رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حرية الاعتقاد


نصت المادة 64على أن حرية الاعتقاد مطلقة فما هو المقصود بالاعتقاد، ومدى حرية الفرد، وهل هى حرية مطلقة فعلاً أم هى حرية مقيدة، إن المفهوم الواسع لحرية الاعتقاد هو ما فهم من مبادئ الديمقراطية، فالمجتمعات القائمة على مبادئ الديمقراطية تسمح للإنسان أى إنسان بأن يفكر بحرية ويعتقد بما هو مقتنع به...

... كما أنه من حقه أن يعلن عن فكره وبما يعتقد، كما أنه من حقه أن يدعو غيره ليؤمن بما يراه بشرط ألا يسىء إلى حريات الآخرين حتى لا يضر بأصل المبدأ الذى هو الحرية، وحتى لا يحدث صدام أو صراع وحروب بين مختلفى العقائد.

أما أتباع الديانات، فيروا أن إطلاق مفهوم الحرية يسىء إلى جوهر الإيمان ويشجع على الخروج والتمرد على الأصل وهو عبادة الخالق، حتى أن الغرب المدافع الأساسى عن الحرية الاعتقادية يرفض الفاشية والدكتاتورية التى يراهما البعض الآخر جزءا من الحرية الاعتقادية.وإذ أختلف مع الرأى بأن الدكتاتورية والفاشية من دوائر الحرية فى المعتقد، فإنى أرى الدكتاتورية والفاشية من معاول هدم الحرية وإلا اعتبرنا أن حق الحياة يتساوى مع حق الموت أو حق الحب والعطاء والوفاء تقابلها حقوق الكراهية والسلب والنهب والخيانة إنها معاول لهدم الحريات وليست من الحريات، والدليل على ذلك أن جميع القوانين تعاقب على الأفعال الضارة حتى بذات الإنسان، فهو ليس حراً أن يقتل وينهب حتى لو كان قتل النفس، فلم نسمع عن قوانين تكافئ من قتل نفسه أو حاول ذلك.وهناك رأى يعلن أنه ليس من حق الإنسان أن يؤمن أو لا يؤمن، ويبرر هذا الرأى بأن الفرد حر فيما يفكر ولكنه ليس حراً أن يعلن ما يفكر فيه إذا كان هذا التفكير يبعده عن أصل الشىء، وهو ممارسة الشعائر الدينية، ومع تقديرنا لهذا الرأى فإننا نخالفه، فحرية الاعتقاد لا تقيد التعبير إلا اذا كان فكره ضاراً بالنفس أو بالغير، وذلك يحدده القانون ويوضح الجزاء المناسب، أما الحرية العقائدية فنراها واضحة فى القول الصريح:

«لا إكراه فى الدين فقد تبين الرشد من الغى» (سورة البقرة والآية 256)

وفى آية أخرى نقرأ « ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» «سورة يونس آية 99» والقاعدة المنطقية تقول « إن المستحيل مستحيل بلا استثناء «أما تعريف الحرية كما يراه الفلاسفة فهى حالة الإنسان الذى لا يفعل إلا ما يريد بغض النظر عن أى تأثير خارجى وفى جملة قصيرة «الإنسان الحر هو نقيض الإنسان العبد»

أما مفهوم الحرية عند السياسيين فهى تشمل مجالات مختلفة منها ما هو مادى ومنها أيضاً حرية التعبير، وحرية الاعتقاد، وحرية التفكير، والحرية الدينية، وكل هذه المجالات لا يرى الفلاسفة أنها تخضع للدولة مادام الفرد يحترم قوانينها ويلتزم بأنظمتها الحياتية، كما أن الدولة عليها التزامات نحو مواطنيها ومنها امتيازات يتمتع بها وتوفرها له الدولة، كحرية الرأى والعقيدة. وبالاختصار، فالفرد ليس عبداً لدى الدولة، بل هو شريكا وطرفا من طرفى العقد الاجتماعى.

أما الفلاسفة فيرون الحرية تحرير من الجهالة والأهواء وتأثيراتهما، وعلى الفرد أن يتصرف مستنداً على معانى الحقيقة والعدل، وبناء على هذه الحرية يسلك المواطن وفقاً لمعايير الأخلاق المجتمعية والتوازن مع استقلالية الرأى وحرية التعبير حتى إن الفيلسوف سارتر يرى أن الإنسان محكوم عليه بأن يكون حرًّا وعليه إعادة اكتشاف قيمة الأمر الذى يحمل الفرد أقصى درجات المسئولية الأخلاقية.أما الأديب والمفكر الفلسفى ميخائيل نعيمة فيكتب تحت عنوان الحرية والقومية « جئت مجذوبًا إلى كلمة «حرية».فالحرية هى اسمى هدف للمرء فى حياته لأن الحياة فى نظر « نعيمة « انغلاق، فانطلاق. ويقول نعيمة « تنغلق الحياة فى البيضة لينطلق منها نسرً، وتنغلق في البذرة لتنطلق زهرة أو عشبة أو شجرة أرز، وتنغلق في الرَّحِم، لينطلق إنسان أو فيل.. وفي كلِّ حال إنه انغلاق فانطلاق، ووراءهما نظام شامل، فوجب علينا أن ندرس ما وراء هذا الانغلاق والانطلاق، ووراء كلِ نظام منظم، ولحياتنا قيمة تتعدى كل المعانى، فلولا هذا النظام لما انطلق الطير من البيض، والنبات من البذرة، ولانتهت الحياة من زمان.نعم لولا الحرية ما انطلق الإنسان إلى ما هو أبعد من قدرة العين على البصر، فاخترع التلسكوب لنرى أبعد مما ترى العين، ولأن قدرة القدمين على السير محدودة، وسرعتها أقل محدودية، صرنا نطير بأجنحة الطائرة، واخترعنا المذياع لنسمع ما لا تسمعه الأذن، وكذلك اخترعنا التلفاز والمجهر والتلسكوب، انطلقنا رغم الحدود والسدود وكل القيود، وهكذا سيمضى الإنسان حتى يصل إلى التغلب على كل عقبة مهما بلغت قوتها.

والحكمة تقول» إن جوع الإنسان إلى الشىء دليل على وجود هذا الشىء، فالجوع إلى طعام معين دليل على وجوده.

والخلاصة:ان الجوع إلى الحرية لدليل على أن الحرية موجودة، وعلينا أن نسعى إليها ونتمسك بها ولا نفرط فيها مهما كانت الاسباب. فالحرية مرتبطة بالإنسان الحر، وأما العبيد فلا يحلمون بها، ومع ذلك فقد انتهى زمن العبيد بعد أن ذاقوا الحرية.

وفى النهاية تقول إن الحرية ليست هى الإباحية وإلا فقدناها وفقدنا الطريق والمعنى للحرية وفى العدد القادم نكتب عن الحرية فى مفهوم اليهودية والمسيحية، فإلى اللقاء.

رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر