رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الناقد حسين حمودة: مسلسل «الحشاشين» به غنى درامى لم يكن موجودًا فى الروايات التاريخية

حسين حمودة
حسين حمودة

أكد الدكتور حسين حمودة، أستاذ النقد الأدبى بجامعة القاهرة، أن مسلسل «الحشاشين» به غنى درامى لم يكن موجودًا فى الروايات التاريخية التى تناولت طائفة «الحشاشين» وزعيمها حسن الصباح، رافضًا الجدل الذى أثير حول استخدام العامية المصرية فى المسلسل، موضحًا أن افتراض أن المسلسل التاريخى يجب أن يكون بالفصحى بحاجة إلى المراجعة، خاصة أن أتباع هذه الطائفة كانوا يتدربون على اللهجات واللغات المختلفة ليسهل عليهم التنقل عبر البلدان.

وأشاد «حمودة»، خلال حديثه للموسم الجديد من برنامج «الشاهد»، تحت عنوان شهادات خاصة على «الإخوان- الحشاشين»، الذى يقدمه الإعلامى محمد الباز على قناة «extra news»، بالمسلسل والشركة المنتجة وكاتب العمل، الذى استطاع أن يضيف تفاصيل درامية مهمة للشخصيات التاريخية التى يتناولها، داعيًا إلى الاستفادة من الحالة التى أثارها المسلسل، وبذل مزيد من الجهد البحثى حول تلك المرحلة التاريخية لتوضيح كثير من تفاصيلها المتضاربة.

 

■ أثار مسلسل الحشاشين الكثير من الجدل منذ عرضه.. فما الذى يدفع الروائى لكتابة عمل تاريخى فى رأيك؟

- الكاتب الروائى أو السيناريست يبدأ فى كتابة التاريخ من زمنه هو، من خلال تسليط الضوء على القضايا التى تشغل باله ويجد صدى لها فى التاريخ فى فترة محددة، فالمادة التاريخية التى يتعامل معها الروائى غالبًا ما تكون متسعة، وأحيانًا بها روايات متضاربة، ولكن فى النهاية ينطلق من رؤيته هو للحدث.

والفكرة هنا تكمُن فى الاستفادة من مقاربة التاريخ، لأن أغلب الفترات التاريخية لها صدى وحضور ما عند المتلقين، وبالتالى يبدأ من أرضية مشتركة، وهمه كيفية تجسيد الفترة التاريخية من خلال العمل الدرامى.

وعلى الروائى أن يملأ الفراغات، ويتحرك مع شخصيات العمل التاريخى، والعوامل الداخلية لكل شخصية، وكل هذا لم يسرده التاريخ، والمبدع لا يكتفى بالمعلومات التاريخية ولكنه يتحرك بإبداعه مع مساحات الشخصيات، خاصة أن عمل المؤرخين يهتم بواقع بعينه أو أسماء ترتبط بالحكام والشخصيات المعروفة، ولكن هناك مساحات أخرى لم يذكرها التاريخ، وهذا يثير فضول المبدعين.

■ لماذا لا يتم كثيرًا تناول الشخصيات التاريخية المعارضة والمُختلف عليها بشكل درامى؟

- هناك كثير من التجارب التى سلط المؤلفون فيها الضوء على الشخصيات والتجارب التى يدور حولها الكثير من الإشكاليات، مثل تجربة «أخناتون» لنجيب محفوظ، وتجربة الحاكم بأمر الله، بالإضافة إلى تجربة «حسن الصباح» بمسلسل «الحشاشين»، وكلها تجارب بها الكثير من الإشكاليات، وبالتالى كان من الصعب تناولها.

وأرى أن كل شخصية من هذه الشخصيات يُنظر لها من قِبل المؤرخين برؤى وزوايا مختلفة ومتعارضة جدًا، والسبب هو محاولة التقاط المعانى من الروايات المتعارضة حول شخصية ما، فمثلًا نجيب محفوظ، فى كتابه «العائش فى الحقيقة»، قابل أكثر من ٢٠ شخصية لمعرفة الجوانب والتفاصيل التى يدور حولها العمل الروائى، خاصة أن نفس الأحداث والوقائع يُنظر لها من منظورات متعددة ومختلفة.

وتجربة مقاربة التاريخ تجربة غنية جدًا، فالكاتب يلجأ للتاريخ من أجل رصد كل تفاصيل حياة الشخصيات، لكن الشخصيات المعارضة فى التاريخ بها كثير من الأمور التى لم يتطرق لها كثيرون، بسبب اختلاف الآراء حولها.

