رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجديد فى فلسطين المحتلة بعد غزة!


كانت الخسائر الفلسطينية ثقيلة، بشريًا وماديًا وتحتاج غزة إلى زمن ليس بالقصير لتعويض الخسائر الضرورية خاصة ما يتعلق بالبنية التحتية، وخاصة ما يتعلق بالطاقة الكهربائية، وبشبكات المياه، وبالصرف الصحى، أضف إلى ذلك تأثر المدارس والطرق والمساكن وغيرها

تابعنا عن بعد ما جرى فى فلسطين المحتلة خلال ما سمى بحرب غزة، وأشفقنا على أشقائنا الفلسطينيين مما جرى هناك، وتألمنا لخسائرهم البشرية أولاً، ثم المادية ثانيًا، ولكن كان الأهم هو الموقف العسكرى الذى يحقق فى النهاية النتيجة النهائية لأى صراع مسلح، والموقف هنا لا يقتصر على حساب الخسائر هنا وهناك، حيث الخسائر المادية لها قيمتها طبعًا، لكن هناك خسائر أخرى يصعب حسابها، وقد تكون ذات تأثير كبير، ولقد كان الحساب فى غزة ثقيلاً، حيث استخدم العدو الإسرائيلى ما يسمى «بالرد الجسيم» مما فسر الخسائر البشرية الكبيرة إضافة إلى الخسائر المادية، كما استدعى «الرد الجسيم» تجاهل كثير من القيم مثل الاستهانة بإصابة المدنيين، واستهداف منشآت الأونروا وتجاهل اتفاقيات جنيف والتزاماتها وما صاحب ذلك من انتقادات من بعض أصدقاء العدو المقربين، وهو ما لا يمكن تجاهله وإن كان يمكن التقليل من شأنه، وكان تفسير «الرد الجسيم» هو محاولة إصابة الجانب الفلسطينى باليأس حيث جرى تجاهل كل الانتقادات الدولية حتى لا يتصور الفلسطينيون أن هناك قوى دولية ستتدخل لمنع هذه الانتهاكات، وحتى لا يتعلق الفلسطينيون بأي آمال تعتبرها هى واهية.

كانت الخسائر الفلسطينية ثقيلة، بشريًا وماديًا وتحتاج غزة إلى زمن ليس بالقصير لتعويض الخسائر الضرورية خاصة ما يتعلق بالبنية التحتية، وخاصة ما يتعلق بالطاقة الكهربائية، وبشبكات المياه، وبالصرف الصحى، أضف إلى ذلك تأثر المدارس والطرق والمساكن وغيرها. وإذا قيست بالخسائر الإسرائيلية فهى خسائر جسيمة، أما خسائر العدو فهى طفيفة نسبيًا وأصعبها الخسائر البشرية وهى تعتبر الأكبر فى الجولات الأخيرة، وهذا ما يوحى بأن العدو يعد نفسه لفترة طويلة من الهدوء والراحة يحاول فيها الفلسطينيون استعادة توازنهم وتعمير ما تدمر وتخرب، بينما تظل الفرصة للعدو سانحة ليواصل برامج الاستيطان، ويستمر فى بناء وتحديث قواته المسلحة، مركزًا جهوده الرئيسية على تطوير نظام الدفاع المضاد للصواريخ بما فيه منظومة «القبة الحديدية» التى يرى أنها أثبتت كفاءة أثناء حرب غزة، ومجموعة صواريخ «حيتس» أو « آرو»، ومنظومة «مقلاع داود» أو «العصا السحرية»، بالإضافة إلى صواريخ « باتريوت-3» الأمريكية ذات القدرات المضادة للصواريخ، والصواريخ المخصصة للارتفاعات العالية، وهى فى الوقت نفسه تطور من منظومات الطائرات دون طيار، وتبنى سفنا موجهة تعمل بدون بحارة» والغرض هو زيادة قدراتهم على إيقاع الخسائر وفى الوقت نفسه توفير وقاية بحيث ييأس أعداؤهم من القيام برد مؤثر، وفى النهاية الاعتماد على أسلحة لا تحتاج إلى تعرض أطقمها وتنزل باحتمالات خسائرها البشرية إلى ما يقرب من الصفر.

لكن الأمور لا تبدو تسير وفقًا للمخطط الصهيونى، فنتائج ما سمى بحرب غزة ليست خالصة لصالح العدو، وإن كنت لا أوافق على المبالغة فى تأثير الصواريخ الفلسطينية، لكن يبدو أنه كان لها أثرها غير المحسوب، هناك من يقول إن سكان جنوب إسرائيل عاشوا خلال هذه الفترة فى الملاجئ، ولست أوافقه، فهناك علامات بأن كثيرًا منهم قد تعود عليها، وبدأ يمارس حياة شبه عادية، كما أنى لا أبالغ فى نتائج الاتفاق حول وقف إطلاق النيران سواء بالنسبة لفتح المعابر أو اتساع منطقة الصيد والمنطقة الآمنة خصوصًا وأنها كانت مشروطة، وأنها لم تنفذ حتى الآن رغم مرور أكثر من شهر على دخولها مجال التنفيذ.

لكن سبق أن كتبت أن حركة الطائرات فى المطارات بما فيها مطار بن جوريون تأثرت أثناء الحرب، وحركة السياحة إلى فلسطين المحتلة تأثرت ليس أثناء الحرب فقط، بل وبعد ذلك، وهو ما لا بد أن يكون له أثره على القرارات الاستراتيجية ولا يمكن تجاهلها، لكن هذا أيضًا ليس كافيًا، فحين تعترف السوريد بدولة فلسطين على غير هوى العدو فهو أمر لا يمكن فصله عما تم فى حرب غزة، وأن الحرب وضعت القضية على المائدة. والمعلومات الواردة من فلسطين المحتلة تقول إن الهجرة المضادة من فلسطين المحتلة قد زادت بنسبة40% بعد الحرب فى غزة، بينما نسبت بعض المصادر الأجنبية هذه الزيادة إلى ارتفاع الأسعار مقارنة بمثيلاتها فى ألمانيا، وهو أمر قد تكون له علاقة بما حدث فى غزة.

يبقى أن نتذكر أن حزب الله قد قام بعملية ضد مدرعة إسرائيلية أصابت جنديين، وردت عليه إسرائيل بضربة جوية ولم يصعد أى منهما الموقف بما يشير إلى نوع من توازن القوى لا بد من حسابه، لكن نتنياهو يعرض نوعًا غريبًا للسلام، يعرض دولة فلسطينية فى ظل وجود عسكرى إسرائيلى، وأظنه يجب أن يراجع نفسه قبل أن يجد نفسه آخر إسرائيلى فى فلسطين المحتلة!

■ خبير سياسى واستراتيجى