقيض أن كل فرد «منكفىء» على لوحته الإلكترونية فى انشغال تام عمـَّن حوله من أفراد أسرته، بل ومنقطع الصلة بالعالم الواسع من حوله ومنفصلا عنه مكونا عالما خاصا به عائشا فيه ومنخرطا،وللأسف لا تنتبه الأسرة إلى هذا الانعزال الذى يطبع آثاره السلبية على سلوكيات الفرد وعلاقاته بالمجتمع من حوله، ولا تراعى أهمية «اللعبة» الجماعية فى تحقيق الترابط الضرورى لمجتمع صحى قوى متماسك اللُحمة والنسيج الذى نحافظ به على قوة الانتماء والالتصاق بالجذور.

ليتنا ننتبه إلى هذا منذ اللحظة الآنية، لنعود بالطفل إلى الألعاب الجماعية التى تربينا على جمالها وبساطتها وسلاستها بلا تعقيدات تكنولوجية تبتعد بنا عن المسار المراد الوصول إليه وهو الترابط الحميمى، الذى يعلمه كيف يتبادل مع «الآخر» كل المحبة والارتباط دون عزلة وانعزالية، ولن يتأتى هذا إلا إذا عكف السادةالإخصائيون والتربويون وعلماء الطب النفسى والحركى على إعادة التفكير فى تصميم نماذج «لعبات» تتفق ومفهوم الطفل المصرى وتركيبته الفكرية الاجتماعية وحاجته الفعلية، وتكون تلك اللعبات مستمدة من وحى الطقوس والعادات المصرية الأصيلة، حبذا لو كانت ذات أسعار رخيصة وفى متناول كل الطبقات الاجتماعية بأغنيائها وفقرائها، للإيمان بسمو الرسالة والهدف الذى صُنعت من أجله،بل وأدعو مخلصة أن تتولى إحدى الشركات الكبرى تمويل وإنتاج هذه «اللعبات» فى مصانعها وإغلاق باب الاستيراد للألعاب الصينية والأمريكية ـ التى لا تتفق ومفاهيمنا ـ حيث تحرض فى معظمها على بث روح الانتقام بألعاب الحرب والقتال والدمار وسفك الدماء، وساعتئذ ٍ ستكون أوقات المتعة واللعب مع أطفالنا من أحلى لحظات اليوم بعد إرهاق ساعات العمل، لنعود إلى الجلسات العائلية فى المساءات الجميلة لزيادة الروابط القلبية والروحية بيننا وبين أطفالنا، لننتزعهم من بين براثن «شاشات التكنولوجيا» وما فيها من سموم، يعمل الغرب المتعالى على عاداتنا وتقاليدنا أن يبثها فى عقول وأفكار أطفال المستقبل وحراس الوطن.

والآن.. هيا بنا نلعب.. علنا ننفض غبار التعب وإرهاق النهار ونريح أذهاننا من الضغوط اليومية عسانا نجد الراحة المأمولة ولو بقدر.