رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيدة المسرح العربى: ابحثوا في داخلكم عن الجوهر المفقود للإنسان

سميحة أيوب سيدة المسرح
سميحة أيوب سيدة المسرح العربى

بمناسبة أن مارس هو شهر المرأة المصرية.. كان علينا أن نحتفى نحن أيضا بنساء المسرح المصرى اللاتى كانت مسيرتهن خطوط من النور ترسم طريقا يسير فيها خلفهن صانعات وصناع المسرح المصرى.. لذا ستتخير صفحة المسرح بجريدة الدستور فى كل أسبوع بعض الملهمات فى تاريخ الحركة المسرحية لمشاركة مسيرتها وتاريخهن الملهم مع القراء.. ولتكن البداية لامعة مع اسم يطال عنان السماء فى المسرح العربى إنها سميحة أيوب سيدة المسرح العربى.

أتمت سيدة المسرح العربى منذ يومين وتحديدافى يوم المرأة العالمى (8 مارس) 92 عاما قضت منهم 75 عاما بين خشبات المسارح ولوكيشنات التصوير السنيمائى والتليفزيونى 75 عاما من العطاء المشرف للفن.

سميحة ايوب هى المرأة الوتد.. فتاة شيرا، بنت مدارس الراهبات، بنت ال17 سنة  التى التحقت بمعهد الفنون المسرحية بمحض الصدفة، حين ذهبت فى صحبة زميلتها التى أرادت الالتحاق بالمعهد، ولكن رأى فيها هى أعضاء اللجنة ما ينبئبممثلة واعدة فالحقوهاكطالبة مستمعة نظرًا لحداثة سنها وقتها، فواجهت حينها عقبتين كبيرتين أولهما معارضة أسرتها، وثانيهما صعوبة التحدث باللغة العربية بطلاقة كزميلاتهتا كونها ابنة مدارس فرنسية، فشجعها خالها لأنه كان تنويرًيا وخريج السربون، وحاول إقناع أسرتها وحين فشل أخذها لتعيش معه، وجاء لها بمدرسين للغة العربية حتى تتقنها كما يليق بممثلة مسرحية، وأثناء دراستها بالمعهد تحداها أستاذها زكى طليمات الذى لم يكن مدرك لموهبتها بعد وقلل من شأنها فأعطاها نصا لتؤديه فاجتهدت وسهرتوتدربت وحين أدته أمامه قال لها لأول مرة يخوننى ذكائى، وهو من سعى بعدها لتتحول إلى  طالبة نظامية، وكانت هذه النقلة سببا فى أن يصرف لها مبلغ شهرى يعينها فى مصاريف الدراسة والحياة، وصار زكى طليمات هو استاذها الذى تعلمت منه فن التمثيل وأحد أهم الداعمين لها فى مسيرتها الفنية بعد تخرجها من المعهد 1954. 

اصطحبت سميحة فى 2017 إلى المدرسةالثانوية (مدرسة الليسيه)  جاء ذلك فى إطار فاعليات مشروع الملهم المشروع الذى أطلقه المجلس الأعلى للثقافة بالتعاون مع مشروع التحرير لاونج جوته والذى شرفت بالإشراف عليه من جانب المجلس.. ولاحظت فى حديثها مع طلاب الثانوية  كيف تذكرت سميحة أيوب كل من ساندها بامتنان كبير.. (وعلى رأسهم أستاذها زكى طليمات)

حين خافت سميحة أيوب من زوز نبيل

اقتنصت سميحة أيوب  فرصتها الأولى فى الإذاعة فى أوبريت عذراء الربيع الذىرشحها له الاستاذ محمد الطوخى وقدمها لبابا شارو، وذهبت للاختبار وكلها رهبة حيث بث الجميع الخوف لديها من من زوزو نبيل الصوت النسائى الأوحد بالإذاعة وقتها... لاحظت زوزو نبيل خوف سميحة ورهبتها فبادرت تطمئنها وتمنحها خبرتها فى الإداء الإذاعى واجتازت سميحة الاختبار،واحدث المسلسل ضجة وبدأ يلمع اسمها، وكان هذا النجاح هو السبب فى حصولها على دورها فى مسلسل "سمارة" فى الإذاعة.

