رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحلقة الحادية عشرة من كتاب الزميل حمادة إمام «مخابرات الجماعة إخوان وجواسيس»

مبارك تفاوض مع الإخوان تحت رعاية أمريكية .. والوسيط فؤاد علام

جريدة الدستور

«القرضاوى » أفتى بضرورة الحوار والتعاون والتحالف مع الغرب.. وبنك التقوى قام بتمويل تنفيذ فتواه

قضية «سلسبيل» كشفت خطة الإخوان فى التمكين.. والأمن استعان بخبير كمبيوتر مصرى أمريكى لفك شفراتها
تعتبر مرحلة مبارك والإخوان لا تقل أهمية عن مرحلة السادات، فإذا كانت مرحلة السادات شهدت الاتفاق التاريخى بعودة الإخوان للمسرح السياسى ضمن انقلاب شامل يقوم به السادات من أجل إرضاء الأمريكان وإحداث تغيير فى الخريطة العالمية، وهو ما تم بالفعل وكان السادات الضحية الأولى لهذا التغيير فإن مرحلة مبارك تكمن أهميتها فى أنها كانت ترسيخًا لمرحلة السادات بل وشهدت اتساعًا غير مسبوق فى النفوذ السياسى والاقتصادى والاجتماعى والإعلامى للإخوان والذين وصلوا إلى مرحلة التحالف مع مبارك تحت المظلة الأمريكية. حيث كان مسموحًا بالصراع بينهما لكن فى حدود معينة لا يتم تجاوزها ومع استمرارية النهج السياسى الذى يسمح بوجود الطرفين معًا مبارك والإخوان وهو الأمر الأمريكى والاستراتيجية الأمريكية والتى لا فكاك منها، وربما كان هذا الأمر أحد أسباب موافقة الإدارة الأمريكية على التخلص من مبارك فى يناير ٢٠١١. على أساس أن البديل الإخوانى جاهز.

فى ديسمبر ١٩٨١ جرت أغرب مفاوضات واتصالات مصرية فى تاريخ مصر بين نظام حاكم وتنظيم محظور مضمونها ضمان عدم قيام التنظيم المحظور بمظاهرات عدائية أثناء قيام الرئيس بزيارة خارجية لإحدى العواصم الأوروبية.
حيث أرسلت وزارة الداخلية وكيل مباحث أمن الدولة فى ذلك الوقت اللواء «فؤاد علام» لإجراء مفاوضات مع المرشد الخفى لجماعة الإخوان المسلمين المستشار على جريشة والذى كان يقيم بألمانيا ويرأس المركز الإسلامى هناك وكان أمام المفاوض المصرى مهمة واحدة وأساسية لا تخرج عن الحصول على ضمانات من المرشد الخفى بعدم القيام بمظاهرات ضد الرئيس «مبارك» أثناء زيارته إلى ألمانيا فى أول زيارة خارجية يقوم بها بعد توليه لمنصب الرئاسة خلفًا للسادات.
المفاوضات بين وفد مباحث أمن الدولة والمرشد نجحت لكن المقابل الذى حصلت عليه جماعة الإخوان المسلمين سواء المعلن أو الخفى يظل حتى الآن سرًا وإن كانت مذكرات الإخوان وبعض المسئولين السابقين الذين عاشوا عن قرب تكشف أن الإخوان قد حصلوا على مقابل ويؤكده منهج السلطة فى التعامل معهم.
وحتى تكشف الأيام تفاصيل هذه المفاوضات فإنها تظل حاملة مفاتيح بداية أول صفحة فى ملف الإخوان المسلمين ومبارك صفحة شديدة الخصوصية وتختلف عن سابقاتها وسبب خصوصيتها أنها أطول مع جماعة الإخوان المسلمين، بعد أن بدأ الاقتراب من الملف منذ أن كان نائبًا للسادات فى منتصف السبعينيات ثم رئيسًا لمصر بعد اغتيال السادات واستمرارتية رئيسًا لأطول فترة زمنية فى حكم مصر.
