رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكسل فى طلب الرزق

في زيارة قصيرة لمسقط رأسي المدينة الباسلة "بورسعيد"، اكتشفت نسياني شاحن الهاتف.. ونظرا لارتباطي بمواعيد هامة ذهبت على الفور لشراء شاحن من أحد محلات الهواتف بالمدينة.. كانت الساعة الحادية عشرة ظهرا.. وللأسف فوجئت بأن كل المحلات مغلقة، وعندما سألت أحد المارة ماذا حدث وهل اليوم عطلة رسمية؟ رد عليّ ضاحكا بأنني بالتأكيد لا أعيش في هذه المدينة.. فكافة التجار هنا لا يفتحون محالهم قبل الواحدة أو الثانية ظهرا، ومبرراتهم الساذجة هي أنهم يسهرون حتى الساعة الواحدة ليلا!!
ازدادت دهشتي لكنني أدركت أن شكوى الناس من قلة الرزق ترجع لجهلهم لناموس الحياة وقلبهم عمدا نهارهم ليلا وليلهم نهارا.. 
فكما قال الله في كتابه العزيز "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ"، «سورة يونس: الآية 67» ويقول: "وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا"، «سورة النبأ: الآيات 9- 11»، وقال النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهمَّ بارك لأُمتي في بُكُورها»، فإن النهار، كما قال الله تعالى، معاش، «وجعلنا النهار معاشًا»، فإذا استقبله الإنسان من أوله صار في ذلك بركة، وكان إذا بعث سَرِيَّةً أو جيشًا، بعثهم من أول النهار. 
ويقول ابن القيم «نومة الفجر تمنع الرزق لأنه وقت تقسيم الأرزاق». 
كما أن بعض العلماء قالوا إن نوم الصبح يمنع الرزق، ولهذا فهو يسمى بالحيلولة أي أنه يحول بين الرجل والرزق، وهذا فيه ترغيب للإنسان أن يجد ويجتهد في طلب الرزق من الصباح الباكر.. ولقد رأى ابن عباس ابنًا له نائمًا نوم الصبح فقال له: قم، أتنام في الساعة التي تقسم فيها الأرزاق؟ ذلك وقت تَطلب فيه الخليقةُ أرزاقها، وهو وقت قسمة الأرزاق.
تذكرت كل هذا وأنا أتحسر على ما أراه من سلوك غريب لأهل مدينتي الباسلة.. هل هو كسل في طلب الرزق أم ماذا؟؟ ولماذا الشكوى من قلة الرزق إذن؟؟
كنت أشاهد بعيني قديما في طفولتي أن معظم أصحاب المحال التجارية يصلون صلاة الفجر ويرجعون لتناول طعام الإفطار ثم يهرعون لطلب الرزق من الثامنة صباحا.
أتذكر أن كل المولات الكبرى في الإمارات تفتح محالها التجارية في تمام العاشرة صباحا، وهناك غرامة مالية تصل لـ٥٠٠ درهم عن كل ساعة تأخير عن الساعة العاشرة، وغرامة أخرى تصل لألف درهم في حالة عدم وجود بائعين في المحال أثناء أوقات العمل المحددة بدقة. 
لن أطيل أكثر من ذلك، فمؤشر شاحن الهاتف قارب على الانتهاء منذرا بالغلق المفاجئ لمقال لم أكن أود أن أتطرق فيه للحديث عن كسل تجار أهل مدينتي الجميلة التي أعشقها.