رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المطران مار يعقوب نائب بطريرك السريان الكاثوليك بالقدس: مصر لم تتركنا أبدًا

جريدة الدستور

يحل عيد القيامة المجيد ٢٠٢٤ بعد أيام، ومن المنتظر أن يترأس البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، القداس، بمشاركة واسعة من الوزراء وكبار رجال الدولة.. أما فى القدس، فتسببت الحرب فى إلغاء الاحتفالات والحج المسيحى هذا العام.

«الدستور» حاورت المطران مار يعقوب أفريم، النائب البطريركى للسريان الكاثوليك فى القدس والأراضى المقدسة والأردن، الذى قال إن الرئيس عبدالفتاح السيسى يساعد الفلسطينيين باستمرار ويدافع عن قضيتهم.

وتمنى المطران أن يعم السلام وأن يعود الفلسطينيون لبيوتهم، والمختطفون لذويهم، مؤكدًا أن الكراهية هى المحرك الرئيسى للحروب.

■ بداية.. ما أمنياتك فى عيد القيامة المجيد؟

- نتمنى السلام والمحبة، ونصلى من أجل ذلك، على أمل أن يدرك الإنسان يومًا ما أهمية الحياة التى وهبها الله لنا؛ فبقيامته من الموت أعطانا الحياة الأبدية.

■ كيف ستستقبل كنائس فلسطين احتفالات عيد القيامة المجيد فى ظل الوضع الراهن؟

- سنستقبل عيد القيامة المجيد، كما استقبلنا عيد الفطر وعيد الفصح اليهودى، بألم وحزن، فجميع من فى القدس، من مسلمين ومسيحيين، يعلمون أن الكراهية هى ما أوصلتنا لهذه الحرب، وكذلك الحقد وعدم قبول الآخر.. هذا يحدث منذ بدء الصراع الفلسطينى الإسرائيلى عام ١٩٤٨. 

لا بد أن تحصل فلسطين على كامل حقوقها كدولة معترف بها دوليًا فى الأمم المتحدة، ونرجو أن تتوقف الحرب، وألا تتسع دائرة الاشتباكات مع دول الجوار، لا سيما عند الحدود الشمالية مع لبنان وسوريا.

■ كم عدد المسيحيين فى غزة؟

- حسب الإحصاءات الأخيرة، مع بداية الحرب كان هناك ما يزيد على ألف نسمة من طائفة اللاتين والروم الأرثوذكس والإنجيليين، وانخفض هذا العدد مع سفر العديد منهم، من حاملى الجنسيات الأجنبية. 

ووفقًا للمعلومات الموثقة، فقدنا بسبب الحرب ٢٨ شهيدًا مسيحيًا، وتضرر الكثير من المؤسسات المسيحية، من مدارس ومستشفيات وكنائس.

■ هل الأماكن المقدسة فى أمان؟

- لم نشهد تعديات خطيرة أو مقلقة كما يحدث فى أماكن أخرى حول العالم، سوى محاولة رمى الحجارة هنا وهناك وبعض الاستفزازات العنصرية ضد رجال الدين المسيحى.

■ ما تقييمك لمساعى الرئيس عبدالفتاح السيسى لإعمار غزة؟

- الشعب الفلسطينى بكل طوائفه يشكر الحكومة المصرية على كل ما تقدمه من أجل تحقيق السلام فى المنطقة، ونرى المبادرات لا تتوقف مع مختلف دول المنطقة والعالم.

ونشكر مصر على المساعدات الإنسانية التى ترسلها، مباشرة أو من خلال دول أخرى عبر الأراضى المصرية، فمصر فتحت أراضيها ومطاراتها ومعابرها لهذه المساعدات، لا سيما معبر رفح الحدودى، حيث يجرى إرسال تلك المساعدات.

■ كيف ترى موقف الرئيس السيسى تجاه ما يحدث فى القطاع؟

- أتوجه باسم كل فلسطينى بالشكر للرئيس عبدالفتاح السيسى ولدولة مصر الشقيقة، التى لم تتوان للحظة عن دعم القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطينى، وترفض بشكل قاطع تهجير أهل غزة إلى سيناء، وهذا موقف يدل على دعم مصر وأن غزة لأهلها.

■ من الصعب أن يجد الإنسان السلام الداخلى فى ظل ما يحيط به من موت ودمار.. كيف تعايش أهل القدس مع ما يحدث حولهم؟

- نعيش فى مدينة القدس منذ سنين طويلة، ونرى التوترات ونشعر بها، فالمدينة موحدة فى الظاهر، لكن فى الواقع يعيش بها نوعان من الناس، بديانات مختلفة، لذا تسود مشاعر القلق دائمًا.

