رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ساقط قيد

خليل الزينى
خليل الزينى

جدى الأكبر رمز القوة والصلابة، نبض العدل، راعى المساكين وحامى المقهورين، من أجلهم خاض الأهوال ونازل الطغاة، فأذعنوا لعزمه، ولانوا لفكره، فنهلوا من فيض حكمته.

جدى وضع الأساس لبيت قوى الأركان، متلاحم البنيان، يصطف فيه الأبناء مع الأغيار ويتكافل الكبار بالصغار، فآوى لبيت جدى كل الأعراق وربى الرجال من كل الأطياف بلا تميز.

وفّر جدى الأمان، نشر العمران، رسم المنهاج، وأقر الدستور.

وانصرف جدى محمود السيرة والذكرى، فأخذ إخوته الزمام، فهم بالعهد صلاب شداد، بيوتهم بالميثاق عامرة، قلوبهم بمقام جدى معلقة، وبسنته عاملة.

فهيبتهم موفورة، ومسالك الحى فى حماهم، وميزان العدل بأيديهم بين الناس.

إن كان من العصب أو النسب؛ وحتى الأحفاد وأولى العصبة والصاحب بالجنب وذى العهد وأولى الذمة، والفضل للعامل الدءوب، فالأحلام شراع، والأرض براح، والكل سواء، فعم الهدوء، وشاع الرخاء.

ومع توالى الأعمام تمدد الحى واتسع، وشاعت الرفاهية، فتراخوا فى الحفاظ على البيت الكبير، وتدعيم أركانه وصلب عمدانه، والاسترشاد بدلالات فن معماره مع تربص الموتورين وتذمر الموالين وانشقاق الصاغرين.. أشاعوا أن البيت الكبير قد اندثر معماره، وأصابه الدهر بالقدم، وجرت المياه تحت أساساته، وحان وقت التغيير، يطالبون بالتعديل، يعبثون بأركان البيت، لا يدركون الخطر فى هذا. 

فكان جدى الثانى الذى أوقف عمره وجهده على صيانة البناء وثراء الحى؛ يحمى الطرق والموانئ؛ من خبث الجيران وتكتلاتهم الغادرة.

جدى المباشر يرصد عيون الجيران العابثة بساكنى الحى، وكيف يتلاعبون بالفشلة ومعدومى الرجاء، وكيف ينقلبون على منهاج الحى الصريح الراسخ.

الملل والسأم يتسلل للبيت بعد أن نصب خيمته على الحى، فيصيب بعض ساكنيه بالضجر فشطّوا من البيت وعافوا سلطان الجد الأكبر ودستوره.

من ذريتهم خرج الحمقى الكارهون للجدود.. يسعون لهدم البيت الكبير، غرضهم كسب ود الأعداء لا الجيران، فما عادوا منهم. 

أبى وحيدٌ بينهم، يرقب ويحذر ويجادل قدر جهده، لكن الغل كان بلغ مداه، طاله الأذى والضر، فخاف من فساد الأعمام السفهاء والخونة، فر بنا وجاب بلادًا وبلادًا وشاهد تبدل الأحوال، واستبشر الخير، فما زال لأبيه محبون على العهد عازمون، فنادى فيهم يطالبهم بالتصدى والصمود للدخلاء.

أبى يتابع أخبار أبناء الحى، فلقد انقلبوا على بعضهم أيضًا.. وصار أبى فى وضع لا يحسد عليه، هل يقف مع هذا أم مع ذاك؟

ظل أبى ينادى بالحفاظ على وحدة الميراث وعدم تمزيق التركة، خاب سعيه، أفل نجمه حين ضعف جسده ومات أبرّ إخوتى وأشدهم بأسًا، ولم يبق له إلا أنا!

فى زحام صاخب؛ وكراهية واضحة؛ واستبراء الكثيرين من عصبهم وأصلهم، أغلقوا تكايا كان جدى يغدق عليها، وسُبلًا يسقى منها الظمأى.. ومدارس علومها تهدى الحيارى.

وانقلبت السخرية إلى سباب بالافتراء والبهتان والخوض فى العرض والشرف؛ توضيح الخرافات والافتراءات؛ كان دورى فى المواجهة القذرة. 

الجد نسله مبتور، فابن من أنت؟ هكذا هاجمونى.

زاد التطاول علىّ، زاد النكران وزاد التضييق وما زالوا لى منكرين وبفاحش القول فى وجهى يجهرون، الغريب أنهم يطلبون منى الرد بالحسنى..

بعد أن قتلوا أعمامى وشردوا أسرتى كلها وأن أتحسر عليهم أو أجزع فهذا أمر ممنوع.. زاد بأسهم، ضيقوا علىّ، خافوا بأسى ورد الصاع إن اجتمعت بأصهارى المطاردين.. «فالقصاص حياة».

فزعوا من قولى.. شطوا فى الجحود ونكران وجودى.. ما هذا لكم بحل؟

اعترفوا بحقى فى الوجود واتركونى لأحيا بين الناس بحرية مثلكم، وأتخير أصهارى الجدد ومن يقبلون جوارى، وهم ملايين وأنتم لهم كارهون وبهم متربصون.

اعترفوا بشرعية ميلادى، ما كان من قتال جدى الأكبر وجدىّ التاليين إلا اتباعًا لأعراف زمنهم، وكل الجدود كانوا أمثالهم حاملى النبوت، لكنكم مغرضون لا تذكرون إلا جدى، ورغم أن كل سالكى الحى كانوا له شاكرين. 

اعترفوا بشرعية ميلادى أهذا كثير؟ وإن لم تفعلوا فبمن ألوذ؟ سألجأ للنبوت.. لا تعرفون من منهاج تربيتى إلا هذا!

تربيتى غرس جدود، راسخى الفكر واسعى الحكمة متماسكى التدبير، فى حى رخاء متسع الميادين بحكمة الجد الأكبر.. سأمضى أنادى على كل الأحفاد.. وندعم منهاج الجد الأول فى كل أرجاء الحى بل المدينة.. من فى الكون له جد كجدى!