رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر ذات سيادة يا سادة «2»


فقد أعطى للحاكم وصف «صاحب السيادة»، وأنه لا يخضع لهذه القوانين، لكنه غير رأيه بعد فترة بإخضاع الحاكم للقوانين ولكنه لا يُسأل عنها إلا أمام الله.أما العالم الإنجليزى «هوبز» فقد أكد أن الحاكم هو صاحب السيادة بموجب تنازل الشعب عنها له تنازلاً مطلقاً، ولهذا فالحاكم فى رأيه هو مصدر السلطات جميعها : تشريعية وتنفيذية وقضائية.ثم جاء العالم «جان جاك روسو» ليقول إن هناك سلطتين لا تعلوهما سلطة،

لنبدأ هذا المقال بتفسير معنى السيادة، فأول مرة يرد تعبير «سيادة الدولة» بمعنى قوميتها وديمقراطيتها، ظهر هذا المعنى فى بداية ظهور الدولة القومية، إذ لم يكن هذا المعنى مقبولاً فى عصر سيادة الدولة الدينية، إذ كانت الكنيسة تفرض سيادتها على المسيحيين فى فترة العصور الوسطى، وتحكم الإقطاعيين فى الشعوب بتأييد من الكنيسة.

وبانتهاء عصر الإقطاع ظهرت نظرية السيادة، وكان المفكر السياسى الفرنسى «جان بومان» هو أول من استخدم تعبير نظرية السيادة فى كتابه «الجمهورية» فى عام 1576 ميلادية، والذى عرَّف تعبير السيادة بأنها السلطة العليا التى يخضع لها جميع المواطنين، وهى دائمة وغير محددة بالقوانين، وأهم عمل لها هو وضع القوانين.

ومع ذلك فقد أعطى للحاكم وصف «صاحب السيادة»، وأنه لا يخضع لهذه القوانين، لكنه غير رأيه بعد فترة بإخضاع الحاكم للقوانين ولكنه لا يُسأل عنها إلا أمام الله.أما العالم الإنجليزى «هوبز» فقد أكد أن الحاكم هو صاحب السيادة بموجب تنازل الشعب عنها له تنازلاً مطلقاً، ولهذا فالحاكم فى رأيه هو مصدر السلطات جميعها : تشريعية وتنفيذية وقضائية.ثم جاء العالم «جان جاك روسو» ليقول إن هناك سلطتين لا تعلوهما سلطة، هما سلطة الشعب والسلطة التشريعية، كما يرى روسو أن إرادة الشعب هى التى تمثل السلطة العليا، ومع الوقت تبلور مفهوم السلطة ليزول الخلط بين الدولة والحكومة ولتصبح الدولة متعددة السيادة.

فسيادة الدولة تعنى السلطة العليا قانونياً وسياسياً، فالسلطة القانونية للدولة سلطة مطلقة لا تنازع، إذ لها الحق القانونى فى سن القوانين وإلزام الشعب – كل الشعب – بالالتزام والخضوع على النحو الذى يحدده الدستور والقانون، ولهذا يقسم الرئيس وحكومته وكذلك أعضاء مجالسه التشريعية على احترام الدستور و القانون، حتى إذا ما أراد الحاكم تعطيل العمل بالدستور لحكمة يراها فإنه بالضرورة يلجأ إلى مجالسه النيابية وإلى استفتاء الشعب، وقد يرفض الشعب، وفى هذه الحالة يتنحى الرئيس لأن الشعب هو مصدر السلطات وصاحب السيادة السياسية القادرة على فرض الطاعة، ويطلق على هذه السلطة قوة الإرغام.وقد ظهر بوضوح مفهوم سيادة الدولة الحديثة فى أوروبا بعد تراجع سلطة المؤسسات، وعلى رأسها سلطة الكنيسة والتى كانت تتنازع سلطة الإمبراطورية الرومانية، إذ ادعت السلطات الملكية فى فرنسا وإنجلترا وإسبانيا أنها صاحبة السيادة المطلقة مستندة إلى كتابات «جان بودان» (1530 – 1596) ثم «توماس هوبز» 1588 – 1679، كتبرير للنظم الملكية المطلقة، إذ اعتبر «بودان» أن القانون هو تعبير عن إرادة صاحب السيادة وعلى الجميع أن يخضع لها، وأن المقيد لسلطة الحاكم هو الإرادة الإلهية أو القانون الطبيعى.

