رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أضحية الجلالة.. صدقة قاتلة في عيد الأضحى

آضاحي القمامة
آضاحي القمامة

جبال من القمامة ممتدة هنا وهناك، روائح كريهة مُنفّرة يصل مداها إلى عشرات الأمتار، لا تتعجب عندما ترى عشرات من الماشية تعثو فيها بهزال لتأكل منها الذي لا يتعجّب أبدًا أن يكون أكلها فيها روث لحيوان مصاب مثلًا أو جيفة أو غيرها من مكونات "الزبالة" التي لا تنقصها القذارة.

تلك هى “ماشية الجلالة” التي يربها بعض الرعاة على القمامة ثم يبيعونها للمواطنين لتصبح بعد ذلك أضحية يتناول من لحومها الإنسان فيضحي بتناولها بصحته وحياته.

ومع اقتراب حلول عيد الأضحى تكثر طرق غش المواطنين في بيع الآضاحي بأن تباع لهم آضاحي الجلالة تلك، إضافة إلى استخدام العديد من طرق الغش الأخرى في الأضاحي.
 
“الدستور” تكشف خطورة أضاحي الجلالة كما نرصد طرق غش التجار في الأضحية بشكل عام.

مفتش رقابة سابق: السل أبرز الأمراض

يعتبر البعض من مربي الأغنام حسب الدكتور محمد يوسف محمد حسنين مفتش أول بالرقابة على اللحوم سابقًا أن وجود القمامة كنز لتربية أغنامهم فيها، حيث يوفرون في العلف خاصة في ظل ارتفاع أسعاره.

يوضح يوسف أن الكارثة تتمثل في تسبب هذه القمامة في أن ينتقل من الحيوان إلى الإنسان العديد من الأمراض الخطيرة سواء أثناء التعامل مع الآضحية قبل الذبح أو أثناء تجهيز اللحم قبل طهيها، وكذلك نتيجة الإصابة بالأمراض التي تستمر حتى بعد الطهي ومن بين أبرز هذه الأمراض مرض السّل، لافتًا إلى أنه مرض لا يمكن التخلص منه بأيًا من أساليب الطهي على الإطلاق.

وتابع أنه يتسبب تناول الحيوان من القمامة كذلك في انتقال ما يسمى بالدودة الشريطية من الحيوان إلى الإنسان والتي تدخل إلى أمعاؤه ويمتد طولها إلى حوالي 25 متر كما أنها تمتد من أول الاثنى عشر وتخرج إلى الأمعاء الدقيقة، والغليظة حتى فتحة الشرج مسببة آلامًا مبرحة وضعف وهزال.

يضيف أن ما يزيد الأمر سوءًا هو ذبح الآضاحي خارج المجازر مشيرًا إلى أنه داخل المجزر يتم التعرف على وجود مرض السل في الذبيحة والذي يظهر على شكل حبات الرمال داخلها، وأثناء تقطيع اللحم يسمع صوت أثناء سير السكينة في اللحم يشبه صوت السير في الرمال، لافتًا إلى أن مصر لديها أطباء بيطريين أكفاء يمكنهم التعرف على أغلب وأخطر أمراض الآضاحي من أبسط العلامات.

على النقيض يوضح د.محمد يوسف أنه إذا لم يتم ذبح الآضاحي داخل المجازر فإنه لم يلتفت إلى العلامات الخطيرة التي قد توجد بالذبيحة والمشيرة إلى تلوثها، فيتم التعامل معها بصورة طبيعية وطهيها مما ينتج عنه الإصابة بالأمراض الخطيرة سواء أثناء التعامل معها قبل الطهي حيث تتلوث أدوات التقطيع والأيدي، كما يمكن الإصابة بالأمراض التي لا يخلص منها الطهي.

وبشكل عام أكد يوسف على أن التربية الفردية للمواشي والآضاحي يمثل خطورة كبيرة على الثروة الحيوانية وعلى البيئة مشيرًا إلى أنه واحدًا من أسباب ذلك أنه في حال نفوق بعض مواشي الأفراد المربين المصابة بأحد الأمراض  فإنها غالبًا ما يتم تركها على الأرض لأيام متتالية مما يتسبب في نشر الفيروسات والميكروبات في المنطقة وإصابة بها الأفراد المتعاملين مع لاقي الموشي، وكذلك إصابة المواشي السليمة الأخرى مما يتسبب في دائرة غير متناهية من المرض.

مدير تسمين: تأكل الرصاص وينتقل إلى كبد الإنسان

الأضاحي التي ترعى على القمامه تمثل خطرًا  شديدًا على الإنسان حسب الدكتور محمود نصر، مدير التسمين في إحدى المزارع و ماجستير التلقيح الصناعي و نقل الأجنه مرجعًا ذلك إلى تسببها في إصابه الانسان بأمراض كتيره مشتركه بينه وبين الحيوان سواءًا البكتيريه منها أو الفيروسيه من خلال انتقال هذه الأمراض من الحيوان إلى الإنسان.