تضم القدس الإسرائيليين، الذين يعتبرون أن المدينة يجب أن تظل تحت سيطرتهم، وهناك الفلسطينيون أصحاب الأرض؛ يرون أنفسهم خاضعين لاحتلال، ويؤمنون بأن القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين.

وهناك أيضًا اختلاف كبير فى العادات والتقاليد بين من يعيشون فى القدس، وهذا كله يزيد من التوتر، وقد جاءت الحرب لتزيد من التوتر وعدم تقبل الآخر. 

نحن كرؤساء الطوائف المسيحية، نسعى دائمًا للتوفيق بين من يعيشون فى القدس، حتى إن اختلفت الديانات.

■ ما رأيك فى توحيد مواقيت أعياد المسيحيين حول العالم؟

- نتمنى أن يتوصل رؤساء الكنائس حول العالم إلى صيغة وحساب واحد ومشترك يتبناه جميع الكنائس.. وهكذا سنشعر بأننا نتجه نحو الوحدة الكنسية المرجوة. 

وخلال العام المقبل سيحتفل جميع المسيحيين حول العالم بذكرى انعقاد المجمع المسكونى الأول، وهو مجمع نيقيا الذى عُقد سنة ٣٢٥، أى بعد مرور ١٧٠٠ سنة على انعقاده، ونرجو أن يتوصل رؤساء الكنائس إلى صيغة واحدة لتوحيد عيد الفصح.

■ كيف ترى هجرة المسيحيين من الشرق الأوسط؟

- أرى أن تلك الهجرة لها أسباب مادية وأخرى أمنية، تدفع المسيحيين للهجرة للبحث عن حياة أكثر استقرارًا وأمانًا، وما يمكن أن نرجوه أن تتوصل دولنا فى الشرق الأوسط إلى الاستقرار الفعلى البناء، ليشعر جميع أفراد المجتمع، ولا سيما المسيحيين الذين هم أقلية، بأن لهم نفس الحقوق والواجبات ويعيشون فى أمان.

وأود أن أشير إلى أننا رصدنا هجرة كبيرة للمسيحيين من سوريا والعراق خلال الـ٢٠ سنة الماضية.

■ لماذا لا يعترف الإسرائيليون بملكية مصر دير السلطان، رغم الأحكام الصادرة من المحكمة العليا الإسرائيلية؟

- الجميع يعلم أن دير السطان، الملاصق لكنيسة القيامة، هو ملك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، واعترفت المحاكم الإسرائيلية بهذه الملكية وبحقوق الكنيسة القبطية، ولكن لأسباب سياسية تمنع الحكومة تنفيذ قرار المحكمة، لإبقائها تحت سلطة الكنيسة الإثيوبية الشقيقة، وذلك للعلاقات السياسية المتينة التى تربط دولة إسرائيل والدولة الإثيوبية.

■ بالتزامن مع احتفالات عيد القيامة.. هل تشجع الأقباط المصريين على زيارة الأماكن المقدسة؟

- نعم.. بالتأكيد ندعو ونشجع بقوة على زيارات الحج والتبرك بالمقامات والكنائس التاريخية المسيحية، مثل كنيسة القيامة والمهد.

كما نشجع المسلمين على زيارة المسجد الأقصى وقبة الصخرة، ونقول إن هذا هو حق لكل إنسان، وكمسيحى هو حق لنا أن نحج إلى الديار المقدسة، ونؤدى الشعائر الدينية.

ومن خلال الإعلام، أشجع كل مسيحيى العالم، خاصة فى الشرق الأوسط، أن يزوروا ويحجوا إلى القدس. 

وأريد أن أشير إلى أننى أتألم؛ لأن المسيحيين فى لبنان وسوريا والعراق ممنوع عليهم الحج لأسباب سياسية بحتة، فمثلًا لبنان وسوريا البلدين الملاصقين لفلسطين لا يمكن لشعبيهما زيارة القدس.. إنه أمر مؤلم ومحبط.

أُصلى لكى نتخطى هذه المشاكل السياسية ولنسمح لهذه الدول بالحج، بغض النظر لو كانت دولة إسرائيل هى المتحكمة فى الأماكن المقدسة أم لا.. ما يهمنا هو سلامة الحجاج فى الذهاب والعودة.

