رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نماذج من أعمال رجال الوطنية المصرية «1»


المناضل الوطنى توفيق باشا أندراوس له العديد من الذكريات الطيبة وأعمال مجيدة بمدينة الأقصر. وُلد‏ ‏توفيق‏ ‏باشا‏ ‏أندراوس‏ ‏صاحب‏ ‏القصر‏ ‏الملاصق‏ ‏لمعبد‏ ‏الأقصر فى عام 1893‏ ‏بمدينة‏ ‏قوص‏ ‏وورث‏ ‏عن‏ ‏والده‏ ‏الوطنية‏ ‏المخلصة، الذى كان من أثرى أثرياء مصر، فأوقف مائة فدان لخدمة مساجد وكنائس الأقصر مناصفة وأوقف عشرة أفدنة لخدمة المدرسة الصناعية، وبنى على نفقته مدرسة الأقباط التى مازالت قائمة وبنى مسجد «المقشقش» و«مسجد المدامود» وجمعية الشبان المسلمين والعديد من المشروعات الخيرية. ‏حصل‏ توفيق أندراوس ‏على‏ ‏تعليمه‏ ‏الابتدائى‏ ‏بمدرسة‏ ‏الأقصر‏ ‏وسافر‏ ‏إلى‏ ‏القاهرة‏ ‏لإتمام‏ ‏دراسته‏ ‏فالتحق ‏بمدرسة‏ ‏التوفيقية‏ ‏الثانوية‏، ‏ثم‏ ‏سافر‏ ‏إلى‏ ‏إنجلترا‏ ‏ليلتحق‏ ‏بجامعة‏ ‏أكسفورد‏ ‏وأتم‏ ‏دراسته‏ ‏بها‏، فى‏ ‏الوقت‏ ‏الذي‏ انتشرت‏ ‏فى‏ ‏الأمة‏ ‏روح‏ ‏الوطنية‏ ‏وطلب‏ ‏الاستقلال‏ ‏على‏ ‏يد‏ ‏سعد‏ ‏زغلول. فمارس السياسة إلى جانب زعيم الأمة سعد زغلول باشا فى 13 نوفمبر 1918 عندما قابل سعد زغلول باشا ورفاقه عبدالعزيز فهمى وعلى شعراوى المعتمد البريطانى للمطالبة باستقلال مصر. ذهب فخرى عبدالنور وويصا واصف وتوفيق اندراوس بعد اجتماع بنادى رمسيس إلى سعد زغلول مساء نفس اليوم وأعلنوا باسم أقباط مصر أن الصليب مع الهلال وراء سعد زغلول على طريق الاستقلال، ودوت صرختهم فألهبت نيران الثورة وصنعت وحدة وطنية حقيقية بين أبناء الأمة. تصدر توفيق اندراوس صفوف الثورة ووهب لها عمره. حاول القصر الملكى أن يثنيه وعرض عليه أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكى - وكان زميلا له فى جامعة أكسفورد - رغبة الملك فؤاد فى تعيينه سفيراً فى لندن على أن يترك سعد فكان رده الرفض بشدة. وعندما نفت السلطات سعد ورفاقه علم أن أم المصريين صفية هانم زغلول تشكو من نضوب خزينة الوفد فما كان من توفيق اندراوس إلا أن باع 700 فدان ووضع ثمنها تحت تصرف أم المصريين للصرف على الحركة الوطنية. خدم الأقصر نائبا عنها منذ 1921 حتى وافاه الأجل سنة 1935 دون منافس وفى إحدى الدورات رشح القصر أمامه خيرى باشا زوج ابنة السلطانة مِلك ولم يحصل خيرى باشا هذا إلا على صوت واحد!! فى‏ ‏حوالى فترة العشرينيات‏ ‏عارض‏ ‏توفيق‏ ‏باشا‏ ‏الحكومة‏ ‏وبلدية‏ ‏الأقصر‏ ‏بتحويل‏ ‏مدافن‏ ‏المسلمين‏ ‏إلى‏ ‏الجبل‏ ‏وأصر‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏فى‏ ‏مكانها‏ ‏بالسيد‏ ‏يوسف‏ ‏وكان‏ ‏دفاعه‏ ‏فى‏ ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏أبناء‏ ‏الأقصر‏ ‏سوف‏ ‏يحتاجون‏ ‏إلى‏ ‏عربات‏ ‏لنقل‏ ‏موتاهم‏ ‏مما‏ ‏يكلفهم‏ ‏فوق‏ ‏الطاقة‏ ‏من‏ ‏الأموال‏ ‏وكذلك‏ ‏فإن‏ ‏تقاليد‏ ‏أبناء‏ ‏الأقصر‏ ‏أن‏ ‏يحمل‏ ‏المتوفى‏ ‏على‏ ‏الأعناق‏ ‏حتى‏ ‏مثواه‏ ‏الأخير‏ ‏وهو‏ ‏تقليد‏ ‏يحافظ‏ ‏عليه‏ ‏أبناء‏ ‏الأقصر‏ ‏جيلا‏ ‏بعد‏ ‏جيل‏ ‏حتى‏ ‏اليوم‏ ‏احتراما‏ ‏للمتوفى‏ ‏وقد‏ ‏منع‏ ‏نقل‏ ‏المقابر‏ ‏إلى‏ ‏أى‏ ‏بقعة‏ ‏نائية‏.‏

توفى توفيق اندراوس فى ريعان شبابه فى 6 يناير 1935، فخيم على الأقصر الحزن العميق وخرجت جماهير الأقصر وقوص وأرمنت فى موكبه الحزين وشهدت جنازته العديد من رجال الحركة الوطنية. وفى ذكرى الأربعين حضر الرئيس مصطفى النحاس لرثائه فى كنيسة الاقباط بالاقصر مع العديد من رموز الحركة الوطنية.

كتبت هذا لأننا ننسى التاريخ وننساق وراء دعاوى الفتنة!! كان وطنيا مخلصا ومسيحيا حقيقيا لم يعرف قلبه التعصب والحقد، عاش الثورة جندياً، والحياة مناضلاً عنيداً. تحية لروحه الطيبة، وتحية لكل مصرى وطنى مخلص.

أستاذ بكلية الهندسة - جامعة الإسكندرية