رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مياه النيل.. بين (( آل عثمان )) و (( آل صهيون )) !


 قد يصدمك عنوان هذا المقال.. ولكن للأسف هذه هى الحقيقة التى تظهر واضحة للعيان ولاتحتمل أى لبس، فحزب العدالة والتنمية الحاكم فى تركيا والذى يقدم نفسه كخليفة لدولة آل عثمان الذين أنشأوا إمبراطورية بسطت نفوذها على جهات واسعة من أفريقيا وآسيا وأوروبا لقرون عدة تحت شعار (( دولة الخلافة العثمانية )) يمارس نفس اللعبة التى يمارسها خلفاء آل صهيون فى إسرائيل من استخدام كل الأدوات والأوراق المتاحة أمامهم فى دول منابع النيل من أجل هدف واحد هو الضغط على مصر وتهديد أهم مورد بالنسبة لها وهو نهر النيل الذى يمثل شريان الحياة بالنسبة لمصر، فمصر هى النيل والنيل هو مصر ومصر بدون مياه النيل تتحول إلى صحراء جدباء، ولكن كيف تضغط إسرائيل وتركيا على مصر فيما يتعلق بمياه النيل ؟!

بدأت علاقة إسرائيل بأفريقيا مبكراً وذلك منذ مؤتمر بازل السويسرية والذى عقد عام 1897، طرح فيه أنه يمكن إنشاء وطن قومى لليهود فى ثلاث دول هى أوغندا أو فلسطين أو الأرجنتين، قام وزير المستعمرات البريطانى «تشمبرلين» بتشجيع «تيودور هيرتزل» مؤسس الحركة الصهيونية على وضع مخطط يستهدف إنشاء وطن قومى لليهود فى أوغندا، إلى أن قرر المؤتمر الصهيونى السادس الذى عقد فى مدينة بازل السويسرية عام 1903 رفضه لمشروع إقامة وطن قومى لليهود فى أوغندا.

وقد سعت إسرائيل منذ قيامها عام 1948 لتوطيد علاقاتها مع الدول الإفريقية بصفة عامة ودول منابع النيل خاصة لتحقيق عدة أهداف أهمها :

مياه النيل بالنسبة للدولة العبرية هى حلم توراتى.. ففى التوراة وردت هذه العبارة «قطع الرب مع إبرام 7 ميثاقاً قائلاً: لنسلك أعطى هذه الأرض من نهر مصر إلى الفرات».. ومنذ قيام دولة إسرائيل عام 1948 وهى تحاول تنفيذ مضمون هذه العبارة و ترفع شعاراً قديماً حديثاً يتلخص فى هذه العبارة «حدودك يا إسرائيل من النيل للفرات»، تعمل بدأب لتحقيق هذا الحلم فبدأت بالتسلل إلى دول منابع النيل وخاصة إثيوبيا لتحقيق حلمها فى مياه النيل ولو بشكل مرحلى لأن بسط يدها على الأراضى الواقعة فيما بين النيل والفرات صعب التطبيق عملياً. وفى عام 1959 اتخذت إسرائيل عدة إجراءات بهدف تأمين احتياجاتها المائية بل والبحث عن موارد مائية جديدة فصدر قانون المياه الإسرائيلى الذى أوكل ثلاث هيئات مسئولية الشأن المائى الإسرائيلى وهى :

1- لجنة المياه :  

 

 

وهى أقدم مؤسسة مائية فى إسرائيل .

2- مؤسسة نحال :

وهى تختص بالتخطيط المائى ودراسة الجدوى الاقتصادية للمشروعات المستقبلية والبحث عن المصادر المائية الجديدة .

3 - مؤسسة مكوروت :

ومهمتها تنفيذ ومتابعة المشروعات المائية التى تخطط لها مؤسسة نحال، بالإضافة إلى تنظيم عملية استهلاك المياه .