■ كيف رأيت منع البابا شنودة الثالث حج المسيحيين إلى القدس؟

- حدث المنع بسبب الصراع الإسرائيلى العربى، لا سيما بعد حرب ١٩٧٣ وعملية السلام بين مصر وإسرائيل سنة ١٩٧٨. وفى ذلك الوقت كان هذا المنع نوعًا من وقوف البابا شنودة مع الشعب الفلسطينى وقضيتهم المحقة فى ذلك الوقت. وأعتقد أن كل زمن له ظروفه وأسبابه وقناعات المسئولين.

ما يهمنا اليوم أن نشجع المسيحيين من مصر للقيام بزيارات الحج، وكل الشكر للدولة المصرية والأمن المصرى بكل وحداته لتسهيل زيارات الحج هذه. وهنا لا بد أن أشير إلى أننى كم شعرت بحب المسيحيين المصريين زيارة الأرض المقدسة ودخول كنيسة القيامة وكنيسة المهد وسائر الأماكن المقدسة، وكم شعرت بإيمانهم الكبير وارتباطهم الروحى بهذه الأرض المقدسة.

■ كيف ترى وضع الأقباط فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى؟

- نشكر الله على هذه النقلة النوعية والممتازة التى تحدث فى جمهورية مصر العربية على مستوى عدم التفرقة بين الديانتين المسيحية والإسلامية، حيث يشعر المسيحيون بالأمان والاستقرار والفرح واحترام حقوقهم وشعائرهم الدينية. 

ونتأثر حين نرى الرئيس السيسى يشارك فى الصلوات والشعائر، لكى يبعث برسالة وحدة لكل الشعب المصرى.. هو مثال ممتاز لهذا الانفتاح والتآخى بين أبناء الشعب المصرى، ورأينا كم منح من قطع الأراضى لبناء الكنائس.

■ ما رأيك فيما يحدث الآن فى غزة؟

- أرى أنها حرب دون هدف ولا رؤية ولا مستقبل.. هى فقط حرب للقتل والدمار، وتحدث نتيجة الكراهية المستمرة وثقافة الموت وعدم احترام الحياة.. أصبح دم الإنسان رخيصًا، وبلا ثمن فى القرن ٢١. 

نُصلى بلا توقف لتتوقف هذه الحرب ويعود الناس إلى بيوتهم، ونصلى لكى يعين الرب ويبلسم جروح الأهالى ممن فقدوا أحبابهم، وأن يعود الأسرى والمختطفون إلى ذويهم.

■ كيف ترى الوجود القبطى فى فلسطين؟

- الوجود القبطى فى الأرض المقدسة هو وجود أصيل وقديم منذ عصور المسيحية الأولى، والكنيسة تتمتع بامتيازات خاصة فى المزارات الرئيسية، ككنيستى القيامة والمهد. وهما حاليًا تحافظان على هذا الوجود والحضور المميز.

■ هل تقبل الكنيسة الكاثوليكية معمودية الأرثوذكس؟

-  نعم.. الكنيسة الكاثوليكية تقبل المعمدين الأرثوذكس فى كل كنائسهم الأرثوذكسية، وتقبل رتبة سر المعمودية وتعترف به، دون القيام بحاجة إعادة العماد لا سمح الله عند تقدم أحد الأشخاص للزواج بشريكه الكاثوليكى. 

إن إعادة العماد هو نوع من عدم الاعتراف الكامل بمسيحية المعمد، كون سر المعمودية هو باب الأسرار ويصبح من خلاله الشخص مسيحيًا. فبدون سر المعمودية لا يصبح الإنسان مسيحيًا بالشكل الفعلى الملموس.

■ متى ظهرت المسيحية فى الأراضى المقدسة؟

-  منذ عهد الرسل مباشرة بعد قيامة الرب مع الجماعة الأولى للرسل.

■ ما عادات السريان الكاثوليك خلال أسبوع الآلام وعيد القيامة؟

- عادات السريان الكاثوليك فى الأرض المقدسة خلال أسبوع الآلام وعيد القيامة هى نفس الطقوس الدينية التى يحتفل بها الرعايا فى القدس وبيت لحم وعمان، وأشارك فى هذه الرتب وأترأسها. 

نستقبل الحجاج ونرشدهم ونستمع لاعترافاتهم ونمنحهم سر التوبة، وكذلك نقوم بالاحتفال فى كنيسة القيامة بالقداس الإلهى، وهذا ما هو فريد بما يخص النيابة البطريركية فى القدس عن سائر الإيبارشيات والرعايا، إنها تحتفل فى القداس فى كنيسة القيامة.