رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أبو همّام.. سِراج دار العلوم !


لإيمانى الشديد بأن المبدعين لايرحلون وإنما يقومون فقط بتغيير عناوينهم.. كان لزامًا على قلمى أن يجنح إلى الكتابة عن هذا الفذ الذى قام بتغيير عناوينه مؤخرًا ، وهو الإنسان الرائع الذى وهب حياته للشعر ، وقضى جُل وقته سابحًا بين الأوراق والدواوين.. وهو المكنَّى بأبى همام.. إنه أ.د. عبداللطيف عبدالحليم -رحمه الله- أحد الأصوات الشعرية المتميزة، أصدر 7 دواوين شعرية، ثم جمعها معاً فى كتاب واحد، والدواوين هى «الخوف من المطر»، «لزوميات وقصائد أخرى»، «هدير الصمت»، «مقام المنسرح»، «أغانى العاشق الأندلسى»، «زهرة النار»، «صائد العنقاء»، وله كتب فى الدراسات الأدبية والنقدية، منها «المازنى شاعراً، شعراء ما بعد الديوان، فى الشعر العمانى المعاصر، فى الحديث النبوى، حديث الشعر»، كما حقق كتاب «حدائق الأزاهر» لأبى بكر الغرناطى.

حصل أبو همّام على جوائز عدة من مصر والبلاد العربية واختير عضواً فى مجمع اللغة العربية بالقاهرة عام 2012. كان رئيس مجلس إدارة جمعية العقاد الأدبية 1985 - 1988، وعضو اتحاد الكتاب، وجمعية الأدب المقارن. ترجم أعمالاً إبداعية لمؤلفين وشعراء أندلسيين، «كأنطونيو جالا»، «لاجرانخا»، «ألديكوا». وهو عضو محكم فى كثير من اللجان والمؤتمرات فى الداخل والخارج، نشر شعره فى صحف الوطن العربى ومجلاته، وكتب مقدمات لبعض السلاسل الأدبية فى الشعر والقصة.وهو أشعر شعراء كلية دار العلوم التى عمل بها أستاذاً ثم رئيساً لقسم الدراسات الأدبية وهو لغويُّ الدار الضخم، فهلاّ انساح بفكره؛ فأخرج لنا دراسات نقدية، وبلاغية تناطح عبد القاهر، وتزيد على ابن الأثير، والقاضى الجرجانى، وتنحو نحو المعاصرة؛ فتأخذ طلاوة أسلوب طه حسين، وسحره، وتعشق موسوعية أ.د. شوقى ضيف، وألمعيته، وصفه أستاذه العلاَّمة د/ الطاهر أحمد مكى، فقال: «عبد اللطيف عبد الحليم من أذكى الشعراء، وأوسعهم ثقافةً، واطِّلاعاً على القديم والجديد، فلا تخلو دقيقة من حياته، إلاَّ وهو يقرأ فى كتاب، أو يحفظ دواوين الشعر».وهذه الكنية التى حرص عليها وكان يتباهى بها، هى لمسة وفاء لأستاذه «العقاد» إذ كان «همام» بطل روايته «سارة»، وقد سمى أبو همام ابنه بهذا الاسم لكى يحمل هذه الكنية. وكان أبو همام حريصاً ومعتزاً بتلمذته للعقاد, لكنه احتفظ لنفسه باستقلالية فى مساره العلمى والأدبى والثقافى والشعرى، فهو بحق شاعر يمثل علامة فارقة فى مسارالشعرية العربية, ومفارقته تتأتى من وفائه لتراثه الشعرى وانفتاحه على مستجدات الواقع الثقافى والإبداعى، فمسيرته الشعرية مسيرة واعية بما بين يديها من ميراث شعرى، تفيد منه وتواصله لكنها تغايره وتؤصل لنفسها مسارا إضافياً لا يلغى سابقه، لكن يقوده إلى زمنه الجديد فى البناء والصياغة والخيال والمعنى. فقد دخل فى مساجلاتٍ، ومناظراتٍ حول القديم والجديد مع غيره؛ فانتصر عليهم انتصاراً باهراً، فأثبت ضعف دعاواهم حول الحداثة، والشعر الحر! يقول أبو همام مخاطباً ابنته فى لمسةٍ حانيةٍ، كلها الحب، والحدب عليها، ناصحاً لها؛ خوفاً عليها من شدائد الدهر، وتقلباته، وعنفوانه، وما يُخَبِّئه للناس:تبسّمى، تورقُ النجومُ بأعماقي, وتَندى أشعةُ القمرِ.. ووقِّعى نغْمةَ الصباح بأعراقى وصُبّــــى الربيعَ فى الوتـــــر.عصفورتى زهوةَ الحقولِ, ويا شوقَ الندى، فى تنفُّسِ البُكَر..َأَلَّفى صُحبةَ الهجير, ولا تَمَلْمَلى للسقام, واصطبرى.

ليت الذى تطلبينَ, أرديةُ الحسن, أو الحَلْيُ شائقَ الصّور..أو مهجةُ الشاعر الأسيف, وإن أخشى عليكِ المخزونَ من فِكَرى!

والقارئ لشعر أبى همّام يلحظ جمعه بين الهم الفردى، والهم الجمعى، بين الذاتية، والقومية، بين آلام النفس، وآلام الأمة. سيظل سِراجاً منيراً بما تركه لنا من تراث شعرى عظيم وإبداعات تلقفها تلامذته ومريدوه لتخلد من خلالهم وأخيراً.. المبدعون لا يرحلون