رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يناير هبَّة جماهيرية.. فماذا تريدون؟


لاشك فى أن الإعلام بجميع وسائله وآلياته، وسلبياته وإيجابياته قد أصبح مصدراً مهماً فى تشكيل الوعى العام وفى التأثير المباشر على الرأى العام، فقد وجدنا الإعلام -ومنذ 25 يناير 2011- قد أصبح منصة لإطلاق ما يريد من أفكار وشعارات وكلاشيهات صار يرددها الرأى العام، بل يتبناها ويؤمن بها لدرجة الاعتقاد، فقدم الإعلام من أطلق عليهم أنهم الثوار صانعو الثورة هذا باعتبار أن ما حدث فى ميدان التحرير فى 25 يناير ثورة.
 انتهز الكثيرون من المتسلقين والمتحولين والمستغلين فرصة الظهور الإعلامى إما بهدف غسل السمعة، أو الحصول على ما تيسر من القادم بعد سقوط مبارك، وجدنا الإعلام يلمع بعض المرتزقة باسم العمل السياسى، فهل نتذكر ما حدث مع عصام شرف؟ تم ترضية من كانوا فى الكادر، فهذا وزيرمن الوفد وآخر من التجمع ومحافظ من الكرامة، ومن أطلقوا على أنفسهم ومن أطلق عليهم الإعلام «ثواراً» تم تعيينهم فى المجلس القومى لحقوق الإنسان، والمجلس الأعلى للصحافة، وبالمنطق نفسه وجدنا جماعة الإخوان عندما جاءت للحكم، فقد تم إسقاط هؤلاء واقتصر الأمر على جماعة الإخوان ومن والاهم، ثم كانت 30 يونيو فوجد «الأرزقية» أن الفرصة قد عادت لهم، وبالفعل قد وجدنا من عاد للوزارة كما كان «الوفد» ومن عاد لحقوق الإنسان وكل المجالس ذات الرواتب العالية، بل وجدنا أن الدعوات التى تتم فى المناسبات العامة فى الرئاسة وغيرها قد اقتصرت وتقتصر على عدد محدود ومعين من هؤلاء الموجودين إعلامياً وكأن هؤلاء هم الثوار والمناضلون دون سواهم من الملايين التى خرجت بإيمان حقيقى بالتغيير.. على أى حال فقد وجدنا الإعلام يطلق على يناير ويونيو تعبير «ثورة».

وفى المقابل وبالطبع قد وجدنا هذا التعبير يتم استعماله حتى وجدنا أن كلمة «ثورة» هذه قد أصبحت قضية ومشكلة بين «على وضد»، هل يناير ثورة أم مؤامرة؟ وهل يونيو ثورة أم انقلاب؟ وهنا يجب أن نفرق بين كلمة وتعبير «ثورة» باعتبار أن كل ما هو خارج على المألوف السيئ والسلبى فى مقابل طلب الأحسن والسعى إلى تحقيقه وهذا تعريف وتفسير شعبى بسيط يتداول بين العامة للتعبير عن حالة، وأن نتعرف على التعريف العلمى والسياسى والتاريخى للثورة.

فالثورة هى إسقاط النظام والسلطة القائمة واستبدالها بسلطة ثورية تعبر عن تنظيم ثورى لديه رؤية وأجهزة ثورية على أن تلتقى رغبة الجماهير الرافضة لظلم النظام القائم واستبعاده مع إمكانية وقدرة ذلك التنظيم الثورى على قيادة الجماهير لأحداث التغيير للأحسن.

فإذا أبقت السلطة الجديدة الأوضاع كما هى فهذا يعد انقلاباً، وإذا رجعت الأمور إلى أسوأ مما كانت فهذه ثورة مضادة.

أما إذا تم التغيير الجذرى فى كل مناحى الحياة للأحسن فهذه هى الثورة الحقيقية، فماذاكان الوضع فى يناير؟ لم يكن هناك تنظيم ثورى يمتلك أجندة ثورية وآليات ووسائل لتنفيذ هذه الأجندة، وبالتالى كانت 25 يناير لحظة إحساس شعبى وجماهيرى بفساد مبارك ونظامه، فخرجت الجماهير رافعة شعارات تلخص مطالبها فى إطار إصلاحى ولم يكن ثورياً، كانت هناك ظروف داخلية وخارجية وخاصة بالنظام ذاته أدت إلى تحويل هذه المطالب الإصلاحية إلى إسقاط النظام ولكن تم هذ فى غياب ذلك التنظيم والرؤية الثورية، ولذا وجدنا الجميع يزايد ويناور لتحقيق مصالح خاصة حزبية وذاتية حتى وجدنا تلك الهبة الجماهيرية الرائعة تُسرق ويختطف الوطن بكامله للإخوان المسلمين، الشىء الذى رفضه الشعب المصرى وليس الأحزاب والنخبة فقط فأسقطوا الإخوان.

وعلى ذلك فماحدث فى يناير ويونيو من هبَّات جماهيرية رائعة وغير مسبوقة وبمساعدة القوات المسلحة استطاعت إسقاط رئيسين، ولكن لا أحد يتحدث عن تنظيم ثورى أو أجندة أو آليات ثورية أو حتى توافق واتفاق على أجندة تتوافق مع الظروف التى يمر بها الوطن، ومع ذلك نرى هذا الصراع المصطنع بين المستفيدين والمضرورين من يناير ويونيو كل منهم يقبل ما حقق مصالحه وبالطبع يرفض الآخر.

ويناير إذا لم تكن ثورة فهى هبة رائعة صنعها المصريون، ولكنها ليست مؤامرة من المصريين، وهناك فارق بين استغلال الهبة من الخارج ومن عملائهم فى الداخل فهذا قائم ووارد ولكن هذا غير الجماهير الرافضة التى آمنت بضرورة التغيير للأحسن.

فنرى من اتهم فى موقعة «الجمل» يقول مؤامرة ومحامى مبارك الشهير بـ«محامى الجواسيس» كذلك وهذا طبيعى منهم ومن أمثالهم الذين أضيروا من يناير.

لذلك نرى الإخوان ومن معهم يعتبرون أن يونيو انقلاب مع العلم أن هذا غثاء وكلام ساكن وحرث فى الماء، المهم الأهم هو كيف نخرج بالوطن من هذه الظروف غير العادية والتى تهدد سلامته؟ كيف نتفق على أجندة إصلاحية تحقق الثورة ومبادئها وشعاراتها على أرض الواقع، الهبتان أوجدتا نظاماً وطنياً يسعى إلى الإصلاح الحقيقى والبناء الهادف، مع العلم أن الإصلاح الحقيقى الذى يهدف إلى التغيير التراكمى هو الطريق المتاح الآن لتحقيق الثورة، فهل نكتفى بالمزايدات الفارغة التى تؤخر ولا تقدم؟ هل نجسد الشعارات وحب الوطن من الإطار النظرى الشعاراتى إلى الفعل العملى؟ حتى نحافظ على سلامة الوطن وحتى تظل مصر بحق لكل المصريين الشرفاء؟

كاتب وبرلمانى سابق