رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عاجل.. الساحران.. كيف سيطر جوارديولا وكلوب على أباطرة وفتوات أوروبا؟

جوارديولا وكلوب
جوارديولا وكلوب

الدورى الإنجليزى أحد أصعب الدوريات فى العالم، وهناك ٧ أندية على أقصى تقدير يمكنها أن تتوج باللقب، لكن فريقًا واحدًا فقط يفوز به، والبقية تستسلم للإحباط، هكذا وصف الألمانى يورجن كلوب، المدير الفنى لفريق ليفربول، صعوبة وشراسة المنافسة فى الدورى الإنجليزى الممتاز.

يخوض «كلوب» المنافسة على لقب «البريميرليج» للموسم الثامن على التوالى، والأخير له مثلما أعلن منذ بضعة أشهر، معتليًا صدارة الترتيب بالتساوى مع أرسنال بـ٧١ نقطة لكل منهما وخلفهما مانشستر سيتى ثالثًا بـ٧٠ نقطة.

السؤال الأكثر ترددًا خلال السنوات الماضية هو: لماذا لم يعد «البريميرليج» بطولة الحظوظ المتاحة للجميع كسابق عهدها؟ دائمًا ما اشتهر الدورى الإنجليزى بأنه بطولة الحظوظ المفتوحة والمتاحة للجميع، فالكل فى بلاد الضباب يحلم بمعانقة كأس «البريميرليج» الأغلى، لكن هنا يجب أن نفرق بين ما قبل ٢٠١٥ وما بعدها، بين كرة تقليدية وأخرى حديثة.

بقدوم يورجن كلوب وبيب جوارديولا فى ٢٠١٥، و٢٠١٦، على التوالى بدأت بطولة الدورى الإنجليزى عهدًا جديدًا، ودخلت مرحلة انتقالية بين كرة قدم تقليدية أساسها القوة البدنية والالتحامات الجسدية والكرات الطولية المباشرة باتجاه مرمى الخصم، وكرة حديثة غير مباشرة أساسها جماعية قائمة على تكتيك منظم وأدوار مركبة وتحركات معقدة بين الدفاع والهجوم.

حرب شرسة خاضها الثنائى لفرض «الكرة الحديثة» على البلاد التى وضعت قواعد اللعبة، فاعتزاز الإنجليز بأنفسهم وتقاليدهم حال دون إدراكهم ضرورة مواكبة الحداثة وتطور التكتيك.

«لن تنجحوا فى تغيير الدورى الإنجليزى، (البريميرليج) سيظل كما هو وأنتما ستتأقلمان عليه».. هكذا اعتادت الجماهير الإنجليزية أن تناوش الثنائى فى أول عهدهما بالبطولة الأقوى فى العالم، ولكن جوارديولا وكلوب استطاعا فرض نفسيهما على كرة القدم فى العالم، وفتح آفاق جديدة لتكتيك اقتدى به كل مدربى العالم.

فالأول كان معروفًا من بداية عهده مع برشلونة ٢٠٠٩ بالاستحواذ وخنق الخصوم وإجبارهم على الوقوع فى الأخطاء والإجهاز عليهم بأسلوب لعب غير مباشر ومبتكر، قائم على تمريرات قصيرة ومراكز متبادلة وإبداع فردى يدور فى فلك منظومة شرسة وقوية.

أما الثانى فاعتاد ترك الكرة للخصوم وحرمانهم من الاستفادة بها بضغط مكثف ومتقدم يخنق به أنفاسهم ويجعلهم يشعرون باليأس من امتلاك الكرة.

تأثير جوارديولا على وجه الخصوص ظهر جليًا على منتخب إنجلترا فى مونديال ٢٠١٨ وما تلاه، واعتماد جاريث ساوثجيت، مدرب «الأسود الثلاثة»، على لاعب وسط ملعب حر قادر على الابتكار والإبداع والتقدم للهجوم، وإعادة تعريف مفاهيم لاعب الوسط القادر على صناعة الفارق ونقل الكرة بشكل سلس ومبسط من الدفاع للهجوم بتمريرات طولية، وإشراك جميع اللاعبين فى عملية الهجوم بداية من حارس المرمى.

