رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مفاوضات الهدنة.. جهد مصرى وتحايل إسرائيلى

الأوضاع فى غزة
الأوضاع فى غزة

ثمة إشارات متضاربة تصدر من خلف كواليس مفاوضات الهدنة الدائرة حاليا بين حماس والكيان الصهيوني، فرغم الجهود الدءوبة التي تبذلها مجموعة الوساطة الدولية بقيادة مصر وقطر لوقف الحرب فوريا، يبدو أنه لا يزال في الأفق نقاط كثيرة عالقة بين الطرفين لم تجد حلا نهائيا حتى اللحظة.

حماس تريد وقفا كاملا ونهائيا لإطلاق النار قبل البدء في الحديث عن أي اتفاقات للتهدئة، بينما تريد إسرائيل تسليم الأسرى والمحتجزين أولا، واستسلام قادة حماس أو على الأقل خروجهم من غزة مقابل وقف عدوانها الهمجي على القطاع.

مصر تحاول من خلال جهودها التوصل لحلول وسط بين الطرفين يمكن البناء عليها مستقبلا. 

المقترح المصري الذي حظي بإشادة الأطراف الدولية وأزعج اليمين الإسرائيلي المتطرف يبدو أنه سيكون نقطة انطلاق المفاوضات المقبلة في ظل إصرار الفلسطينيين وتعنت الإسرائيليين.

تفاصيل الاتفاق

يتمحور المقترح المصري حول وقف أي اجتياح بري مزمع لمدينة رفح الفلسطينية وتحرير المئات من الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين على مدار 6 أسابيع.

المرحلة الأولى: تبادل أسرى ومحتجزين

المقترح يقضي بأن تطلق حركة حماس سراح 33 مُحتجزا ومحتجزة على الأقل من المحتجزين الإسرائيليين الموجودين على قيد الحياة من نساء، مدنيات ومجندات، وأطفال دون سن 19، وكبار السن فوق سن 50، والمرضى والجرحى.

يشمل ذلك إطلاق حماس سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين الأحياء من النساء المدنيات والأطفال دون سن 19، وبالمقابل تطلق إسرائيل سراح 20 من الأطفال والنساء مُقابل كل مُحتجز(ة) إسرائيلي (ة) يتم إطلاق سراحهم، بناءً على قوائم تقدّمها حماس حسب الأقدم اعتقالًا.

كما تضمن المقترح أن تطلق حماس سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين الأحياء من كبار السن، فوق سن 50 عامًا، والمرضى والجرحى، على أن تطلق إسرائيل في المقابل سراح 20 أسيرًا من كبار السن، فوق 50 عامًا والمرضى والجرحى، على ألا يزيد الباقي من محكوميتهم عن 10 أعوام، مُقابل كل مُحتجز(ة) إسرائيلي (ة).

تُطلق حماس سراح جميع المُجنّدات الإسرائيليات اللواتي هنّ على قيد الحياة، واللواتي كنّ في خدمة عسكرية فعلية في تاريخ 7 أكتوبر، بالمُقابل تُطلق إسرائيل سراح 40 أسيرًا من سجونها مُقابل كل مُجندة إسرائيلية يتم إطلاق سراحها، 20 محكومًا مؤبدًا، و20 محكوما بقي على نهاية محكوميته أقل من 10 أعوام، بناءً على قوائم تقدّمها حماس، مع حق الرفض الإسرائيلي، لما لا يزيد عن 200 اسم، ويجوز إخلاء سبيلهم في الخارج أو في غزة.

بموجب المقترح المصري، تستمر المرحلة الأولى 40 يوما، مع إمكانية تمديدها، ويتم خلالها وقف مؤقت للعمليات العسكرية المُتبادلة بين الطرفين، وانسحاب القوات الإسرائيلية شرقًا وبعيدًا عن المناطق المُكتظة بالسكان إلى منطقة قريبة من الحدود في جميع مناطق قطاع غزة، ما عدا وادي غزة، على أن يتم وقف الطيران "الحربي والاستطلاع" في قطاع غزة لمدة 8 ساعات في اليوم، ولمدة 10 ساعات في أيام إطلاق سراح المُحتجزين والأسرى، كما يقضي بعودة النازحين المدنيين إلى مناطق سكنهم.

وفي اليوم السابع، بعد إطلاق سراح جميع النساء، تنسحب القوات الإسرائيلية من شارع الرشيد شرقًا بمُحاذاة شارع صلاح الدين، بشكل يسهّل دخول المُساعدات الإنسانية، ويسمح بالبدء في عودة النازحين المدنيين غير المُسلّحين إلى مناطق سكنهم، وحرية حركة السكان المدنيين في جميع مناطق القطاع.