ومع مرور الوقت ثبتت إسرائيل دعائم تواجدها فى دول منابع النيل لتطويق مصر وإثارة دول المنابع ضدها بهدف إضعافها والحصول على ما تستطيع أن تحصل عليه من مياه النيل لدرجة نشر عدة مقالات فى الصحف الإسرائيلية فى منتصف السبعينيات من القرن الماضى تتبنى فكرة نقل مياه النيل إلى صحراء النقب الإسرائيلية عبر سيناء، تحولت هذه الدعوات إلى وجهة نظر حكومية عبر عنها حينها «إليشع كيلى» مدير هيئة تخطيط المياه الإقليمية الإسرائيلية، تقوم على ضرورة شراء مليار متر مكعب من مياه النيل سنوياً من مصر، اقترح المسئول الإسرائيلى حينها أن تُنقل مياه النيل إلى صحراء النقب، عبر أنفاق أسفل قناة السويس لحل أزمة المياه فى إسرائيل .

وما اقترحه المسئول الإسرائيلى فى السبعينيات ورغم أنه يكشف المطامع الإسرائيلية فى مياه النيل، فإنه ليس بجديد فقد سبقه فى ذلك «تيودور هيرتزل» مؤسس الحركة الصهيونية، حيث تقدم هيرتزل بمشروع لتوطين اليهود فى سيناء وإعمارها عن طريق مد مياه النيل إليها، لكن هذا المشروع رفضته وزارة الأشغال العمومية فى حينه لخطورته على الزراعة فى مصر .

والخلاصة أن التواجد الإسرائيلى فى منابع النيل يمثل خطراً حقيقياً على الأمن المائى المصرى، مما يتطلب تضافر كل الجهود لمحاصرة هذا التواجد ووقف نشاطها المعادى لـ  (( القاهرة )) .

أما فيما يتعلق بتركيا فإن نفوذها يتركز فى دولتين مهمتين من منابع النيل هما إثيوبيا وكينيا، خطورة الوجود التركى أنها هى تكاد الدولة الوحيدة من خارج نطاق دول المنابع التى أعلنت أنها على استعداد لتقديم خبراتها فى مجال السدود لإثيوبيا مساهمة منها فى إنجاز العمل فى سد النهضة الذى يهدد وجود مصر من الأساس .

ولكن كيف نواجه هذين الموقفين العدائيين من أحفاد (( آل عثمان ))  وأحفاد (( آل صهيون )) .

الحل يكمن فى البدء وبسرعة فى تشكيل لجنة دائمة للتعامل مع ملف مياه النيل تضم فى عضويتها كل التخصصات من الهيدرولوجيا والقانون والتاريخ والجغرافيا والصحافة، شرح الموقف المصرى للعالم والذى يتلخص فى أن مصر تعتمد على مياه النيل فى جميع الاستخدامات من الزراعة إلى الشرب والصناعة والنقل النهرى بنسبة تصل إلى 97 %، وأن استمرار إثيوبيا فى إنشاء سد النهضة يمثل جريمة إبادة جماعية بحق الشعب المصرى، وبالتالى على المجتمع الدولى أن يدفع إثيوبيا للدخول فى مفاوضات جادة – وضع تحت جادة مليون خط – مدتها لاتتجاوز 6 أشهر مع وقف العمل بسد النهضة أثناء إجراء هذه المفاوضات، فإذا لم نتوصل إلى اتفاق فلتتقدم مصر بطلب إلى مجلس الأمن لإحالة نزاعها مع إثيوبيا بشأن سد النهضة إلى محكمة العدل الدولية باعتباره يمثل تهديداً للأمن والسلم الدوليين، والقانون الدولى يقف فى صف مصر، فحقوق مصر فى مياه النيل تحفظها عدة اتفاقيات تاريخية أهمها :

1- بروتوكول روما :

وقد تم توقيع هذا البروتوكول فى روما فى 15 أبريل من عام 1891 بين كل من بريطانيا وإيطاليا، فيه تعهدت إيطاليا وتحديداً فى مادته الثالثة بـ (( عدم إقامة أى منشآت لأغراض الرى على نهر عطبرة يكون من شأنها تعديل تدفق مياهه إلى نهر النيل على نحو محسوس )) .