أما «هوبز» فكان يرى أن السيادة هى احتكار قوة الإرغام، ودعا إلى تركيزها فى يد حاكم واحد دون منازع من أحد، وكلاهما «بودان» و «هوبز» بررا إطلاق سلطة الحاكم لخير المواطنين، والبديل فى رأيهما عن سلطة الحاكم المطلقة ستكون الفوضى المطلقة.

وجاء بعد بودان و هوبز « جان جاك روسو» 1712 – 1778 بتصور السلطة الشعبية أو الإرادة العامة أى ربط السيادة بالديمقراطية.

أما جون أوستن 1790 - 1895، فقدم فكر السيادة البرلمانية، أى أن الملك يستمد سلطانه من البرلمان، فربط أوستن بين سلطة الحاكم وسلطة الشعب ممثلة فى البرلمان، وأطلق على هذه السلطة «السلطة الدستورية».والملاحظة التى يمكن اكتشافها بسهولة ويسر هى محاولة تركيز السلطة – أى السيادة – فى شكل من الأشكال السياسية، كالملك أو الرئيس، أو الشعب ممثلاً فى البرلمان لا سيما وقد طفت على السطح السياسى قوة تأثير جماهير الناس من فئات الشعب كما هو الحال فى ثورتى يناير 2011 ويونيو 2013 فى بلادنا، وكيف استطاع الشعب أن يغير نظامين حاكمين فى زمن قياسى بين نهاية نظام قديم دام لعقود من الزمن ونظام آخر لم يدم أكثر من عام واحد.

والمتابع للتطور المتسارع وتغيير لغة الحاكم المستند إلى تأييد شعبه، يجده كيف يواجه العالم بأسره من خلال منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة ليعلن للعالم أنه يستمد سلطته وقوته وكرامته من شعبه، فهو مصدر السلطات وصاحب الحق، والمدافع عن حريته وكرامته، وكيف أنه لم يعد مستعداً أن يتنازل عن جزء ولو يسير من كرامته، واستغلال إرادته بأى بديل مهما كان حجمه.ولم يكن الرئيس السيسى بإمكانه أن يواجه العالم بقوته الكبرى ما لم يكن متأكداً من حب الشعب له، وتقديره لحاكمه، وتفويضه له فى الدفاع عن حقوقه الثابتة والمؤكدة لاستحقاقات مصر «رمانة الميزان» فى المنطقة العربية والشرق الأوسط، بل وفى أفريقيا بما لها من مكانة تاريخية وسياسية وحضارية، ويكفينا ما عبر به أمير الشعراء أحمد شوقى فى حبه لمصر :

أحبُّك مصر من أعمـاق قلبى وحبُّك فى صميم القلب نامى

سيجمعُنى بـــك التاريخُ يومًا إذا ظـــهر الكرامُ على اللئـام

لأجلــك رحتُ بالدنيـا شقيًّا أصدُّ الوجهَ والدنيــا أمامى

وأختم حديثى عن مصر الوطن بما كتبه الشاعر «حافظ ابراهيم»:

وقــف الخلــق ينظـرون جميعاً كيف أبنى قواعد المجد وحدى

وبناة الأهرام فى سالف الدهر كفونى الكلام عند التحدى

ليتنا نحافظ على مصر بتاريخها وأمجادها وأبوابها المفتوحة لكل وافد هارب من جوع ليشبع، ومن خوف لمأمن، ومن جهل وتخلف لحضارة وعلم .وستبقى مصر بتاريخها وأمجادها مهما بلغ كره الحاسدين، فوعد الله منذ القدم أن يحفظها ويباركها ويحميها ويغنيها إذا ما أدى كل مصرى واجبه بحب وأمانة وتفان.

وبالحب والعمل والعطاء والجهد المخلص تصبح مصر صاحبة التاريخ، البلد المبارك، وتعود لما كانت «سلة الشبع» لمن جاع حولنا، وبلد الحكمة من عهد مينا ويوسف الأمين، وملاذ الخائفين لأمثال مريم البتول وطفلها المكرم المتفرد فى ولادته وحياته وموته وقيامته وأكيد وعده بعودته.

رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر