رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العلم والدين «4-4»


نستكمل فى مقال اليوم بعض أفكار عالم الفيزياء الباكستانى برويز أمير على بيود والتى دونها فى كتابه القيم «الإسلام والعلم ... الأصولية الدينية ومعركة العقلانية والذى ترجمه الدكتور محمود أمين خيال- الأستاذ بكلية الطب جامعة الأزهر- والحاصل على الدكتوراة من جامعة هايدبرج بألمانيا الغربية.

عن التدخلات الإلهية فى قوانين الطبيعة يقول المؤلف إن تُقلَب قوانين الطبيعة بناءً على رغبة إلهية وليدة لحظتها، لا يكشف لنا عن شىء أكثر من نواياه الآنية، التى قد تكون مؤقتة. إن هذه المتاهة المطروحة، والممثلة فى وجود تداخلات إلهية، لهى من النوع الذى لا يستطيع العلماء مواجهته، وتصبح معه كل الاختبارات والتجارب العلمية مستحيلة.إنما يأتى التساؤل، فيا ترى ماذا يجب أن يفعل العلماء إذا واجهتهم ظواهر غامضة بلا تفسير؟ ولنفترض أنهم ووجهوا بمرض قاتل أو انحراف غير مُبرر لمسار بعض الكواكب، أو بظهور جزيئ ذرى غير متوقع؟ هل عليهم -بعد شىء من الوقت- أن يتوقفوا عن البحث عن المسببات المادية ويُسلموا بحدوث الظاهرة كنوع من الاستجابة للرغبة الإلهية؟ إذا فعلوا ذلك، فالاحتمال الأكبر، إنه سيأتى زملاء آخرون، أكثر براعة منهم ليتوصلوا فى النهاية إلى حل المسألة، ويحصلوا بذلك على كل الشرف والفخر بدلا منهم.

وتحت عنوان هل العلم الحديث علم غربى يقول برويز بيود: يدين كثير من الباحثين من دول العالم الثالث بالولاء للتكنولوجيا، وفلسفة العلم الحديث، ويشعرون بنوع من السعادة والعرفان، لكونها وجدت تربتها الخصبة فى أوروبا. لكن سرعان ما يأتى التساؤل «هل يجوز الاستغناء بالكامل، عن إسهامات كل الحضارات العظيمة السابقة مثل الحضارة الصينية والإسلامية، والهندية؟ ثم هل كان بإمكان العلم الحديث أن ينمو، ما لم تكن تلك الحضارات قد أرست له القواعد ليتطور؟ تمتد جذور شجرة العلم بعمق إلى حضارات شتى. وحتى اليونانيون- الذين كثيراً ما يأتى ذكرهم باعتبارهم الجد الأكبر للعلم المعاصر- ما كان لهم أن ينتجوا كل هذا الكم الهائل من الابتكارات والأفكار، دون المساهمات المادية والثقافية، المستمدة من مختلف البلاد الآسيوية والأفريقية. على ذلك، فمن الخطأ اعتبار العلم والتكنولوجيا غربيين، فى الجوهر ومن الأساس.

لا جدال أن المصدر المباشر للعلم الحديث، كان من خلال النهضات الحضارية فى أوروبا، ممثلاً فى عصر النهضة والثورة العلمية. كذلك لا شك فى أن ما حدث، لم يكن مسبوقاً، لا فى مجالاته، ولا فى طبيعة التغيير الناتج عنه. كما لا شك أيضاً فى صحة أن الإنجازات العلمية السابقة، التى تمت فى كثير من البلدان البعيدة، ومن مختلف الشعوب، كانت لها أدوار فى منتهى الأهمية. إلا أن العلم، لم يصبح جزءاً من الحضارة، ولا مؤثراً مهماً فى حياة الإنسان اليومية، إلا بعد مولد الحضارة الصناعية، الخلاصة، فإن العلم ملكية فكرية للبشرية جمعاء، وجزء لا يتجزأ من التراث الحضارى العالمى، ولسنا بحاجة للالتفات لأى من المنادين بغير ذلك.

راعى الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف – شبرا مصر