كيف سببت سمارة ربكة مرورية وعطلت المواصلات العامة

كان هذا الدور سببا فى أن يلمع اسم سميحة أيوب، هذا على الرغم من أن سميحة كانت ترى أنهغير مناسبة لها، لكنها تحدت نفسها كممثلة، وقررت أن تقتنص الفرصة واشتغلت على فهم الشخصية ومقاربتها،  حتى قدمتها  فى ألمع الصور، ونجح المسلسل نجاحا مدويا حتى يحكى أنه فى ذلك  الوقت كانت تتوقف المواصلات العامة  حين يذاع المسلسل بالراديو وأصبحت نجمة فى الاذاعة، وذاع صيت " سميحة أيوب "، وكانت حتى ذلك الحين تطلق على نفسها اسم (سميحة سامى) نظرا لمعارضة اسرتها استخدام اسم العائلة، إلى أن وقفت مع ذاتها وقفة أدركت فيها أنها تمتلك اسمها وتمتلك إرادتها فى العمل طالما أنها لا تفعل شيئا مشينا.. فإن أسمها سميحة ايوب وسيبقى سميحة أيوب.

من سميحة سامى لسميحة أيوب... ماذا تغير؟

بعد استعادتها لاسمها انطلقت سميحة أيوب فى مسيرتها على نحو لم يستطع أيا من كان إيقافه أو عرقلته... فلم تسمح من هذا الوقت بأن أن يخط لها أيا من كان طريقها.. كانت تؤمن أن لاشئ مستحيل، وترى أنها لا تفعل شئ تخجل منه،  ولا تخجل من شئ تفعله، وهكذا كانت تواجه الجمبع بثقة فى اختياراتها سواء فى حياتها الفنية أو الشخصية.. حتى حين أحبت وتزوجت لم تتردد أن تنهى زيجتها الأولى والثانية حين رأت أن الزواج ينتقص من شأنها كفنانة.. ففشل زواجها بالفنان سمير سرحان الذى حاول عزلها ومنعها عن التمثيل، وكذلك زواجها بالفنان محمود مرسى بسبب خلافاتهما فى هذا الشأن، واستمرت زيجتها بالكاتب المسرحى الكبير سعد الدين وهبة حتى وفاته 1997 لأنه كان مؤمنا بموهبتها وداعما لها طوال الوقت، لكن وفى ذات الوقت كانت تدرك واجباتها كزوجة وأم فلم تسمح للفن  بأن يؤثر على دورها كأم لابنيها (محمود سرحان- علاء محمود مرسى)، لكنها فجعت فى أحد أبنائها الذى مات 2010 أثناء تواجده بالولايات المتحدة الأمريكية إثر ازمة قلبية، مخلفا وجعا ممتدا عاش معها حتى اليوم رغم صلابتها وقوتها فى مواجهة المحنة.

سميحة أيوب.. الممثلة الوتد 

عادة ما يقارب العديد من النقاد ويقارن أداء سميحة أيوب بنظيراتها فى تلك المرحلة مثل سناء جميل  التى كانت من أقرب صديقات سميحة أيوب، وقد عاشا فترة من حباتهما سويا فى شقة مؤجرة تقاسما أجرتها، وذلك خلال عملهما بالمسرح والسنيما... ولكن منهج الأداء التمثيلى الذى تؤدى منه سناء جميل كان مختلفا تماما عن منهج سميحة أيوب... فقد كانت سناء تعتمد على مشاعرها وتذهب إلى مساحات من التوحد والذوبان فى الشخصية... بينما كانت سميحة أيوب تعتمد بالأكثر على وعيها وإدراكها لأبعاد الشخصية وتطويع أدواتها كممثلة لتجسيد تلك الشخصية ...  وربما يكون مرجع ذلك الاختيار المنهجى المدروس من سيدة المسرح العربى سمبحة أيوب أنها كانت عقلانية بدرجة كبيرة حتى فى حياتها بعكس سناء جميل التى طالما كانت عاطفية.

