رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«فريدة» محاولة استرداد الحلم المفقود بـ«أغنية البهجة»

العرض المسرحى «فريدة
العرض المسرحى «فريدة

للوهلة الأولى أثناء مشاهدة العرض المسرحى «فريدة» تتخيل أن أزمة هذه المرأة هى استرداد أمجادها السابقة كممثلة، عاشت حياتها بين الأضواء ووسط شخوص مسرحية متعددة، لكن هذه لم تكن أزمتها الحقيقية، فتلك المرأة تحاول استرداد كيانها الأنثوى، والمساحة الآمنة الوحيدة التى حصلت عليها، التى تتركز فى كونها ممثلة، فهى تفتقد تلك المساحة الآمنة التى حصلت عليها من خلال فعل التمثيل، فهو الفعل الوحيد الصادق والحقيقى فى حياة «فريدة حلمى»، هو حلمها المفقود، فهى محاطة بالاغتراب والوحدة التى تنهشها من الداخل، فكانت حياتها الشخصية عبارة عن أكذوبة، وحياتها المهنية هى الحياة الوحيدة الحقيقية، فاكتسب فعل التمثيل هنا صفة مغايرة عن صفته الحقيقية. 

يناقش العرض المسرحى «فريدة» كل تلك الصراعات والتحولات النفسية لدى بطلة العرض، الذى كانت ركيزته النص المسرحى «أغنية البجعة»، للكاتب أنطون تشيخوف، الذى يناقش معاناة تلك الممثلة التى أظلمت أضواؤها، ولكنها ما زالت تقبض على وهجها داخليًا، وهو ما تؤكده ببراعة شديدة الفنانة «عايدة فهمى»، حيث تجد نفسك أمام ممثلة من العيار الثقيل.

ومنذ بداية ظهورها واللعبة مكشوفة للمتلقى، حيث تدخل «فريدة» بانحنائها الجسدى ونبرة صوتها التى تجعلك تظن أنها بالسبعين من عمرها، وربما أكثر بارتباكها وتقطيعها الجمل، فى محاولة لالتقاط أنفاسها التى أنهكتها الحياة بفعل الزمن، وسرعان ما تدهشك باستقامة قامتها ونبرتها الحادة عندما تؤدى شخصية «ليدى ماكبث»، لتأخذك معها بتنوع الأداء إلى قوة شخصية «ميديا»، ثم تنتقل بك بدلال الأنثى فى أدائها شخصية «نعيمة»، وتجعلك أمام فتاة لم تكمل العشرين من عمرها على مستوى الأداء والصوت والحركة، لتذهب بك إلى «فريدة» الطفلة، بضحكتها الطفولية وجنونها ومخاوفها التى تحيط بها وتضيق الخناق عليها، فى محاولة منها لاسترداد تلك الطفلة وتلك المشاعر التى تختفى بفعل الزمن، ويظل الإنسان يحيا فى محاولته للإمساك بطفله الداخلى أو الاقتراب منه.

كل تلك التحولات التى قامت بها «عايدة فهمى» فى تلك المونودراما «One Woman show»، مُحكمة الصنع، تأخذنا معها إلى أدوار وأصوات عدة، فهى امرأة تجسد لنا كل أصواتها الداخلية ومخاوفها وبنات أفكارها، لتختلط البسمات بالدموع لدى المتلقى، ومن بنات أفكارها شخصية «إلهام»، فهى «صوت الونس» الذى تفتقده البطلة وتظل تحدثه هاتفيًا، وربما أراد المخرج أن يكون الإلهام هنا عبارة عن وهم يكمن داخل البطلة فقط.

وبالحديث عن المخرج «أكرم مصطفى»، فنحن أمام مخرج واعٍ، يمتلك أدواته الإخراجية، فمنذ البداية جعل اللعبة مكشوفة واستخدم تقنية «التمسرح» ليجعل البطلة تذهب بنا إلى عوالمها الداخلية، ثم تعود بذكاء منه فى استخدام جرس الهاتف أو الصوت الخارجى، الذى ربما يكون المخرج أو مساعد المخرج، فى توجيه حديثه لـ«فريدة»، ليكون العامل الفاصل بين الوهم والحقيقة، بالإضافة إلى خطوط الحركة التى جاءت وفق المواقف الدرامية، واللحظات التى تمر بها البطلة، للديكور ودلالاته، خاصة استخدام المرآة التى تغمرها الأتربة لتكون دلالة زمانية أيضًا، وليست مجرد «موتيفة» فقط، التى تواجه البطلة بها نفسها فى النهاية قائلة: «إزاى انتهت كده؟!». 

وبالإضافة إلى ذلك تم استخدام بعض الموتيفات «جرامفون قديم- أبواب خشبية- مشربية- مانيكان- سلم- أريكة»، مع استخدام قطع موسيقية شرقية وغربية متداخلة، وهى تعبر عن الشخصيات التى تقوم «فريدة» بأدائها، سواء من الكلاسيكيات الغربية أو من التراث، بينما جاءت الإضاءة دالة على الأحداث، سواء الإضاءة الأرضية، والتى جاءت من الممرات أو استخدام كشافات لتعطى إنارة على جانب واحد من وجه الممثلة «بروفايل»، بينما الجانب الآخر مظلم. 

لقد برع صناع العمل فى تجسيد رسالتهم وتكثيفها، لتصل للمتلقى بسهولة ويسر، ربما تلك الدفقة الشعورية والإنسانية التى ينتجها العرض لدى المتلقى هى إحدى جماليات عرض «فريدة».

العرض المسرحى «فريدة»، من تأليف وإخراج أكرم مصطفى، عن «أغنية البجعة» لـ«أنطون تشيخوف»، وإنتاج مسرح «الطليعة»، يُعرض يوميًا فى تمام الثامنة مساءً، ما عدا الثلاثاء.