رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثروت الخرباوى


ورغم اتفاق كل علماء الحديث على عدم صحة هذا الحديث إلا أن هناك صلاة أخرى درج عليها العديد من عامة المسلمين على مدار أجيال عديدة خاصة فى الريف وبين المتصوفين أطلقوا عليها صلاة الكفارة.

لم يكن المسلمون الأوائل فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى عهد التابعين وتابعى التابعين يعرفون ما يسمى «الجمعة اليتيمة» وهى الجمعة الأخيرة فى شهر رمضان ولم يكن من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام القيام بأى مظاهر اجتماعية خاصة للاحتفال بليلة القدر أو بالعشر الأواخر من شهر رمضان الكريم، إذ كان المسلمون يحتفون بالشهر الكريم كله وكان احتفالهم بالشهر يتمثل فى الاجتهاد فى العبادة وقيام الليل وقراءة القرآن وصلة الرحم والتواد والتراحم، وكان للقرآن فى رمضان منزلة خاصة ومكانة سامقة فقد كان المسلمون فى هذا الشهر الكريم يقرأون القرآن ويتدارسونه طوال الشهر، فقد كان رمضان هو شهر مُدارسة القرآن عند الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان يتدارسه مع جبريل عليه السلام وقد أورد البخارى فى صحيحه عن ابن عباس رضى الله عنه أنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه فى كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن».

لذلك اقتدى المسلمون بالرسول صلى الله عليه وسلم وكان شهر رمضان بالنسبة لهم هو الواحة التى يقطفون فيها ثمار تلاوة القرآن ومدارسته ويتذوقون منها حلاوته، إلا أنهم كانوا يتحرون ليلة القدر فى العشر الأواخر من رمضان وكانوا آنذاك يجتهدون فى العبادة وقيام الليل وقراءة القرآن اقتداءً بالنبى عليه الصلاة والسلام، فعن عائشة رضى الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شدّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله» وشد المئزر هنا كناية عن شدة جدِّه واجتهاده فى العبادة.

وهكذا كان يفعل المسلمون من جيل الصحابة وسار على نسقهم وسنتهم التابعون ومن جاء من بعدهم.. إلا أنه لم يؤثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه خص الجمعة الأخيرة بعبادة أو صلاة تختلف عن باقى الشهر كما لم يؤثر عنه أو عن الصحابة الاحتفال بها أو توقيرها بصلاة أو نسك تنفرد به عن باقى الشهر أو عن غيرها من الجُمَع.

بيد أن بعض الكتب أوردت حديثًا لا أصل له نسبته للمصطفى صلى الله عليه وسلم جاء فيه «من صلى فى آخر جمعة من رمضان الخمس الصلوات المفروضة فى اليوم والليلة قضت عنه ما أخل به من صلاة إلى سبعين سنة» وقد أطلقوا على هذه الصلاة صلاة الفوائت وقد اعتقد المتصوفون بهذا الحديث وآمنوا به، ومنهم انتقل الاعتقاد به وبصحته إلى الكثير من عامة المسلمين، وظلت أجيال من عامة المسلمين يتناقلون هذا الحديث ويتحدثون عن فضل يوم الجمعة الأخيرة وفضل صلاة الفرض فيها، حتى إنهم أطلقوا عليها جمعة القضاء وجمعة الفوائت.. وكان المسلم الذى فاتته بعض صلوات من المفروضة على مدار العام ينتظر حتى الجمعة الأخيرة من رمضان ليصلى الخمس صلوات المفروضة ويكون بذلك ضمن قضاء ما فاته من صلوات!! ورغم اعتقاد العديد من عامة المسلمين على مر العصور بهذا الحديث الذى يضع مكانة خاصة للجمعة الأخيرة من رمضان، ولصلاة الفرض فيه عن باقى الجمع والأيام طوال العام، إلا أن علماء الحديث أثبتوا أنه حديث موضوع لا صحة له، وقد ذكر الإمام الشوكانى فى كتابه الفريد فى تصنيفه «الفوائد المجموعة فى الأحاديث الموضوعة بتحقيق المعلمى»: هذا حديث موضوع لا إشكال فيه ولكنه اشتهر عند جماعة من المتفقهة بمدينة صنعاء فى عصرنا هذا وصار كثير منهم يفعلون ذلك ولا أدرى من وضعه لهم فقبح الله الكذابين».. كما ذكر الإمام أحمد بن محمد بن على بن حجر الهيتمى فى كتابه «تحفة المحتاج فى شرح المنهاج» أن هذا الحديث من الأحاديث الموضوعة التى لا أصل لها حتى إنه لم يرد فى أى كتاب من كتب الأحاديث الصحيحة.

ورغم اتفاق كل علماء الحديث على عدم صحة هذا الحديث إلا أن هناك صلاة أخرى درج عليها العديد من عامة المسلمين على مدار أجيال عديدة خاصة فى الريف وبين المتصوفين أطلقوا عليها صلاة الكفارة، فقد نسب البعض لسيدنا على رضى الله عنه أنه كان يصلى فى الجمعة الأخيرة من رمضان صلاة خاصة عبارة عن أربع ركعات حيث يقرأ المُصلى فى كل ركعة الفاتحة مرة واحدة وسورة الكوثر خمسة عشر مرة وكذلك سورة القدر وبعد التشهد وقبل السلام يصلى على النبى صلى الله عليه وسلم مائة مرة.. إلا أن هذه الصلاة أيضًا لا أصل لها ولا صحة لنسبتها لسيدنا على كرم الله وجهه..غير أن العلماء أجمعوا على أنه إذا كانت الصلاة المنسوبة لعلى رضى الله عنه بدعة والحديث الوارد عن جمعة الفوائت موضوع، إلا أنه لا حرج فى هذا اليوم من أن يتقرب المسلم إلى الله كيف يشاء بقراءة القرآن وقيام الليل وصلاة التهجد والدعاء لله سبحانه وتعالى والاستغفار كما يفعل فى كل أيام الشهر الكريم، بل ينبغى عليه أن يجتهد فى العبادة فى هذا اليوم على اعتبار أن الجمعة اليتيمة تدخل فى العشر الأواخر من رمضان.