ليس هذا فقط هو مصدر الخصوصية بل إن الظروف السياسية التى فتحت فيها الصفحة الجديدة سواء على المستوى الداخلى أو الخارجى أضافت تميزًا وخصوصية جديدة للعلاقة فلما تولى مبارك السلطة كانت علاقة السلطة بالقوى السياسية الأخرى قد دخلت فى مرحلة اللا عودة وتكفل وزير داخلية السادات اللواء «النبوى إسماعيل» فى نسف كل الجسور والمعابر بين السلطة والقوى السياسية أضف إلى ذلك أن اغتيال السادات نفسه كان على يد حليفه الذى أطلقه للقضاء على ما أسماهم خصومه.
وعلى المستوى الخارجى كانت العلاقات المصرية العربية قد وصلت إلى أدنى مستواها بعد اتفاقية السلام بين السادات والكيان الصهيونى هذا على جانب النظام الحاكم.
أما عن الصورة من زاوية الإخوان المسلمين بشكل خاص والتنظيمات المتشددة بشكل عام فقد كانت مختلفة ومصدر اختلافها يرجع إلى أن الكوادر الإخوانية التى أفرج عنها السادات مع بدء حكمه انطلقت للعمل فى جميع المجالات واخترقت كل زوايا وأركان المجتمع المصرى بالإضافة إلى ذلك فإن الأجيال الجديدة التى بدأ تجنيدها منذ بداية السبعينيات وكانوا طلابًا فى المراحل الإعدادية والثانوية والجامعية كانوا قد تخرجوا وبدأوا العمل فى قطاعات الصحة والإسكان والخارجية والمحاماة والقضاء وغيرها من القطاعات.
وبمعنى أدق وأصح أصبح الإخوان منتشرين فى القطاعات الحكومية والمدنية معًا من نقابات وجمعيات وأحزاب سياسية.
وفى السياق نفسه كانت الأفرخ التى خرجت من الرحم الإخوانى قد أعلنت تمردها على المنهج التقليدى الذى تتعامل به الجماعات مع السلطة، وأن انتظار جنى الثمرة مسألة طويلة وبعيدة المنال وأن الانتشار والسيطرة على أجزاء الجسد المصرى كفيل بإصابته بالسكتة القلبية.
الواقع العملى أثبت فشله، وأن الدخول فى مواجهات مسلحة مع النظام هو الكفيل بقلب الحكم وإعلان الخلافة الإسلامية.
فى ٢٢ مايو ١٩٨٦ كان مصطفى مشهور النائب الأول قد أتم بناء التنظيم العالمى للإخوان كاملاً وأحكم عليه قبضته الحديدية وعاد للقاهرة، وبعد مرور ما يزيد على عشر سنوات من إقرار النظام العام للجماعة، قامت الجماعة بإجراء دراسة تقويمية لنشاطاتها والأسس التنظيمية لها، خاصة ما يتعلق بالنظام العام الذى يحكم وينظم حركتها، ورغم إجماع الأعضاء على الأهداف والوسائل التى تتضمنها اللائحة العالمية للجماعة إلا أن هناك بعض الآراء التى طالبت بإجراء بعض التعديلات على تلك اللائحة، لتشمل، مدة ولاية المرشد العام وتعديل نسب ممثلى الأقطار فى مجلس الشورى حسب تغير أحوال بعض الأقطار والتوسع فى تفصيل حقوق الأفراد تجاه الجماعة وتجاه إخوانهم، وإعادة صياغة المادة الخاصة بالبيعة، وضبط عضوية الأقطار فى التنظيم العالمى لتصبح موازية لضبط عضوية الفرد فى القطر.
وفى ٢٨ مارس ١٩٩٤ أقره مجلس الشورى العالمى وأصبح النظام العام للجماعة يضم ٥٤ مادة، مقسمة على ستة أبواب والقاهرة المقر الرئيس للإخوان.
أبريل ١٩٩٠ قام بنك التقوى التابع لجماعة الإخوان المسلمين بطبع كتاب أولويات الحركة الإسلامية فى المرحلة القادمة للدكتور يوسف القرضاوى مفتى جماعة الإخوان المسلمين من يقرأ الكتاب يجد إجابة واضحة ومحددة للسؤال عن مدى شرعية ومشروعية الاتصال والحوار مع الغرب بشكل عام والأمريكان بشكل خاص وهل هذا الحوار حلال أم حرام؟ والأساس الشعرى لهذا الحوار.
