رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى سبيل الحق


التمسك بالحق والمجاهرة به أمر يشغل فكرى منذ شبابى المبكر حتى إننى اعتدت أن أقول لطلبة كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية: «أنا هنا يا أولادى من أجل الذين ليس لهم سند فى الكلية، فلا تترددوا أن تأتوا إلى مكتبى وناقشوا مشكلتهم بالكلية وأنا - بمعونة الله - سوف أسعى لإيجاد حل لها»، وكم من طلاب - من عقائد وأديان مختلفة وأيضا من الجنسين - تدخلت بحماس لدى المسئولين، ليس فقط بكلية الهندسة ولكن أيضا بإدارة الجامعة، وفى هذه الحلقة استكمل بعضا من النماذج المصرية التى تمسكت بالحق ونادت به، حدث فى عام ١٩٦٥ أن زوجة أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة وكانت تقطن بمنطقة حلوان، كان قد أزعجها صوت جرس الكنيسة - أعتقد كانت باسم كنيسة مارجرجس، ونظرا لنفوذ زوجها فقد صدر الأمر بإغلاق الكنيسة!! كان سلوك القيادات الكنسية فى ذلك الوقت سلوكاً مشرفاً وعلى مستوى المسئولية، فقام أسقف الخدمات العامة والاجتماعية فى ذلك الوقت الأنبا صموئيل «١٩٢٠-١٩٧١» البطريرك ١١٦ باصطحاب بعض من شيوخ المطارنة وتوجهوا لمقابلة الرئيس جمال عبد الناصر بمقر مسكنه بمنشية البكرى، وعرض البابا كيرلس مشكلة الكنيسة، وعندما أدرك الرئيس عبد الناصر حقيقة المشكلة أمر على الفور بفتحها، وفى الوقت نفسه عرض على البابا كيرلس فكرة إقامة كاتدرائية ضخمة تليق باسم الكنيسة القبطية العريقة، وعندما ذكر البابا كيرلس أن الكنيسة فقيرة وليس لها أى موارد مالية، على الفور أمر بمساهمة الدولة بمبلغ ١٦٧ ألف جنيه وبدء البناء وتم افتتاحها فى ٢٥ يونيو ١٩٦٨، هكذا كان تصرف بطريرك الكنيسة المهتم بشأنها لأنها مسئوليته، ولأنه لا يكون هناك وطن بلا كنائس، وإلا بطلت كرازة مارمرقس.

فى مجال الطب كان للدكتور نجيب محفوظ «١٨٨٢- ١٩٧٢» رائد علم أمراض النساء والولادة، الكثير من المواقف الشجاعة، فقد حدث أن وافق مجلس كلية الطب على تعيين نجل رئيس الوزراء مساعداً بقسم أمراض النساء من وظيفة طبيب امتياز دون اجتياز جميع المراحل المقررة لذلك والتى تستغرق - طبقا للوائح المعمول بها - عدة سنوات، وكان قرار مجلس الكلية صادراً مراعاة لشدة حاجة الكلية إلى موافقة رئيس الوزراء على اعتماد مبلغ عشرين ألف جنيه لبعض أبنية مستشفى النيل الجامعى، وكان قد نشر فى جريدة «الوقائع المصرية» قراراً وزارياً بهذا التعيين! وهنا انبرى د. نجيب محفوظ معترضا على قرار المجلس وطلب من أعضاء المجلس الموافقة على السماح له بمقابلة رئيس الوزراء، فوافق المجلس، وعندما تقابل مع رئيس الوزراء أظهر له الضرر الذى سيصيب نجله عند تخطيه جميع المراحل المقررة وأن ذلك سيعرضه للمهانة بين رفاقه، كما أن هذا الاستثناء ستكون له عواقب وخيمة لنظام التعيين فى كلية الطب، فشكر له رئيس الوزراء موقفه وكلفه بإبلاغ المجلس سحب الوزارة لقرار التعيين، فما أشد احتياجنا - بالحقيقة - إلى التمسك بالحق والمجاهرة به، ونرفض بإصرار التدخل البغيض من المنافقين والمتملقين.. لا تخافوا، كونوا أشداء، ليكن لكم ضمير صالح فى كل حين..

أستاذ الهندسة - جامعة الإسكندرية