نجاح «جوارديولا» و«كلوب» فى البريميرليج امتداد- من حيث النجاحات- للسير أليكس فيرجسون، الرجل الوحيد الذى توج بكل الألقاب الممكنة مع نادٍ إنجليزى على عكس منافسه آنذاك أرسين فينجر، الذى توج بالألقاب المحلية دون أن يحقق دورى الأبطال، فكلاهما حقق كل الألقاب الممكنة، وكلاهما استطاع أن يتحمل ضغوط «البريميرليج» وانتقادات الصحافة والجماهير واختلاف الأيديولوجيات بين أفكارهما وما تمثله الكرة الإنجليزية التقليدية من عادات.

«جوارديولا» و«كلوب» استطاعا إحياء كرة القدم مرة أخرى، فكّكا مصطلحاتها وأفكارها القديمة وأعادا تعريف اللعبة مرة أخرى بأسلوب حديث وبسيط لدرجة التعقيد.

بالنظر إلى تناقل الكرة بين أقدام لاعبى السيتى مثلًا تشعر أن ما يحدث شىء سهل، لاعبو كرة قدم محترفون يمررون الكرة لبعضهم البعض فقط، ولكن التعقيد هنا فى ديناميكية الحركة، وإتقان اللاعبين لأدوار مركبة وبذلهم مجهودًا بدنيًا وذهنيًا شاقًا بين تنقل من الدفاع للهجوم واختراق دفاعات الخصوم بإبداع فردى داخل المنظومة.

خارج المستطيل الأخضر، حصل كلاهما على إدارة محترفة آمنت بقدراتهما ومنحتهما كل الإمكانات الممكنة للنجاح وتحقيق الألقاب، ليجتمع النجاح الإدارى والتكتيكى ويفرض الثنائى سيطرتهما على البريميرليج.

باستمرار نجاح كلوب وجوارديولا، بدأ كبار الدورى الإنجليزى فى السير على نهج «السيتى» و«الريدز»، والبحث عن التطور والحداثة فى أسلوب وتكتيك كرة القدم، فذهب مانشستر يونايتد إلى إريك تين هاج، واتجه توتنهام هوتسبير لـ«آنجى بوستيكوجلو» وظهر روبرتو دى زيربى فى برايتون، وتألق إيدى هاو مع نيوكاسل.

بالنظر إلى جدول «البريميرليج» هذا الموسم نجد ٤ أندية تعتلى القمة، وهى: أرسنال، وليفربول، ومانشستر سيتى، وتوتنهام هوتسبير، الأول يديره ميكيل أرتيتا، مساعد جوارديولا السابق، والثانى والثالث يديرهما صاحبا الفضل فى تغيير «البريميرليج»، والرابع يديره آنجى بوستيكجلو، الذى ينتهج أسلوبًا مقاربًا لما رأيناه مع «كلوب» و«جوارديولا». أيضًا نجد أن بوستيكجلو الوافد حديثًا للدورى الإنجليزى يقوم تكتيكه على الضغط العالى والاستحواذ بشكل موسع، والتقدم الهجومى للأظهرة، وكذلك المخاطرة بالتقدم الهجومى، ما يجعل الفريق أكثر عرضة للهجوم المضاد من الخصوم، وتعرض لانتقادات شديدة فى بدايته، ولكن مع مزيد من التطور واعتياد اللاعبين على تلك الطريقة أصبح الفريق أكثر انسجامًا وبات قريبًا من حصد المقعد الرابع للإنجليز فى دورى أبطال أوروبا.

ووفق شبكة «أوبتا» للإحصائيات، فقبل الجولة الـ٣٢ كانت فرص مانشستر سيتى للفوز باللقب ٣٣.٦٪ مقابل ٤٥.٠٪ لليفربول و٢١.٤٪ لأرسنال، وبعد تعثر «الريدز» أمام يونايتد وانتصار سيتى وأرسنال انقلبت الحظوظ لرجال جوارديولا بـ٤٠.٦٪ مقابل ٣٠.٣٪ لأرسنال و٢٩.١٪ لليفربول، لنرى «البريميرليج» فى ثوبه الجديد القديم، ٣ فرق تتنافس على لقب واحد، ولكن بأسلوب حديث ومعاصر وكرة قدم جميلة ينتظرها العالم بأسره من السبت للذى يليه. «ليس من المهم ما سيقوله الناس عنك عندما تأتى، ولكن الأهم ما سيقولونه عنك عندما ترحل».. كانت تلك أولى كلمات يورجن كلوب عقب توليه تدريب ليفربول، لتتحول إلى حقيقة بينة واضحة للجميع، «كلوب» و«جوارديولا» غيّرا كرة القدم إلى الأبد.