حيث يؤكد الدكتور القرضاوى فى ص ١٧٢ من الكتاب أن الغرب هو الذى يحكم العالم منذ قرون، وهو صاحب الحضارة التى تسود دنيانا اليوم شئنا أم أبينا، وقد حكم ديارنا واستعمر أقطارنا مددًا من الزمن ثم رحل عنها كرهًا أو طوعًا، ولكنه لا يزال يؤثر فيها، وفى صنع القرار فيها من قريب أو بعيد، وتأثيره على عقول حكَّامنا وعلى إرادتهم معروف غير منكور.
ولم يعد فى وسع مجموعة من الناس أن تعيش بعقيدتها ومبادئها وحدها، معزولة عن العالم من حولها، وفى مدينة فاضلة كالتى تخيلها الفلاسفة القدماء والمحدثون فإن ثورة الاتصالات الهائلة قربت ما بين أطراف هذه الكرة التى نعيش عليها، حتى غدت كأنها قرية كبري، كما وصفها أحد الأدباء بحق.
ولهذا كان الحوار مع الغرب فريضة وضرورة لنا، حتى يفهم ماذا نريد لأنفسنا وللناس، وأننا أصحاب دعوة لا طلاب غنيمة، ورسل رحمة لا نذر نقمة، ودعاة سلام لا أبواق حرب، وأنصار حق وعدل لا أعوان باطل وظلم، وأن مهمتنا أن نأخذ بيد الإنسانية الحائرة إلى هداية الله، وأن نصل الأرض بالسماء، والدنيا بالآخرة، والإنسان بأخيه الإنسان، حتى يحب كل أمرئ لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، وحتى تبرأ البشرية من «داء الأمم» الحسد والبغضاء، فإنها «الحالقة» ليست حالقة الشعر ولكنها حالقة الدين.
نعلم أن الغرب مازالت تحكم تصوراته لنا وفكرته عنا، مواريث سوداء لوثت فكره وقلبه من جهتنا، ورثها منذ عهد الحروب الصليبية، ولم تفارقه فى الأعم الأغلب إلى اليوم.
وقد اعترف بذلك كثير من مفكريهم الأحرار والمنصفين.
ومع هذا لا نيأس من الغرب ولا ننفض اليد من جدوى الاتصال به والحوار معه، وإن اختلفت حضارتنا وحضارته، وهل يكون الحوار إلا بين مختلفين؟ فليكن حوار الحضارات كما سماه المفكر المعروف رجاء جارودى حوار الحضارات بدل صراع الحضارات.
وما لنا لا نحاوره وقد سن لنا القرآن سنة الحوار مع المخالفين وجعل ذلك إحدى وسائل الدعوة إلى الله.
وأكثر من ذلك أن القرآن الكريم ذكر لنا حوار رب العزة، مع شر خلقه إبليس، ولم يغلق فى وجه هذا اللعين باب الحوار، وأى حوار؟ حوار مع رب العالمين.
لابد للحركة الإسلامية بعد الحوار الدينى والحوار الفكرى من حوار آخر مع الغرب: حوار سياسى مع رجال السياسة، وصناع القرار الظاهرين والمستنرين.
وأعتقد أن الحوارين السابقين يمهدان لهذا الحوار الجلل فالكنيسة وإن عزلت رسمياً عن التدخل فى السياسة ــ لا يزال لها وزنها فى التأثير على رجال الدولة ومازالت أصابعها تعمل من وراء ستار فى شئون السياسة الخارجية، وبخاصة ما يتعلق منها بالإسلام والمسلمين والمستشرقون وإن بدا عملهم أكاديمياً لهم صلات لا تخفى ــ أو لكثير منهم ــ بأجهزة الاستخبارات والأمن القومى ووزارات الخارجية.
وهناك من يؤنس من كل محاولة لحوار سياسى مع الغرب، ومن يردد قول الشاعر الغربى القديم «الشرق شرق، والغرب غرب، ولا يلتقيان».
ولكن رأينا الغرب التقى مع الهند، والتقى مع اليابان، بل التقى أخيراً مع الصين! ويقول آخرون: إن الغرب يمكن أن يلتقى مع الهند والصين واليابان وبعباراة أخرى مع الهندوس والبوذيين والشيوعيين، ولكنه لا يلتقى مع المسلمين، وقد يستدلون لذلك بأقوال لمبشرين ومستشرقين وساسة، عبروا عن حقدهم على الإسلام بعبارات تقطر سماً.