يقول:"غذاء الأضحية من القمامة يتسبب كذلك في وجود طفيليات و ديدان كثيرة تتراكم ليس فقط داخل أمعاء الحيوان بل داخل عضلاته ( اللحم )".

ويتابع نصر أن أحد العناصر السّامة والخطرة التي تتواجد في القمامة هو عنصر الرصاص السّام إذ يتواجد في الغالب في صورة النفايات الورقية، والتي يتغذى عليها الحيوان، مما ينتج عنه انتقال سميّة هذا العنصر إلى كبده، ومنه إلى كبد الإنسان مسببًا تليفه، بل وقد يصيب الانسان بأمراض خطيرة مثل الزهايمر.

ونتيجة لتغير المرعى الذي يربى فيه الحيوان عن المرعى الطبيعي الذي من المفترض أن يربى به ألا وهو الخضرة والأعشاب الطبيعية، يوضح مدير التسمين أنه يكتسب طعم لحوم الآضاحي التي تربى داخل القمامة مذاقه من البيئة التي يعيش فيها، إذ يصبح رديئًا للغاية ورائحته كريهة مهما تعددت صور طهيه.

ولفت نصر إلى أن غذاء الآضاحي التي تربى في القمامة ينتج عنها أيضًا تغير في خصائص لحم الحيوان ذاته"الجينوم"، نظرًا لاحتوائه على مصدر بروتين حيواني بدلًا من البروتين النباتي، وذلك نتيجه تغذية تلك الحيوانات على بعض المخلفات الحيوانية الموجودة داخل القمامة، موضحًا أن هذا ليس فقط ضارًا بل أنه مخالف للشريعة الإسلامية أيضًا.

وتابع انه لذلك يستلزم تغيير نظام المرعى الخاص بالحيوان في تلك الحالة إلى النظام الغذائي السليم، لمده لا تقل عن ٤٠ يوم للتخلص من آثار السموم التي تكونت داخل الحيوان، وذلك بالنسبه الغنم و الماعز أما الحيوانات مثل الإبل و البقر فهي تحتاج إلى فترات أطول.

باحث بمعهد بحوث الصحة الحيوانية: تناولها لروث الكلاب هو الأخطر

من جانبه، يوضح د.محمد نصار الباحث بمعهد بحوث الصحة الحيوانية أنه أمام الجوع الشديد للأغنام والماعز التي تربى داخل القمامة فهم يتناولوا كل ما يوجد أمامهم سواءّا كانت حيوانات أخرى نافقة أو إفرازات أو غيرها من الملوثات الخطيرة التي تتواجد ضمن جبال القمامة مما ينتج عنه تراكم السموم داخل جسم الحيوان.

ولفت إلى أن الضرر الأكبر  يكون في نوع  من الديدان ينتقل من الكلاب تحديدًا إلى الحيوان إذ تنمو من خلال عدة أطوار واحدًا منها في روث الكلب والذي يكون ضمن النفايات الموجودة بالقمامة، ثم يتغذى عليها الحيوان، لتكون داخل جسمه الطور الثاني والذي قد يستقر في المخ أو الأنسجة الداخلية أوالرئتين على شكل حويصلات مائية، وتنتقل تلك الحويصلات إلى الإنسان بنفس الصورة إذ أن الإنسان عائل مشابه بشكل كبير للحيوان لتلك الديدان، مما يسبب إصابة الأخير بأمراض عصبية أو أمراض في الكبد أو في الرئتين يصعب تشخيصها وقد تؤدي إلى الوفاة.

كما أكد نصار على أن السموم التي تتكون في جسم الحيوان نتيجة تراكم البكتيريا بسبب تناول القمامة هي عناصر كيميائية فالغالب لا يمكن التخلص منها بالطهي فانتقل إلى الإنسان مسببة له أضرار جسيمة.

"مفاجأة"..السموم تزداد خطورة بالطهي

الأضحية تعد كمصنع إنتاج اللحوم مثلما يؤكد محمود محمد عمرو مؤسس المركز القومي للسموم أستاذ الطب المهني والأمراض الصدرية كلية طب القصر العيني مشيرًا إلى أن ما يقدم لها من تغذيه هو مسؤول بدوره عن إنتاج عصارة تدخل إلى دم الأضحية، وإلى العضلات ومن خلال ذلك ينتج نوع اللحم وصفاته.

وصف عمرو أنه لذلك و في العديد من الدول المتقدمة ومن بينها دولة ألمانيا، يقدم نبات الشعير المغذي للماشية، وذلك لضمان الحصول على مستوى عال من جودة اللحوم المستخرجة منها.

وعلى النقيض من ذلك يستنكر مؤسس المركز القومي للسموم أن الكثير في مصر يقدم للآضاحي ما أسماه "كوكتيل" من الأغذية العفنة الملوثة، وذلك من خلال تربيتها وسط القمامة، خاصة أن القمامة في مصر تتصف بأنها غير منظبطة، ولا تحتوي على نوع واحد معروف من النفايات بل أنواع عدة، وقد لا يمكن حصرها مما يجعلها أكثر تعقيدًا وخطورة.

