رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العدالة الاجتماعية.. إرادة سياسية وانحياز للأغلبية


حينما تسأل المصريين والمصريات فى أى مكان وفى أى لحظة منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن يقول لك: «عايز وظيفة، عايزة ولادى تشتغل، عايز سكن أتلم فيه أنا والعيال، عايزة كشك أبيع فيه وأربى عيالى اليتامى، عايزين الأسعار تقل، العيشة بقت نار،

عايز الحال يمشى، عايز أرجع شغلى، عايزين المصنع يرجع زى زمان ويشتغل، عايزين السياحة ترجع علشان نعرف ندفع قسط التاكسى، عايزين ميه نظيفة وصرف صحى، عايزين المرتب يزيد والمعاش يزيد، نلاقى علاج فى المستشفيات، عايزين أمن فى الشارع، باختصار عايزين استقرار، عايزين أمن وأمان». معنى هذا أنهم «عايزين العدالة الاجتماعية».

المصريون يعرفون أن الديمقراطية الحقيقية والحرية هى الحصول على الرغيف. لا يستطيع الجوعان التفكير أو الإبداع. الديمقراطية الحقيقية تعنى مواجهة صاحب العمل أو المسئول ومطالبته بحقوق البشر. أما الديمقراطية التى ترتبط بحرية الشريحة العليا فى المجتمع فى أن تأخذ ما تشاء وتفعل ما تشاء، وتقرر ما تشاء على حساب الأغلبية الفقراء، فهى ديمقراطية السادة الأغنياء وحدهم، ديمقراطية الاستبداد والقمع والفساد.

المصريون يعرفون أن العدالة الاجتماعية، أى المعيشة الكريمة وحق الشعب فى الصحة والتعليم والغذاء والسكن يعنى الكرامة الإنسانية والحياة الآدمية.

المصريون يعرفون أن العدالة الاجتماعية تعنى واجبات العمل والإنتاج مقابل المرتب العادل الذى يكفل الحياة الإنسانية. يعنى التنمية الحقيقية فى كل البلاد وخاصة الأماكن الفقيرة والمحافظات الحدودية البعيدة وتعنى تشغيل المتعطلين وتعنى أن يأكل ويلبس المصريون من خيرات بلادهم، وتعنى استقلال الإرادة الوطنية وعدم التبعية «يعنى مانمدش إيدنا لحد». يعنى قرارنا من دماغنا من أجل مصلحتنا. المصريون يعرفون منذ فجر التاريخ أن العدل أساس الملك. المصريون يعرفون أنه ومنذ ثورة 25 يناير وحتى الآن جاءت حكومات تسير فى فلك النظام القديم وسياسات الفساد والمحسوبية والرشوة ونهب المال العام وكبت الحريات والحفاظ على اللوائح والقوانين التى تمكن كبار العاملين فى الدولة من الحصول على ملايين الجنيهات شهرياً.المصريون يعرفون أن التنمية والفساد لا يجتمعان معاً، وأن تطهير البلاد من الفاسدين والمفسدين أساس التقدم والتنمية. المصريون يعرفون أن الرقابة والمحاسبة وإعمال القانون أساس العدل. المصريون يعرفون أن العدالة الاجتماعية لا تعنى عدالة توزيع الثروة فقط أو تقليل الفوارق بين الطبقات فقط ولكنها تعنى تطبيق دولة القانون. تعنى أن المواطنين أمام القانون سواء، تعنى العدالة الناجزة وتنفيذ الأحكام، فهناك الآلاف من الأحكام القضائية التى لم يتم تنفيذها لأن أبناء العائلات وذوى المناصب وذوى الحسب والنسب فى بلادنا لا يطبق عليهم القانون. وانتشرت جملة ملازمة لنظام الفاسدين: «إنت مش عارف أنا مين، أو بابا مين»؟!وانتشر المثل «اللى مالوش ظهر ينضرب على بطنه». المصريون يعرفون أن العدالة الاجتماعية تعنى تطبيق العدالة الانتقالية بالقصاص العادل من كل قاتل. المصريون يعرفون أن العدالة الاجتماعية تعنى أن تأخذ من الأغنياء الضرائب وأن يتم تحصيلها من المتهربين لنوفر لميزانية الدولة موارد للإنفاق على المرافق والخدمات، كما يعرفون أنه ليس من المعقول أن دافعى الضرائب الأساسيين هم فقراء هذا الشعب، وأن الدولة غير قادرة على فرض ضرائب تصاعدية على كبار الأثرياء. بل وتطبطب عليهم فى الوقت الذى تفرض فيه على الشعب ضرائب غير مباشرة تقع بالأساس على الفقراء مما يرفع أسعار السلع والخدمات. المصريون يعرفون أن العدالة الاجتماعية تعنى وصول الدعم إلى مستحقيه والقضاء على الوضع المقلوب الموجود فى مجتمعنا منذ عشرات السنين، بمعنى أنه حينما يتم تحرير أسعار الطاقة والوقود يجب أن تبدأ الحكومة من فوق إلى تحت، أى التطبيق أولاً على من لا يستحقون هذا الدعم، بمعنى أن تتوفر الإرادة السياسية لرفع الدعم نهائياً وفوراً عن أصحاب المصانع كثيفة الاستخدام للطاقة مثل مصانع الأسمنت والأسمدة والحديد والسيراميك. فهؤلاء يأخذون الطاقة المدعمة مثل أصحاب الورش الصغيرة، ثم يبيعون منتجاتهم بالأسعار العالمية ويحققون أرباحاً تزيد على 100% إلى 200%. بل معظمهم يحولون أرباحهم للخارج فلا تستفيد منها البلد.إن العدالة الاجتماعية يا مسئولين تعنى إرادة سياسية لتحديد هامش الربح مثل كل البلدان الرأسمالية الكبرى التى لا يزيد هامش الربح فيها على 25%. وباستثناء بعض المنتجات لتصل إلى 35%. إن العدالة الاجتماعية تعنى وضع ضرائب تصاعدية حتى تصل إلى المتوسط العالمى للدول المتقدمة البالغ 50%. إن رفع دعم الطاقة عن المصانع كثيفة الاستخدام للطاقة سيوفر كما قال خبراء الاقتصاد 75 مليار جنيه، أما رفع الدعم عن الطاقة برفع سعر السولار والبنزين كما تنوى الحكومة بعد شهر رمضان فسيرفع أسعار جميع السلع فى المجتمع حيث سيرفع أسعار نقل البضائع ومواصلات الركاب.فلابد من توافر الإرادة السياسية لضبط أسعار سلع الفقراء ووسائل نقلهم ومواصلاتهم. فهل تستطيع الدولة أن تفرض ذلك؟ هل هناك إرادة سياسية فعلية للانحياز للفقراء برفع الحد الأدنى للأجور وتطبيق الحد الأقصى دون استثناء، وربط ما يحصل عليه كل مواطن من دخل أو بدلات أو عائد الصناديق الخاصة برقمه القومى مع الشفافية فى إعلان إجمالى دخل كل مواطنى الإدارة العليا حتى لا تتدفق الملايين إلى جيوب كبار الموظفين دون رقابة. ألا يقتضى ذلك ضم أموال الصناديق الخاصة إلى الموازنة العامة للدولة كحسابات خاصة حتى يمكن إحكام الرقابة عليها دون أن تصبح قنوات لصب الملايين فى جيوب قلة من كبار الموظفين؟