2 - المعاهدة البريطانية – الإثيوبية :

ووقعت هذه المعاهدة بين بريطانيا وإثيوبيا – التى كانت تسمى آنذاك بالحبشة – فى 15 مايو من عام 1902، فيها تعهد ملك الحبشة لحكومة بريطانيا بـ  (( ألايصدر تعليمات أو يسمح بإصدارها فيما يتعلق بعمل أى شىء على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو نهر السوباط يمكن أن يسبب اعتراض سريان مياهها إلى النيل دون الموافقة المسبقة لحكومة بريطانيا وحكومة السودان .

3- اتفاقية 1929 :

وقد وقعت هذه الاتفاقية بين مصر من ناحية وبريطانيا وكيلاً عن السودان من ناحية أخرى، قد نتجت هذه الاتفاقية عن الأزمة التى نشبت بين مصر وبريطانيا بسبب تأجيل مصر للأخذ بتوصيات لجنة «ماكدونالد» التى رأسها السير مردوخ ماكدونالد ونشر تقريرها فى عام 1920، أوصت هذه اللجنة بإنشاء خزان سنار على النيل الأزرق لتأمين مياه مشروع الجزيرة بالسودان، إنشاء خزان فى جبل الأولياء لتأمين احتياجات مصر من المياه صيفاً .

ولكن بريطانيا استغلت مقتل السردار البريطانى فى عام 1924، وأنذرت الحكومة المصرية بأنها ستستخدم ما شاءت من مياه نهر النيل لتزرع ما تريده من الأراضى فى السودان إذا لم تقم الحكومة المصرية بتشكيل لجنة دولية تبت فى مسألة نصيب كل من مصر والسودان من مياه النيل، وقد استجابت الحكومة المصرية حينها وقامت بتشكيل لجنة لبحث نصيب كل من مصر والسودان من مياه النيل، تشكلت هذه اللجنة برئاسة المهندس الهولندى (( كانتر كرمرز )) وبعضوية  (( عبدالحميد سليمان )) ممثلاً لمصر و (( ماكجريجور )) ممثلاً لبريطانيا .   

واعترف تقرير هذه اللجنة بحق السودان فى التوسع الزراعى بشرط ألا يسبب ذلك افتئاتاً على حقوق مصر التاريخية فى مياه النيل، حددت حصة كل من مصر والسودان بناءً على احتياجات الأراضى التى كانت تزرع فى البلدين حينها بنحو 48 مليار متر مكعب سنوياً لمصر و4 مليارات متر مكعب سنوياً للسودان .

وأخذ ما انتهت إليه «لجنة كرمرز» فى تقريرها أساساً للاتفاقية التى وقعت بين مصر وبريطانيا فى مايو من عام 1929 بل وأصبح هذا التقرير جزءاً من الاتفاقية .

وإن كانت دول منابع النيل وفى مقدمتها إثيوبيا تدفع بأن هذه الاتفاقيات غير ملزمة لها ولكن العرف الدولى استقر على أن الاتفاقيات والمعاهدات وقواعد القانون الدولى لا تلغى بالتقادم ولا تخضع للانتقائية، كما أن هذه الدول الأوروبية قامت بحكم قواعد القانون الدولى عند احتلالها لدول منابع النيل بتوقيع هذه الاتفاقيات فيما بينها لتنظيم العلاقات فى الدول الواقعة تحت احتلالها. والاتفاقيات والمعاهدات وقواعد القانون الدولى لا تلغى بالتقادم ولا تخضع للانتقائية، كما أن هذه الدول الأوروبية قامت بحكم قواعد القانون الدولى عند احتلالها لدول منابع النيل بتوقيع هذه الاتفاقيات فيما بينها لتنظيم العلاقات فى الدول الواقعة تحت احتلالها .

ومما يؤكد ذلك الحكم الذى أصدرته محكمة العدل الدولية فى عام 2010 بمناسبة النزاع بين الأرجنتين وأوروجواى وكذلك فى النزاع بين المجر وسلوفاكيا، حيث أكدت المحكمة أن المعاهدات ذات الطابع الإقليمى ومنها الاتفاقيات المتعلقة بالأنهار الدولية هى من المعاهدات التى لا يجوز المساس بها نتيجة للتوارث الدولى، أى أنها من المعاهدات الدولية التى ترثها الدولة الخلف - المستقلة - عن الدولة السلف –  المحتلة – ولا يجوز التحلل منها لأى سبب من الأسباب .-