وهناك من يسىء الظن بكل من يحاول الاتصال بالغرب أو الحوار معه بأى صورة من الصور، ومن يستغل أى نوع من هذا الاتصال ليقذف أصحابه بالتهم الجاهزة: العمالة والخيانة.. إلخ ولا ننسى هنا ما لقيه الرجل الصلب الأستاذ حسن الهضيبى، المرشد الثانى للإخوان المسلمين، من جراء اتصاله بمستر إيفانز وقد كان ذلك بعلم رجال الثورة المصرية ورضاهم، ثم لم يلبثوا أن اتخذوا سلاحاً ضده، وأداة للتشويش عليه وعلى الحركة ورجالها وسياستها!
وهذا ما ينبغى أن ندركه، ونحسب حسابه، ونعرف كيف نحتاط له، ونحترس من استخدامه ضد الحركة من خصومها.
وهنا لا أنكر أيضاً أن عقد الحقد على الإسلام، والخوف من الإسلام وأمته، لاتزال تحكم عامة الساسة فى الغرب، ومازالت ذكريات اليرموك وأجنادين وشبح الحروب الصليبية، وفتوح العرب والعثمانيين، وأسماء خالد بن الوليد، وطارق بن زياد، وصلاح الدين، ومحمد الفاتح، تقلقهم وتفزعهم.
ومع هذا لا ينبغى أن تحكمنا نحن عقدة الخوف من هذه العقدة، ولابد من كسر الحواجز النفسية، ومحاولة التحرر من العقد قديمها وحديثها.
وقد تقاربت أوروبا على ما كان بينها من حروب ودماء، وثورات وتوشك أن تكون دولة واحدة فى الأمد القريب.
وتقارب الأمريكان والسوفييت وزال ما كان بينهما من حروب ساخنة وباردة فلم لا يجوز التقارب مع المسلمين؟
إن منطق الغربيين معروف: إنه لا توجد صداقة دائمة ولا عداوة دائمة إنما توجد مصالح دائمة.
ولا مانع عندنا أن ننطلق من مبدأ رعاية المصالح المشتركة بيننا وبين القوم، وأعتقد أن مصلحة الغرب ألا يعادى ألف مليون من المسلمين، وأن يكسب ودهم واحترامهم وثقتهم.
ومن واجبنا نحن أن نعمل على تحسين صورتنا عند الغرب، الذى كونها عنا خلال صراعات مريرة، لم تمح من ذاكرة التاريخ، دخلت فيها المبالغات والأساطير.
ولا نجحد أن من بيننا أناساً لا يقدمون صورة حسنة للإسلام، لا من جهة فكرهم، ولا من جهة سلوكهم.
فهم يقدمون الإسلام فى صورة العنف والتشدد والصدام الدموى مع الآخرين، وإهمال شأن الحريات وحقوق الإنسان ولاسيما حقوق الأقليات والنساء.
وربما ساعد على ذلك ما هو واقع مشاهد فى كثير من بلاد المسلمين، مما قد يظن أنه بعض ثمار الإسلام وأحكامه.
هذه الأوهام المستقرة لا تزول وحدها، ولا تزول بين عشية وضحاها، إنما يمكن أن تزول بحوار صادق النية، طويل النفس قائم على المكاشفة لا المراوغة، على الاستقامة لا الالتواء، وإن كان هذا فى دنيا السياسة أمراً مستبعداً، ولكنه ليس بمستحيل فلم يعد فى السياسة اليوم أمر مستحيل.
إننا إذا أقنعنا قادة الغرب والمؤثرين فى سياسته بحقنا فى أن نعيش بإسلامنا، توجهنا عقيدته وتحكمنا شريعته، وتقودنا قيمه وأخلاقه، دون أن نبغى عليهم، أو نضمر سوءاً لهم، نكون قد قطعنا شوطاً كبيراً فى سبيل الوصول إلى هدفنا فى إقامة المجتمع المسلم الذى ننشده فى أوطاننا.
فمما لا شك فيه أن أول ما يعوقنا فى طريق هذا الهدف هم حكامنا الذين يقفون لنا بالمرصاد، ويقاومون كل توجه لتحكيم الإسلام فى الحياة: الاجتماعية والسياسية والثقافية. وأن أكبر ما يؤثر على حكامنا هو الغرب ورجاله وساسته، بالتنفير من الإسلام، والتخويف من دعاته، والتشكيك فى حركاته، بالتصريح حينا، والتلويح أحياناً وبالطريق المباشر تارة، وغير المباشر طوراً.
