رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشيعة الإخوانية


عندما نتوغل فى تاريخ جماعة الإخوان المسلمين وعلاقتهم بالشيعة نجد أن حسن البنا فى مراحله الأولى قد وقع فى هوى الشخصية الشيعية الشهيرة «جمال الدين الأسد آبادى» الشهير بجمال الدين الأفغانى، فضلاً عن علاقاته المتعددة بكثير من مراجع الشيعة وأبرزهم آية الله سيد أبو القاسم كاشانى، وعندما نقرأ أفكار البنا ومواقفه نجده وقد تأثر بكثير من أفكار الشيعة...
وكان حسن البنا ولا يزال محل إعجاب وتقدير كبيرين من علماء الشيعة بل من عموم الشيعة خاصة «الإمامية الإثنى عشرية» وقد كتب الدكتور العلامة إسحاق موسى الحسينى الذى كان عضوا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة إلى أن توفاه الله عام 1990، وكان أيضاً عضواً بالمجمع العلمى العراقى، فضلاً عن عضويته لمجمع البحوث الإسلامية، كتب هذا العالم الكبير فى كتابه الشهير «الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية الحديثة» أن الود كان متبادلاً بين الإخوان والشيعة، بل إن الشيعة كانوا يعتبرون الإخوان فرعاً من فروعهم ومتحدثاً بلسانهم وسط الأمة السنية، وكان مما قاله فى هذا الصدد «إن بعض الطلاب الشيعة الذين كانوا يدرسون فى مصر قد انضموا إلى جماعة الإخوان، ومن المعروف أن صفوف الإخوان المسلمين فى العراق كانت تضم الكثير من الشيعة الإمامية الإثنى عشرية، وعندما زار «نواب صفوى» سوريا وقابل الدكتور «مصطفى السباعى» المراقب العام للإخوان المسلمين هناك اشتكى إليه الأخير أن بعض شباب الشيعة ينضمون إلى الحركات العلمانية والقومية فصعد نواب إلى أحد المنابر وقال أمام حشد من الشبان الشيعة والسنة :«من أراد أن يكون جعفرياً حقيقياً فلينضم إلى صفوف الإخوان المسلمين» .

وحين أسس المرجع الدينى الشيعى محمد باقر الصدر فى العراق «حزب الدعوة» الشيعى ــ وهو أحد أكبر الأحزاب الشيعية فى العراق ــ رأى أن يدخل فى تحالف واضح مع «الحزب الإسلامى العراقى» السنى، وقد كان الحزب الإسلامى هذا هو الذراع السياسية لجماعة الإخوان فى العراق، ثم دخل حزب باقر الصدر الشيعى مع الحزب الإخوانى فى تحالف بعد ذلك حتى إن كثيراً من المؤرخين قالوا إنهما كانا فى حالة وحدة. وفى الوقت نفسه تجد أن الإمام الخمينى مرشد الثورة الإيرانية وضع كتاباً تحت عنوان «الحكومة الإسلامية» وضح من خلاله تأثره بفكر سيد قطب والمودودى، وقد كان كتاب الخمينى هذا حاضراً بقوة فى المشهد الإسلامى الإخوانى المصرى إبان فترة السبعينيات، وأذكر حينما كنا طلبة بالجامعة وفى غضون عام 1979 أنه انتشر بين طلاب الإخوان المسلمين كتاب «الحكومة الإسلامية للخمينى» وكان الأستاذ مصطفى مشهور وقتها يقوم بتدريس هذا الكتاب للطلاب فى المعسكرات الإسلامية، وأذكر أننى حضرت أحد هذه المعسكرات فى مدينة رأس البر، وكان هذا المعسكر قد نظمته الجماعة الإسلامية ـ لسان حال الإخوان فى الجامعات ـ وكان بعض شيوخ الإخوان الكبار يلقون محاضراتهم فى الأمسيات، وفى الليلة الأولى للمخيم قامت إدارة المعسكر بتوزيع كتيب الحكومة الإسلامية للخمينى علينا، وبعد أن تسلم كل واحد منا نسخته من ذلك الكتيب طلب منا المشرف على المعسكر الأخ «زياد عبد الخالق السورى» ــ وكان من الطلبة السوريين الذين يدرسون فى جامعة عين شمس وكان يمت بصلة قرابة لمصطفى السباعى الذى كان مسئولاً عن الإخوان فى سوريا ــ طلب منا أن نقرأ هذا الكتيب بإمعان حيث إن أحد الرموز الإسلامية سيلقى علينا محاضرة عنه فى المساء، لم يخبرنا الأخ باسم هذا الرمز الأمر الذى جعلنا نتشوق للمحاضرة فانكب كل واحد منا على كتيب الخمينى نقرأه حتى كدت أن أحفظ سطوره.

وفى المساء كانت المفاجأة، الحاج مصطفى مشهور -عضو مكتب الإرشاد- هو المحاضر، جاء إلى المعسكر فى سيارة «فيات» قديمة بيضاء اللون، وكان يقود السيارة شاب كثيف اللحية أسمر اللون، وكان برفقة الحاج مصطفى رجل فى نهاية العقد السادس من عمره عرفت يومها أن اسمه «الحاج أحمد حسانين» وأنه كان أحد الأعضاء الكبار فى مكتب الإرشاد وأحد قيادات النظام الخاص بالجماعة، وكانت هذه أول مرة أعرف فيها هذا الرجل الذى كان معروفاً فى الجماعة بـ «الرجل الصامت»!. وبعد صلاة العشاء قام الحاج مصطفى مشهور بإلقاء درس علينا قارن فيه بين كتيب الخمينى «الحكومة الإسلامية» وكتاب معالم فى الطريق، ثم عرج فى محاضرته على فكرة الحكومة الإسلامية التى تمثل المشروع الأكبر فى فكر المودودى، وعقد مشهور مقارنة بين تلك الكتب، وقال وقتها إن الخمينى تأثر بالبنا لأن البنا كتب فى رسائله عن الحكومة الإسلامية، واستطرد مشهور فى محاضرته شارحاً نقاط التقاء الخمينى مع البنا فقرأ فقرات من رسالة البنا «دعوتنا» التى تحدث فيها البنا عن أن الإيمان مخدر فى قلوب المسلمين ولكنه يقظ منتبه فى قلوب الإخوان، ثم قرأ فقرات من كتاب آخر للخمينى عنوانه «جهاد النفس» يقول فيه الخمينى مخاطباً عموم المسلمين: إلى متى يتملككم السبات والغفلة، استيقظوا من نومكم واجعلوا إيمانكم يقظاً منتبهاً.

وفى ختام محاضرته تحدث عن تقارب فكر الخمينى بفكر سيد قطب فقال وهو يمازج بينهما: «إن هذا الكتاب وكتاب قطب معالم فى الطريق يخرجان من مشكاة واحدة ».