وهذا أمر أجده خاطئًا، فالتاريخ يجب أن يسلط الضوء على كل الجوانب والشخصيات، سواء كانت سلبية أو إيجابية، لزيادة الوعى.

■ هل هناك فترات معينة يمكن أن يزداد فيها لجوء الروائى للتاريخ؟

- الكاتب جمال الغيطانى، فى مقاربته للتاريخ من خلال شخصية «الزينى بركات»، كان يتناول فكرة انتزاع الحرية، ولكن أحيانًا اللجوء للتاريخ فى روايات أخرى يكون هدفه الرغبة فى استعادة قيم كانت موجودة فى الفترة التاريخية ولم تعد موجودة بشكل واضح فى زمن الكاتب أو المؤلف، وهناك كتابة روائية تاريخية من أجل تأكيد الهوية، إذ يتم استحضار شخصية أو حدث معين بحيث يؤدى الهدف بشكل غير مباشر.

وأحيانًا يوجد مبدعون مشغولون بفترات أهملها التاريخ، وأتذكر هنا رواية للدكتور أحمد جمال الدين موسى صدرت حديثًا بعنوان «مصير خبيئة حارسة المعبد»، تناقش الثورة المنديسية فى مصر القديمة، ويعالج الكاتب موضوع الرواية عبر تلك الفترة ومن خلال الرجوع للمصادر من أجل ترسيخ الدور المعرفى لتاريخ مصر.

■ هل من حق المبدع أن ينتقى الفترات التاريخية ويجتهد فيها؟

- لدينا هنا ثلاث حقائق وهى: الحقيقة التاريخية، التى تتمثل فيما ذكره التاريخ ومراجعه وهى مرهونة بالمؤرخين الذين تناولوها، ثم الحقيقة الروائية، وهى مسئولية الكاتب نفسه، والحقيقة الدرامية، والمسئول عنها فريق عمل.

وبالتالى فالعمل الروائى التاريخى يضم فريق عمل لديه إمكانات أكبر لمقاربة التاريخ ليصبح عملًا دراميًا جيدًا، من خلال الانتقال بالعمل الروائى من الكتابة إلى التجسيد الدرامى الفعال، الذى يهتم بكل التفاصيل، مثل المشاهد والملابس وحركات نجوم العمل.

■ كيف تقرأ مسلسل «الحشاشين» على ضوء ذلك؟

- فى حالة مسلسل «الحشاشين» أجد أنه عمل يقوم على المشاركة الجماعية، ويضم الكثير من التفاصيل التى تخدم الرواية التاريخية والدراما، فالمبدع الحديث يصنع رواية موازية للتاريخ، وهناك اتفاقات ثابتة بين المؤرخين ولا بد من الالتزام بها، رغم أننا لا ننكر أن هناك فراغات، وهذا ما يسمح للمبدع أن يتنقل بينها، مثل المشاعر والأحلام، بالإضافة إلى أن المبدع يمكن أن يجتهد فيما لم يذكره المؤرخون.

وأغلب المؤرخين يتركون مساحات، والمبدع هنا هو الذى يستكملها، ولكن عليه الالتزام ببعض الحقائق الثابتة، وهناك بعض التجارب فى التاريخ لم نجد فيها حقيقة ثابتة، فشخصيات مثل الحاكم بأمر الله وحسن الصباح يظل الكلام عنهما متناقضًا، مع اختلاط الحقائق بالأساطير.

وفى هذه الحالة، نجد مساحة الاجتهاد من المبدع أكبر، خاصة أنه صاحب رؤية، وبالتالى يمكن أن يركز على جوانب غفل عنها المؤرخون، والانتقاء فيها من حق المبدع فى تصورى، لأنه يتنقل فى مناطق مسكوت عنها فى التاريخ وداخل الشخصيات فى العمل الدرامى التاريخى.

ولذا نرى أن هناك روايات تاريخية متعددة تناولت تلك الفترة قبل مسلسل «الحشاشين»، وأهمها رواية أمين معلوف الفرنسى اللبنانى «سمرقند»، التى تركز على تجربة الشاعر عمر الخيام، وهناك قسم من أقسامها الأربعة يتناول تجربة حسن الصباح و«الحشاشين»، ويرى فيها مساحات وجوانب أخرى، لأنه يرى «الصباح» من ضمن الهراطقة، وأنه أسس التجربة الأكثر دموية فى التاريخ، والتى كانت تتحرك للقتل والاغتيال، مستندة فى ذلك إلى معنى ما مرتبط بالإيمان والدين.