لهذا كان إقناع الغرب بضرورة ظهور الإسلام موجهاً وقائداً، لو أمكن، إقناعاً لحكام العرب والمسلمين بالتالى، وفى ذلك كسب كبير.
الدكتور يوسف القرضاوى لم ينس أن يذكر فى مقدمة كتابه أن يقول «أود أن أشير هنا إلى أمر مهم وهو أنى أريد بالحركة الإسلامية الحركة بمعناها العام ولا أقصد حركة معينة وإن كان أكثر تمثيلى بحركة الإخوان المسلمين لأنها الحركة التى نشأت فيها وعشت محنها ومنحها وخبرت الكثير من أحوالها قرابة نصف قرن من الزمان».
فى يناير ١٩٩٥ أجرى الرئيس السابق مبارك حواراً مطولاً لـ «نيويورك تايمز» الأمريكية وبثته كل وكالات الأنباء العالمية وكان السبب وراء اتساع دائرة شد الحوار هو الاعتراف الذى أدلى به الرئيس مبارك على علاقة المخابرات الأمريكية بجماعة الإخوان المسلمين، حيث قال «إن الحكومة الأمريكية على صلة بإرهابيى جماعة الإخوان المسلمين وعناصر العنف فى البلاد وأن الأمر كله جرى فى سرية تامة ودون علمنا فى بادئ الأمر». وأضاف «أنتم تتصورون أنكم ستصححون الأخطاء التى ارتكبتموها فى إيران حيث لم تكونوا على صلة بآية الله الخمينى وجماعته المتطرفة قبل أن يصلوا إلى السلطة».
وفى مقطع آخر من الحوار يقول: «لكن أستطيع أن أؤكد لكم أن تلك الجماعات لن تسيطر أبداً على هذا البلد ولن تكون أبداً على صلة طيبة بالولايات المتحدة، وأن هذه الاتصالات لن تكون ذات فائدة لكم أو لأى دولة أخرى تساند تلك الجماعات»، ثم انتقل مبارك فى حواره إلى الجماعات الأخرى مثل الجماعة الإسلامية والجهاد.
حيث شن هجوماً شديداً عليهم، وقال: «إنهم لا يمتون للإسلام بصلة لأنهم بكل وضوح وبساطة شديدة يريدون الاستيلاء على السلطة، واصفاً إياهم بأنهم ليسوا سوى محترفى هز.
خروج مبارك عن صمته فى هذا التوقيت بالذات كان خروجاً مثيراً للدهشة والغرابة فى ضوء مقدمات وبدايات العلاقة بينه وبين الإخوان المسلمين وتطورها، وفى السياق نفسه الأحداث التى كانت تدور وقتها سواء على المستوى الداخلى وكذلك الخارجى.
البداية الحقيقية للتعرف عن خطط ومنهج الإخوان فى التحرك فى عهد مبارك تكتشف فى منتصف التسعينيات وتحديداً مع الإعلان عن القضية رقم «١٣٦ لسنة ٩٥» التى عرفت إعلامياً باسم «التمكين» والتى اضطرت الأجهزة إلى الاستعانة بخبير كمبيوتر مصرى مقيم بالولايات المتحدة الأمريكية لفك شفرة الكمبيوتر والملفات المحفوظة عليه، وجاءت التفاصيل فى ثلاث عشرة ورقة فلوسكاب من القطع الكبير معنونة تحت اسم «التمكين» وتؤكد أن المرحلة الجديدة من عمر التنظيم تتطلب المواجهة.
ولا تحتمل عمومية الأهداف السابقة فى الانتشار والتغلغل وتحذر من التضارب فى القرارات بالنسبة للمواقف التى تتعرض لها الجماعة.
وتبدأ الوثيقة بطرح تساؤلين هما لب خطة «التمكين»:
الأول: ما الرسالة التى تتطلب لإنجازها؟
والثانى: ما الأوضاع التى ينبغى أن تكون عليها الحالة والنتائج الموجودة على المديين القريب والقصير من حيث:
تحقيق الرسالة.
توافر الاستمرارية.
