رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حينما يكون التدخل المسلح خارج البلاد مقبولاً


العمل العسكرى خارج الحدود يتطلب أن يكون هناك تعاون بين قواتنا وقوات من البلاد التى يجرى التدخل فيها وأن تكون هذه القوات تسيطر على الجزء الأكبر منها، وأن تكون هذه القوات وطنية تحارب حرباً مشروعة ولها سند قانونى، وأن يتم تنظيم التعاون بين القوات وفقاً لاتفاق دولى يوضح مسئولية كل طرف ويحدد عناصر التعاون بما لا يترك مجالاً للبس

ترددت أسئلة كثيرة حول احتمال قيام مصر بعمل عسكرى فى ليبيا لمواجهة التهديدات القادمة من هناك قبل أن تصل إلينا، واتصل بى كثير من الإخوة الصحفيين المصريين والأجانب حتى من دول بعيدة تماماً عن المنطقة سواء بالتليفون أو بالحضور شخصياً تتساءل حول إمكانية ذلك فى الوقت الحاضر، ولقد كان أحد العوامل الهامة ما يبدو أنه تصريح صدر عن أحد المسئولين السابقين حول إمكان ذلك، بل إن البعض تحدث عن أن مصر قد قامت فعلاً بتوجيه ضربة داخل ليبيا فى فترة سابقة قريبة.

ولست أدعى أنى أحصل على معلومات بشكل خاص، ولا أتصور أن أسأل أنا أو غيرى أحداً من المسئولين عن ذلك، فالطبيعى أن نستقى معلوماتنا مما يصدر بشكل رسمى وينشر أو يذاع بالقنوات والطرق الرسمية. الأكثر من هذا فإننا إذا افترضنا أن شيئاً من هذا قد حدث، فإن العوامل التى أدت إلى حدوثه سرا تظل باقية، ولن يقبل مسئول باختراقها. ولكن ما سبق لا يعنى أن التساؤلات حول الموضوع قد انتهت، فالموضوع مازال متداولاً، خاصة أن الإنسان بطبيعته يميل إلى استكشاف المجهول، وهنا المجهول هو ما قامت به مصر أو تقوم به أو احتمال أن تقوم به على حدودها الغربية، واحتمال تأثير ذلك على حياة المواطن المصرى.

هنا من المهم أن نتذكر أن هناك أمثلة قائمة فعلاً فى التاريخ وفى الحاضر لتدخلات مسلحة لدول خارج حدودها، وأظن أن التدخل الأمريكى المسلح فى كل من أفغانستان والعراق بعضه ما زال قائماً، والبعض الآخر ليس بعيداً، أما التدخلات الأمريكية السابقة الأخرى وخاصة فى جنوب شرق آسيا وخصوصاً فى فيتنام ولاوس وكمبوديا وفى أمريكا الوسطى واللاتينية فهى ما زالت ماثلة للعيان رغم مرور زمن ليس بالقصير بعدها. من جهة أخرى فقد قامت مصر بالتدخل العسكرى قبل ذلك خارج حدودها قد يكون أبرزها اليمن، ولكنها كان لها وجود عسكرى فى العراق والجزائر، وغيرها، كما أن مصر تعرضت للعدوان العسكرى أكثر من مرة أقربها العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، والعدوان الإسرائيلى عام 1967.

ولا شك أن التجربة المصرية فى اليمن مفيدة حيث بدأت بإرسال قوة صغيرة تلاها إرسال قوات كثيرة واستمر الصراع نحو خمس سنوات فى نهايتها سحبت مصر قواتها من هناك، ولم يكن الصراع قد حقق أهدافه. وربما كان أهم الدروس هو التفكير فى نهاية التدخل قبل البدء به.

أجدنى أنتقل إلى أهم ما يجب التفكير فيه قبل التدخل العسكرى فى الخارج فالعمل العسكرى يعتبر أعلى مستويات العمل الوطنى حيث ينضم العمل العسكرى إلى العمل السياسى والدبلوماسى والاقتصادى والمعنوى فى تحقيق أهداف الدولة وبناء عليه يجب أن يتم بأكبر قدر من الكفاءة، وبالتالى بالتحضير الجيد له بحيث يحقق إهدافه. لذا فلست معارضاً بالمطلق للتدخل العسكرى الخارجى ولكن بشروط، فالعمل العسكرى داخل وخارج حدود الوطن يتطلب أولاً هدفاً سياسياً لم يمكن تحقيقه بالوسائل السلمية، وهو يتطلب ترتيباً وتنظيماً على أعلى المستويات حيث يتعلق به شرف الوطن ودماء أبنائه. لذا فإن العمل العسكرى خارج الحدود يتطلب أن يكون هناك تعاون بين قواتنا وقوات من البلاد التى يجرى التدخل فيها وأن تكون هذه القوات تسيطر على الجزء الأكبر منها، وأن تكون هذه القوات وطنية تحارب حرباً مشروعة ولها سند قانونى، وأن يتم تنظيم التعاون بين القوات وفقاً لاتفاق دولى يوضح مسئولية كل طرف ويحدد عناصر التعاون بما لا يترك مجالاً للبس، كما يجب أن تكون قواتنا المرسلة للتعاون العسكرى خارج البلاد قد درست طبوغرافية مسرح العمليات الذى ستعمل به، وأن يتم حل جميع المسائل المتعلقة بالإمداد والإخلاء والمسائل المتعلقة بمعاملة الأفراد والقوانين.

هنا تكون المفاضلة بين أن ننتظر حتى يأتى التهديد إلينا فنواجهه منفردين فى معركة دفاعية على أرضنا، أو أن نواجهه بعيداً عن أرضنا وبالتعاون مع قوات صديقة. ففى حال مواجهته بالتعاون مع قوات صديقة نحن نشكل قوة أكبر متماسكة ونحن نبعد التهديد عن أراضينا ونسهل الصراع على قواتنا، أما فى حال عدم توافر الشروط السابقة فنحن نعرض قواتنا لأخطار أكبر حيث نواجه قوى أكبر من تلك التى كنا سنواجهها لو انتظرناها على أرضنا، ونكون خسرنا المعاونة التى تقدمها باقى قواتنا المسلحة المتمركزة على أرضنا. بناء على ما سبق وعلى ما يتيسر عن الأوضاع فى ليبيا فالشروط اللازمة للتدخل غير متوافرة وبالتالى فلا أحبذ العمل العسكرى المصرى داخل ليبيا.

خبير سياسى واستراتيجى