رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

احكم يا رب للمظلومين


ما أصعب على النفس البشرية أن تحس بالظلم الواقع عليها من جراء ظلم البشر من عديمى الضمير والأخلاق. فالأحساس بالظلم له آثاره النفسية والاجتماعية على الفرد وأيضاً على المجتمع. فالشعور بالظلم – على الفرد – يُرهق النفس ويؤدى إلى الإحساس بالحسرة والمرارة والألم، وقد يؤدى إلى الاكتئاب واضطرابات نفسية مختلفة وفقدان الثقة فى الغير والتخوف من الآخر والانعزال عن المجتمع، خاصة حينما يجد الإنسان نفسه مقهوراً مغلوباً على أمره، غير قادر على رد الظلم عن نفسه، وحينما يعجز المظلوم عن دفع الظلم عن نفسه يسرى فى نفسه تيار المرارة والأسى، وتدريجياً يتحول إلى اضطراب يتناسب تناسباً طردياً «أى زيادة بالزيادة» مع حجم الشعور بالظلم. واللجوء إلى الله – تبارك اسمه - يقى الإنسان من الاضطرابات المختلفة، فيتولد الهدوء والسكينة بداخل الإنسان المؤمن بصدق، وفى الوقت نفسه يُدخل الله الرُعب فى قلب الظالم. من هنا فإن الكنيسة القبطية الواعية تردد يومياً صلاة يتلوها الكاهن أو الأسقف أو البطريرك بعد صلوات نصف الليل جاء فى مقطع منها: «احكم يارب للمظلومين». وكم سمعتها أنا شخصياً من البابا كيرلس السادس «1902 – 1971» البطريرك 116، فقد كانت صلواته تخرج من قلبه، الذى كان هدية الرب لشعب الله بل ولمصر كلها، إذا كان وجوده بيننا مصدر الأمان فى نفوس المصريين لأنه كان رجل الله بالحقيقة.

وعلى الجانب الآخر فإن الظلم الاجتماعى والاقتصادى والدولى يتحول إلى ثقافة سوداء قهرية وكراهية وحقد تزداد مع الزمن ويتولد عنها إحباط وخلق سلوك عدوانى وخلل نفسى وعنف أسرى وفساد فى التدرج الوظيفى والتعليم والهشاشة السياسية، بل وتخلق ثقافة تدميرية تطيح بالأرواح وكل بنيان وفقد القدرة على الانتماء الوطنى مما ينتج عنه خيانة الوطن نفسه!!

الشعور بالظلم طريق لهدم قنوات الحوار البناءّ والتسامح والحُب. الشعور بالظلم يوجد عُقد النقص وانفصام الترابط بين الناس وتزداد التشابكات العصبية فى مخ الإنسان. الشعور بالظلم يُعرض الإنسان لنوبات قلبية ونفسية رهيبة. لقد أثمر الشعور بالظلم فى المجتمعات العربية وأيضاً الغربية – على حد سواء – أجيالاً رافضة للحياة وأخرى انسحبت منها فعلاً حتى تحولت إلى ظاهرة مَرَضية نتج عنها التطرف الفكرى والانحراف الأخلاقى والجريمة المُنظمة والفردية. فالتطرف الفكرى والانحراف الأخلاقى وجهان لعملة واحدة هى الظلم الواقع على الإنسان فى غياب روح الأبوة الصادقة التى تقف بجوار المظلوم حتى يسترد حقه المشروع. فالله – فى كمال عدله المطلق – يدعو جميع الناس إلى السعى نحو معرفة الحق، والحق هو الله نفسه، بل هو الطريق وهو الحياة. فالذى يعرف الله لا يظلم أحداً.

فى المجتمعات السوية يكون الظلم من الأمور القبيحة والمُنفِرة لذلك يبتعد الناس عنها، لكنها – كما هو حادث فى المجتمعات المتخلفة – متى يتحول الظلم إلى أمر عادى أو أمر محبب فإنه يتحول عند أصحاب الضمائر المنعدمة إلى أمر ليس بغريب. يارب ارفع الظلم عنا، فأنت سند من لا سند له.

أستاذ الهندسة ــ جامعة الإسكندرية