والرواية تقف عند جوانب درامية فى هذه التجربة مثل أسباب التسمية، وقتل حسن الصباح لابنه، وبعد ذلك يكتشف أن ابنه برىء، وهى تجربة تذكر بما حدث للسلطان برقوق، الذى قتل ابنه وظل يندم على ذلك طوال حياته.

وهناك أيضًا تجربة عن «الحشاشين» لأحمد خالد توفيق، وهناك رواية أخرى فى المغرب، والمؤكد أن كل عمل أدبى يعكس رؤية وتصورًا إبداعيًا بالأساس عند الذين أبدعوا هذه الأعمال.

ومسلسل «الحشاشين» وفق هذا هو تجربة قائمة على اتساع ورحابة فى التاريخ، ورؤية مستندة إلى تجربة الاغتيال لأسباب سياسية مقنعة بالدين، وهذا قاسم مشترك بين هذه الجماعة وغيرها، تتناول التصورات التى انطلق منها حسن الصباح، ورؤيته أنه من الممكن أن ينتصر على الجيوش ويحكم العالم من خلال إسقاط الدول عبر الاغتيالات الثابتة تاريخيًا، والدفع بأعداد من الأبرياء، الذين مُلئت أذهانهم بأنهم يحجزون تذاكر للجنة، والمبدع هنا يبدأ من زمنه ومن موطنه ويذهب للتاريخ لمناقشة تلك التصورات.

■ أثار المسلسل حالة من التحريض على القراءة والبحث.. فأين العمل البحثى من تلك الفترة التاريخية؟

- هناك كتاب مهم لـ«برنارد لويس» عن طائفة «الحشاشين»، والكتاب لا يراهم حركة ثورية بل فرقة من أكثر الفرق دموية فى التاريخ كله، وهو قائم على جهد بحثى مهم، ومبنى على بعض الدراسات السابقة أو رسائل المستشرقين، ومجموعة من المعلومات حول تاريخ الانقسامات لدى الشيعة، وارتباك حسن الصباح فى تجربته الطويلة، وتحوله فى سن الـ١٧ إلى الفرقة الإسماعيلية، ومن بعدها التصورات الخاصة بالشيعة الاثنى عشرية، ثم تجربته فى مصر وطردها منها على يد بدرالدين الجمالى، لأنه أيد الفرقة النزارية، ثم هروبه لسوريا وإيران وقلعة «آلموت» وحتى وفاته فى نهاية الربع الأول من القرن الثانى عشر.

والكتاب به جهد كبير، وداخله رؤية مختلفة، لأن التجربة نفسها محاطة بإشكاليات ومعلومات متضاربة، وهو يفند بعض هذه المعلومات المتضاربة.

وعندنا كتاب للدكتور محمد عثمان الخشت حول «الحشاشين»، وهو كتاب معقول جدًا، لكن الموضوع بحاجة إلى جهود أخرى، خصوصًا أننا فى زمن تتاح فيه وسائل للحصول على المعرفة لم تكن متاحة من قبل.

■ هل العمل التاريخى يتحتم فيه استخدام اللغة العربية الفصحى؟

- مسلسل «الحشاشين» يحكى التجربة لجمهور واسع يعرف العامية المصرية، سواء فى مصر أو فى الدول العربية، لذا فهو يحكى التجربة بلغته، كما أن هناك إشارات عند برنارد لويس تقول إن أتباع حسن الصباح كانوا يتدربون على اللهجات ليسهل ذلك عليهم التنقل بين المناطق، كما أنهم كانوا يتدربون على اللغات المختلفة فى بلاد فارس والمناطق الأخرى حول بحر قزوين.

وعمومًا، وفى كل فترات التاريخ المعروف، تكون دائمًا هناك لغات أخرى غير الفصحى، فمثلًا فى الفترة المملوكية فى مصر كان الناس يتكلمون بلغة مختلفة عن اللغة التى يكلمون بها السلاطين، الذين كانوا لا يعرفون فى الأساس اللغة العربية، أى أن التراث نفسه كان يتم فيه استخدام اللهجات العامية بشكل كبير، حتى إن بعض المؤرخين، ومن بينهم «ابن إياس» أتى فى كتبه بمفردات عامية.

