رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا هذا الانهيار القيمى والأخلاقى؟


نتحدث عن الوطن والانتماء إليه والعمل على نهضته وتقدمه قولاً فقط وعملاً نسعى لاستنزاف قدرات هذا الوطن واستغلاله للمصلحة الفردية
«إنما الأمم الأخلاق ما بقيت. فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا» كان الكون وخلق الله الإنسان على أرضية الثنائية الأزلية الأبدية التى تعنى ثنائية الخير والشر. التى استتبعها باقى الثنائيات التى تحكم وتتحكم فى هذا الكون وذلك الإنسان مثل النور والظلام والقوة والضعف. الخيانة والأمانة. الصدق والكذب. الجمال والقبح.. إلخ وكانت هذه الثنائية بالفطرة الإنسانية والحتمية الكونية ذلك قبل أن يعرف الإنسان الأديان لذلك كان التعامل الأول بين الله وبين الإنسان كان محوره معرفة الخير والشر مع حرية الاختيار التى تركها الله لآدم حتى يقرر ما يريد ويلقى جزاء هذا القرار.. والمبادئ والقيم والأخلاق وهى الجانب الإيجابى من هذه الثنائية.

فبالفطرة والحتمية جاءت بها الحضارات وأكدتها الأديان وكرستها الممارسات ولذا فقد أصبح الحكم على الأفراد والمجتمعات والدول والحضارات بمدى تمسكهم بهذا الجانب الإيجابى من هذه الثنائية. ومن المعروف أن مصر الحضارة قد عرفت قبل غيرها المبادئ والقيم والأخلاق حتى أن التراث المصرى القديم يؤكد على أن يكون المصرى صادقاً لا يكذب ولا يسىء لأحد ولا يلوث مياه النيل لأن هذه السلوكيات والالتزام بهذه المبادئ ستكون فى ميزان الحساب فيما بعد الموت، حيث كان الإيمان بعقيدة الحياة فيما بعد الموت.

وكانت الديانات المصرية القديمة والمسيحية والإسلامية وهى الأديان التى آمن بها المصريون مؤكدة لهذه المبادئ داعية إليها فى تعاليمها وفى مقاصدها العليا كما أنه من المعروف أن المصريين متدينون ومتمسكون بأديانهم، حيث إنهم قد اخترعوا الدين والتدين قبل نزول الأديان السماوية، فماذا حدث للمصريين؟ ولماذا هذا الانهيار العظيم فى التمسك بالمبادئ الدينية والقيم الأخلاقية والسلوكيات الإنسانية؟ ولماذا هذه الثنائية المريضة التى اجتاحت المجتمع فالمظهر قمة التدين والتمسك بالدين والتشدق بالإيمان شكلاً والمضمون يتناقض كل التناقض مع هذا الشكل الخارجى التدينى الفارغ من الإيمان الحقيقى؟

هل هو مرض الكذب الذى يدعى الصدق ويضمر نقيضه «الإيمان بدون أعمال إيمان ناقص» والإيمان ما وقر فى القلب وصدقه العمل فماذا نرى؟ الإدعاء بالإيمان الذى يختصر فى الشعائر الدينية والمظاهر التدينية فقط بل نرى تناقضاً رهيباً بين هذا الإدعاء وبين ناتج الأعمال. نتحدث عن الوطن والانتماء إليه والعمل على نهضته وتقدمه قولاً فقط وعملاً نسعى لاستنزاف قدرات هذا الوطن واستغلاله للمصلحة الفردية ولا مانع من التعامل مع أعداء الوطن لتحقيق المادة والذات نتحدث عن العمل ولا يذهب أحد لأداء عمله.

بل أصبح العمل الحكومى الآن فى مجمله حالة تضم لحالات الضمان والشئون الاجتماعية وكأن الرواتب التى تستنزف أكثر من نصف الموازنة العامة صدقة لمن لا يستحق والغريب أننا نتحدث عن زيادة الإنتاج نملأ الدنيا صراخاً فى دور العبادة وفى الإعلام عن الأخلاق. فى مقابل نسمع من أعاجيب الزمن عن حالات ليس التحرش والاغتصاب فقط ولكن هناك فجيعة غير مسبوقة من زنى المحارم التى تخطت كل الحدود ولذا وعلى ذلك يصبح من الطبيعى أن نرى حالة الفوضى السلوكية والأخلاقية والأمنية التى لا تعبأ بقانون ولا تلتزم بنظام فإسقاط القانون شجاعة والتحرش مرجلة والسرقة والخطف والبلطجة شهامة فما هى أسباب هذا الانهيار وتلك الشيزوفرينيا؟ هل حالة التدين الشكلى التى وصلت إلى رجال الدين والدعاة الذين ضبطوا متلبسين بالخطأ فسقطت القدوة الدينية؟.

هل هى انتهازية ما يسمى بالنخبة فى كل مستوياتها السياسية والثقافية تلك الانتهازية التى جعلت هذه النخبة تتقمص دوراً ليس دورها وتلعب فى مجال ليس مجالها حسب مبدأ كله ماشى «حسب مبدأ فؤاد المهندس فى فيلم خمسة باب» مصر حضارة ووطن ودولة عظيمة ذات تاريخ، المصريون شعب عريق يظهر معدنه الأصيل عند الملمات والوطن الآن فى محنة وفى ظروف صعبة على كل المستويات داخلياً وخارجياً وما الوطن غير كل المصريين فهل نترك الوطن يضيع وسط هذه الممارسات المشينة وتلك السلوكيات المرفوضة؟ هل يمكن أن نستغل ولادة هذا النظام الجديد بقيادة السيسى وأن نشارك فى بداية صحيحة والسيسى ليس سياسياً ولكنه صادق يريد النهوض بهذا الوطن ولكن لن يكون هناك نهوض بغير كل المصريين وبغير أن نترك تلك الممارسات ونأتى ونمارس ونؤمن بالقيم والمبادئ والأخلاق الدينية والإنسانية والمصرية الأصيلة حتى يكون هناك وطن متقدم لكل المصريين.

كاتب وبرلمانى سابق