كما يشترط المقترح انسحاب القوات الإسرائيلية من وسط القطاع في اليوم الـ22، بعد إطلاق سراح ثلثي المُحتجزين، خاصة محور الشهداء، ومحور دوار الكويت، وشرق طريق صلاح الدين إلى منطقة قريبة من الحدود، حيث يسمح بعودة النازحين المدنيين إلى أماكن سكنهم في شمال القطاع.

حال نجاح بنود المقترح إلى هذه النقطة، يتم تسهيل إدخال كميات مكثفة ومناسبة من المساعدات الإنسانية ومواد الإغاثة والوقود، من خلال 500 شاحنة على أن تشمل 50 شاحنة وقود، منها 250 إلى الشمال، بما في ذلك الوقود اللازم لتشغيل محطة الكهرباء والتجارة والمعدات اللازمة لإزالة الرُّكام، وإعادة تأهيل وتشغيل المُستشفيات والمراكز الصحية والمخابز في كل مناطق قطاع غزة واستمرار ذلك في جميع مراحل الاتفاق.

المرحلة الثانية: عودة الهدوء المستدام

تبدأ المرحلة الثانية للخطة المصرية بالاتفاق على الترتيبات اللازمة لعودة الهدوء المستدام والترتيب لعملية إعادة الإعمار الشامل للبيوت والمُنشآت المدنية والبنية التحتية المدنية التي دُمّرت بسبب الحرب.

المرحلة الثالثة: إعادة إعمار القطاع

تبدأ هذه المرحلة بتبادل جميع جثامين ورفات الموتى لدى الجانبين، ثم الانتقال إلى البدء في تنفيذ خطة إعادة إعمار قطاع غزة لمدة 5 سنوات بما يشمل البيوت والمُنشآت المدنية والبنى التحتية. ويمتنع الجانب الفلسطيني عن إعادة إعمار البنى التحتية والمُنشآت العسكرية ولا يقوم باستيراد أيّ معدات أو مواد أولية أو مكوّنات أخرى تُستخدم لأغراض عسكرية.

حال نجاح المرحلة الأولى من الاقتراح، تبدأ على الفور مفاوضات وقف إطلاق النار لمدة عام لحين إعادة ترتيب المشهد الداخلي الفلسطيني باندماج كافة الفصائل داخل منظمة التحرير باعتبارها الممثل الرسمي الوحيد للشعب الفلسطيني، وانتخاب سلطة جديدة تشرف على عملية إقامة دولة فلسطينية مستقلة تحظى بتأييد دولي، لكونه الحل الوحيد الذي توافقت عليه الأسرة الدولية في سبيل إنهاء الصراع.

اقتراح الهدنة الذي قدمته مصر وتعمل على إنفاذه متعهدة من جانبها بالضغط على حماس لقبوله، حظي بموافقة الأمريكيين، بالطريقة التي عبر بها وزير الخارجية أنتوني بلينكن عن دعمه الجهود المصرية في هذا الصدد قائلا من داخل إسرائيل "حان الوقت لوقف إطلاق النار في غزة"، حتى لو ألقى الرجل بمسئولية نجاحه على حماس وحدها، وتجاهله لدور إسرائيل في عرقلته، فالانحيازات الأمريكية واضحة منذ بدء العدوان.

المقترح المصري يقوم أساسا على إلغاء فكرة الاجتياح البري لرفح الفلسطينية منعا لإشعال الموقف، غير أن نتنياهو تعمد الإدلاء بتصريحات تفيد بعزم حكومته على تنفيذ الاجتياح وعدم وقف إطلاق النار في غزة لأسابيع مقبلة.

بعض المراقبين اعتبروا تصريحات نتنياهو مجرد محاولة يائسة لممارسة ضغوط على الوسطاء، بغرض تحقيق مكاسب اكبرخلال المفاوضات، وأنه سيستلم في النهاية للضغوط الدولية، متى قررت الإدارة الأمريكية أنه حان الوقت فعلا لفرض وقف إطلاق النار، على كل الأطراف وأولهم ربيبتها إسرائيل.

الإشارات الصادرة عن مفاوضات الهدنة التي ترعاها مصر حاليا تؤكد من أين سيأتي سبب إخفاق جهود الوساطة، فرغم إشادة الإسرائيليين أنفسهم بـ"الأجواء الإيجابية" التي اتسمت بها المفاوضات مع الجانب المصري، إلا أن اليمين المتطرف الذي يمثله إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش داخل الحكومة الإسرائيلية اعتبروا مقترح القاهرة "استسلاما كاملا" على حد وصف بعض وزرائهم.