الاستعداد للمهام المستقبلية
رفع الكفاءة.
والرسالة فى عرف الجماعة وحسب نص الوثيقة تستهدف التهيؤ لتحمل مهام المستقبل وامتلاك القدرة على إدارة الدولة وإعداد البناء الداخلى لمهام المرحلة «الكفاءة» والأخير تقصد بها الوثيقة وضع سياسة مواجهة لذلك التهديد الخارجى يقصدون به محاولات إجهاض مخططات الجماعة للسيطرة والتغلغل وذلك عن طريق:
الانتشار فى طبقات المجتمع الحيوية والقدرة على تحريكها.
الانتشار فى المؤسسات الفاعلة ويقصدون بها الجيش والشرطة.
والتعامل مع القوى الأخرى.
وأخيراً الاستفادة من البعد الخارجى.
وتؤكد الوثيقة أن الانتشار فى قطاعات الشعب «طبقات المجتمع» الحيوية والقدرة على تحريكها يحقق فوائد عدة للجماعة أهمها أن هذا التغلغل يقلل من فرص التهديد ويجعل قرار المواجهة أكثر صعوبة، كما أن القدرة على تحريك هذه الطبقات يزيد من فرص التغيير والاقتراب من تحقيق الرسالة التى هى القدرة على إدارة أمور الدولة والسيطرة على الحكم.
وحسب نص الوثيقة أنه تم اختيار القطاعات المرشحة للاختراق والتغلغل والتمكين منها وفق الأسس التالية:
سهولة الانتشار.
فاعلية التأثير على تحريكها.
مدى إمكان تحريكها.
استمرارية التأثير.
وإنه وفق لهذه الشروط الأربعة تم اختيار قطاعات الطلاب وقطاع العمال والمهنيين ورجال الأعمال والطبقات الشعبية كقطاعات مرشحة لأعمال خطة التمكين بشقيها.
الممارسات الفعلية للإخوان المسلمين كشفت أنها استفادت من البعد الخارجى وضغوط الغرب بشكل عام وضغوط الأمريكان بشكل خاص، ولما سئل نائب المرشد العام للإخوان المسلمين فى مايو ٢٠٠٥ حول ما إذا كانت الضغوط الخارجية خصوصاً تلك التى تمارسها الإدارة الأمريكية من أجل إصلاح ديمقراطى فى مصر أسهمت فى تشجيع جماعة الإخوان على النزول إلى الشارع.
قال: «نحن نرفض الضغوط الخارجية ونعتبرها نوعاً من الوصاية ونرى أنها تخدم أهداف الإدارة الأمريكية .. لكن كل القوى السياسية المصرية مستفيدة من هذه الضغوط كونها تقلل من فرص لجوء السلطات إلى إجراءات قمعية فى مواجهة معارضيها».
إدارة الدولة
أخطر ما فى وثيقة التمكين أنها توضح الشكل الانقلابى الذى يعده الإخوان للسيطرة على نظام الحكم والوصول إلى مرحلة إدارة الدولة أو ما اصطلح على تسميته فى تلك الوثيقة الخطيرة بالاستعداد للمهام المستقبلية.
وتقول الوثيقة: إن المحافظة على الحالة من التمكين التى يصل إليها المجتمع يتطلب ضرورة امتلاك القدرة على إدارة الدولة لمواجهة احتمال اضطرارنا لإدارة الدولة بأنفسنا، وفى الوقت نفسه ستؤدى حالة التمكين إلى تكالب القوى المعادية الخارجية، لذا كان لابد من الاستعداد لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية من خلال أن يكون لدينا - الإخوان - رؤية لمواجهة التحديات سواء من حيث امتلاك الإمكانات اللازمة لتحقيق هذه الرؤية والقدرة على تطوير تلك الرؤية، وهذا يتطلب إعداد البناء الداخلى بما يتواكب مع متطلبات المرحلة ويحقق الاستخدام الأمثل للموارد والذى اصطلحت الوثيقة على تسميته بـ«الكفاءة».. وتضيف الوثيقة أن هذا يمثل التحدى العملى فى تحقيق الخطة بأهدافها المختلفة مما يستوجب مع جزئيات البناء الداخلى لتطويرها كل تتوافق مع طبيعة المرحلة المقبلة سواء من حيث الرؤية أو التكوين للأفراد أو البناء الهيكلى.