يوضح عمرو أنه بين أخطر ما تحتوي عليه القمامة هي المواد الكيميائية، مثل نفايات بعض المواد الكيماوية والدوائية التي تلقى من قبل الآهالي، وكذلك من بعض المؤسسات الطبية الغائبة عن الرقابة و التي لا تتخلص من نفاياتها الطبية بطريقة صحية، موضحًا أنها تتسبب في الإصابة بأمراض الكبد والكلى للحيوان، وكذلك أمراض السرطانات ويؤكد على أن تلك الأمراض تنتقل من الحيوان إلى الإنسان، ولا يتم التخلص منها عن طريق الطهي.

أشار محمود عمرو إلى مفاجأة وهي أنه مع تعرض السموم الموجودة في جسم الحيوان المربى داخل القمامة إلى النار تزداد خطورتها، وذلك بسبب تكون سموم أخرى تتفاعل مع الموجودة لتنتج في النهاية سموم أشد خطورة من الأولى.

من جهتها، قالت دار الإفتاء إنه «لا يجوز التضحية بالجلالة، وهي الأضحية التي تأكل العذرة ولا تأكل غيرها، مما لم تستبرأ، بأن تحبس أربعين يومًا إن كانت من الإبل، أو عشرين يومًا إن كانت من البقر، أو عشرة إن كانت من الغنم"، وذلك لما لها من أضرار على صحة الإنسان.

الهرمونات والمياه والملح والصبغة إحدى طرق الغش

من وسائل غش التجار الآضاحي قبل بيعها، هي حقنها بالهرمونات المتعددة التي من شأنها نفخ عضلات الحيوان وبالتالي منحه ثقلًا في الوزن حسب دكتور محمود نصر مدير التسمين في إحدى المزارع و ماجستير التلقيح الصناعي و نقل الأجنه لافتًا إلى أنه قد تم تحريم تداول الهرمونات دولياً، وذلك لكثره السحب عليها في فترات تجهيز الآضاحي قبل ذبحها بعدة أشهر قليلة، لما لها من تأثير خطير على جودة اللحم وصحه الإنسان.

الهرمونات تسبب فقدان الخصوبة لدى الانسان

وأوضح أن استخدام الهرمونات مثل هرمونات "الاسترويدل و التستيسيرون"، له العديد من التأثيرات الضارة والخطيرة على الانسان، إذ  يسبب تضخمًا في الغده الدرقية و الإصابة بسرطان الثدي للسيدات، وكذلك البلوغ في عمر مبكر نتيجه لخلل هرمونات الجسم كما أنها تؤثر على خصوبة الحيوانات المنوية لدى الرجال.

وعن حقن الآضاحي بالهرمونات أوضح محمد يوسف محمد حسنين مفتش أول بالرقابة على اللحوم سابقًا أن مثل تلك الممارسات ينتج عنها تشوهات جينية في الحيوان، وهو ما يفسّر ولادة إحدى الماشية في واحدة من الدول النامية برأس أشبه لرأس القرد، والتي أثارت حينها دهشة الكثيرين مُرجعًا ذلك إلى تدخل العناصر الصناعية والكيميائية في تغذية تلك الحيوانات والتي من شأنها التأثير على طبيعتها البيولوجية وبالتالي التسبب في حدوث تشوهات بشكلها وتركيبتها.

وبين وسائل الغش كذلك التي يتبعها بعض تجار الآضاحي في مصر حسب يوسف هو إعطاء الأضحية مياة كبيرة من الماء والملح لشربها حتى يعطش الحيوان فيشرب كميات من المياه الكبيرة والتي تعطيه زيادة واهية في الوزن.

وتابع أن شرب الأضحية للمياه الكثيرة يزيد من وزنها ما بين ٦ إلى ٧ كيلو، مشيرًا إلى أنه لذلك   يرفض أغلب التجار معدومي الضمير بيع الآضاخي ليلًا إذ يكون قد قام الحيوان بتفريغ المياة الكثيرة الذي تناولها، وبالتالي يظهر على وزنه الحقيقي وينكشف غش التاجر.

كما أكد يوسف على أنه بين وسائل الغش الذي يقوم بها بعض التجار في الآضاحي هي فرد وصباغة فروة الخروف على سبيل المثال باللون الأحمر في ادعاء أن حالته جيدة ومظهره كذلك مما يساعد في إيهام المواطن أن الخروف كذلك وبالتالي يستحق الشراء.

من الصعب الكشف عن الغش بالهرمون

كما أوضح أنه أما عن الهرمونات فمن الصعب كشفها لغير المتخصصين مشيرًا إلى أنها وعلى الرغم انها قلت لارتفاع سعرها الا أن للغش مازال موجودًا بها ولكن قل بعض الشئ.

أما عن وسائل الغش الأخرى لفت مفتش أول بالرقابة على اللحوم سابقًا أنه يمكن كشفها والتأكد من صحة الأضحية ووزنها الحقيقي بالتأكد من سماكة الجزء العلوي الخلفي منها، وكذلك الشراء في وقت مفاجئ للتاجر وذلك قبل أن يسقي الحيوان مياه لملح كثير لزيادة وزنه.