والشخصيات تتحدث عبر التاريخ بلغاتها، وليس بلغة المؤرخ، وبالتالى فتلك الفكرة مردود عليها، إلى جانب أنها فكرة هامشية، خاصة لو تتبعنا اللغة أو اللغات أو اللهجات التى كانت تتحدث بها الشخصيات فى تلك الفترة، فهناك شخصية من الشخصيات فى تلك الفترة، وهى زوجة السلطان السلجوقى، والتى وردت تفاصيل عنها فى رواية «سمرقند»، وأسماها أمين معلوف بـ«التركية»، ووقف عند تفاصيل درامية غنية جدًا خاصة بها، لكنه ردها لأصول صينية، فهل ستتكلم هذه الشخصية بالعربية الفصحى؟، لا أعتقد ذلك.

■ فى رأيك.. هل خرجت المسألة من المناقشة الفنية الدرامية إلى ما هو سياسى.. وهل هناك تعالٍ الآن على العامية المصرية؟

- من الممكن أن يكون التعالى عن العامية المصرية جزءًا من تفسير ما حدث، ومن الممكن أيضًا أن يكون هناك جانب آخر له علاقة بالتعود من الجمهور، لكن المسلسل يتناول مناطق مختلفة جغرافيًا، وشخصيات غير عربية وتعددًا لغويًا، ولم يكن فى هذه المناطق استخدام للغة العربية الفصحى بالطريقة التى نعرفها، كما أن هناك استخدامًا دائمًا للعامية فى المعاملات بين الناس طوال التاريخ، وأحيانًا يكون التعامل بلغات أخرى غير العربية، التى مرت بمسيرة تاريخية طويلة وكانت بها لهجات كثيرة.

وبالتالى، فإن افتراض أن العمل التاريخى يجب أن يكون بلغة عربية فصحى هو افتراض بحاجة إلى المراجعة.

■ قرأتَ عن شخصية حسن الصباح فى التاريخ وشاهدت تجسيده فى المسلسل.. كيف تقارن بين الرؤيتين؟

- الفنان كريم عبدالعزيز، وهو الممثل المؤدى لشخصية حسن الصباح، أعطى صورة إيجابية عن الشخصية، وهى فى التاريخ غير ذلك، وهذا يذكرنى بملاحظة نجيب محفوظ عن روايته «ميرامار»، التى قال إن الفيلم ظلمها، لأن الذى جسد شخصية الإقطاعى فيها هو يوسف وهبى، فتعاطف الجمهور مع الشخصية لأنه يحبه.

وبالتالى، من الممكن أن يكون فى الأداء جوانب ما، لكن هناك أيضًا التفاصيل والممارسات المرتبطة بهذه الشخصية فى المسلسل، وفى الروايات التاريخية المختلف عليها.

ومسلسل «الحشاشين» لم يخرج أو يذهب بعيدًا عن الروايات التى قيلت عن الشخصية، بل التقط جوانب منها مرتبطة بادعائه التمسك بقيم دينية رغم أنه لا يتورع عن القتل ويراه وسيلة ناجحة، وأيضًا مسألة تجربته عقب استيلائه على القلعة، التى مكث فيها ٣٥ عامًا، دون أن يخرج منها فى بعض الروايات إلا مرتين فقط، بالصعود لأعلى السطح.

وهناك تفاصيل أخرى فى المسلسل تخص علاقة حسن الصباح ببعض المحيطين به، ومنهم عمر الخيام، كما أن به غنى دراميًا لم يكن موجودًا بشكل قوى فى الروايات التاريخية، وتفاصيل تخص علاقته بمن حوله، ومسألة حلم الجنة، خاصة أن الرواية التى أوردها الرحالة الإيطالى ماركو بولو فى رحلاته حول فكرة الجنة مشكوك فيها تاريخيًا، والمسلسل عالج هذه النقطة، فلم يحولها إلى الجنة بالمعنى، ولكن جعلها «الحلم بالجنة».

كيف تقيم التعامل دراميًا من شخصية حسن الصباح؟

- المسلسل فى تعامله مع الشخصية وضع عنوانًا فرعيًا يدلنا على الوجهة التى نتلقى من خلالها أو على أساسها العمل ككل، وهو «أباطيل وأبطال من وحى التاريخ»، وهذا العنوان الفرعى أعطى مساحة للمبدع، لأنه أوضح أن العمل ليس فيلمًا توثيقيًا أو مسلسلًا وثائقيًا عن تلك الفترة، بل هو رؤية إبداعية، أنتجت بقدر كبير من الجمال، وبجهد كبير جدًا من الشركة المتحدة فى التصوير والحركة والأماكن والتكلفة الإنتاجية الكبيرة.