رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العلم والدين «2-4»


فى مقالى السابق قدمت بعض الأفكار عن علاقة العلم بالدين لعالم الفيزياء الباكستانى برويز أمير على بيودوهى منقولة من كتابه القيم «الإسلام والعلم... الأصولية الدينية ومعركة العقلانية»، الذى أصدرته الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة 2015، والكتاب تقديم البروفيسور محمد عبد السلام، الحاصل على جائزة نوبل فى الفيزياء، وترجمة الدكتور محمود أمين خيال، الأستاذ بكلية الطب جامعة الأزهر، والحاصل على الدكتوراة من جامعة هايدبرج بألمانيا الغربية.

وفى مقال اليوم نستكمل بعضاً من هذه الأفكار المهمة، يقول مؤلف الكتاب: من بعد كوبرنيكوس لم تعد الأرض مركزاً للكون كما كان متصوراً من قبل، بل مجرد كوكب مثل كثير غيره يدور فى فلك نجم غير ذى شأن على حافة المجرة، كما تغيرت نظرة الإنسان إلى نفسه، فبدلاً من اعتقاده السابق بأنه حجر الأساس فى الخلق بدأ وعيه بمدى ضآلته وتفاهته الكونية، إلا أن عصر العقل والمنطق وضعه فى قلب الكون الواعى والمفكر، وبتحرر الإنسان من سجون لاهوت مسيحية القرون الوسطى، انطلق الفكر الحر نحو أعماق الفضاء، وأغوار الزمن، ولم يعد هناك صغيرة أو كبيرة مهما بلغت، خارجة عن نطاق استيعاب الذكاء الإنسانى، ولم يعد هناك ماهو بعيد جداً فى الزمان والمكان، إلا وأعطى له وزنه المناسب فى تركيب وتشكيل الكون، مما لاشك فيه أن الإنسان قد تحول إلى كائن ذاتى المعرفة بالتاريخ كما أصبح واعياً بذاتيته البشرية.

جاء الوعى الجديد – إلى حد بعيد – من خلال ثوار الفلاسفة فى عصر ثورة العلم، ومن هؤلاء نذكر «رينيه ديكارت» ولعله أكثرهم أهمية، ولعل أسمى اكتشافاته يكمن فى وضع هيكل ونظام للفكر، وهو ما يسمى الآن بالإطار الديكارتى، أو المنهج الديكارتى، ولعل من أكثر عناصر الرؤية الديكارتية عمقاً وأصالة، نظرته للمرض كخلل فى النظام الحيوى، وحالة من حالات الكائن الحى ناشئة من أسباب محددة، كالقاذورات، والطعام الفاسد، والحشرات، وهذه الأفكار لطمت بقوة كبار رجال الكنيسة المسيحية وزعمائها على مر العصور السابقة.

أطاحت الثورة العلمية فى طريقها لهدم نظام القرون الوسطى، بالتسلط المركزى وهيمنة الكنيسة، ليس هذا فقط، بل إنها أيضا غيرت مفهوم الإله فى العقيدة المسيحية بشكل جذري، فبعكس إله العصور الوسطى الذى تميز بكونه متفاعلاً ومتداخلاً مع الأحداث، ومستجيباً لأفعال وصلوات مخلوقاته، أصبح دور الإله فى الكون الميكانيكى، هو وضع الكون فى مكانه، متلازماً مع القوانين الأبدية التى أصبحت من ساعتها فصاعداً محددة لمصير الكون، وعلى حد تعبير فولتير: «خلق الله الكون كما يصنع الصانع الساعة، فمتى تم الصنع انتهت علاقته بها، وستجعلها قوانين الفيزياء تعمل بكل دقة، حسب ما أسبغته عليها المشيئة الإلهية».. وللحديث بقية.

راعى الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف- شبرا مصر