وكنت قد سألت سميحة أيوب ذات مرة سؤالا تحفظت كثيرا فى الإجاية عنه عن أقرب الشخصيات التى أدتها للمسرح لقلبها.. فأخبرتنى أنها تحب كثيرا الشخصية التى أدتها فى (الإنسان الطيب) وهو نص لبريخت أخرجه سعد أردش بطولة سميحة أيوب فى الستينات. 

سميحة أيوب بين بريخت وسارتر

تقول سميحة فى سيرتها الذاتية المسجلة بكتاب (ذكرياتى) 

لم أكن أتصور أن مسرحية "الذباب" لجان بول سارتر التي أخرجها سعد أردش فطوّع الحركة الكلاسيكية فيها إلى حركة "مودرن" عصرية مع الاحتفاظ بالشكل والإيهام الكلاسيكي، ستجعل رئيس تحرير "الاوبزرفير" الفرنسية، والذي هو الآن يشغل منصبا سياسيًا كبيرُا في فرنسا، يطلب مقابلتي بعد العرض ليقول لي: لم أكن أتصوّر أن (ندم - ذباب) سارتر سوف تقدّم بهذه العظمة، بكل مفرداتها من إخراج وتمثيل وديكور وكورس.

وسافر كلود استيه، وذات يوم وأنا أتصفح جريدة الجمهورية إذا برسالة موجّهة لي منه يقول فيها: أرجو إبلاغ الفنانة سميحة أيوب أنني عندما رجعت إلى فرنسا لم أجد سارتر في باريس، فهو في جولة في الاتحاد السوفييتي مع سيمون دي بوفوار، وأخبرته تلفونيًا، وقال ربّما في مخططه أن يذهب إلى مصر.

وفعلا جاء إلى مصر بدعوة من جريدة الأهرام، وكنت في ذلك الوقت أؤدي دورًا في العمل الكبير "الإنسان الطيب" لبرتولد بريخت، وكان قد مرّ على عملي في "الذباب" قرابة السنة والنصف، وإذا بالإدارة تخبرني أنّ سارتر سوف يحضر مسرحية الذباب وهي ترمز للاحتلال الألماني لفرنسا في الحرب العالمية، وكان لابدّ من عمل بروفات.

وقالوا لي سوف نوقف عرض مسرحية "الإنسان الطيب" في يوم مجيء سارتر، فرفضت إيقاف عرضها، وإغلاق المسرح وقلت لهم: سوف أقدّم عرض "الذباب" لسارتر في الصباح، وأذهب في المساء لتأدية دوري في مسرحية "الإنسان الطيب" وجادلني كثيرًا في هذه الجزئية أستاذنا الكبير توفيق الحكيم الذي كان يشعر ساعتها أنه أنجبني وأنني ابنته التي يفخر بها فقلت له: اعذرني أنا لا أستطيع أن أغلق ليلة في مسرح كامل العدد.

وذهبت إلى المسرح لأقوم بتمثيل دوري في مسرحية الذباب. وبعد أن انتهى العرض إذا بسارتر وسيمون دي بو فوار يصعدان إلى المسرح وسارتر يقبلني ويقول لي: أخيرًا وجدت الكترا في القاهرة.

سميحة أيوب مديرة  للمسرح الحديث فى عصر النكسة

لم يكن إسهام سميحة أيوب فى التمثيل فحسب..ففى 1972 اختارهاوزير الثقافة يوسف السباعى 1972لتولى منصب مديرة المسرح القومى، لكنحين صدر القرار فوجئت بأن التكليف فى الواقع كان لإدارة المسرح الحديث، ولم تكن مقتنعة فى البداية بمدى ملائمة المكان لها، لكنها قدمت نموج فريد وقوى فى الإدارة حتى أن سمير العصفورى يقول (كانت سمبحة أيوب تبيت فى المسرح.. وكأن المسرح بيتها)  استطاعت سميحة أيوب وقتها بالمثابرة وعدم البخل بالوقت والصحة والاستقرار مع الزوج والأبناء أن تؤدى دورها فى فترة عصيبة، وحين جاء خبر العبور 1973 غيرت سميحة أيوب خطة المسرح حيث عقدت جمعية عمومية واعلنت عن بدء العمل بدأب حتى تسنى لها خلال 48 ساعة تقديم عرض مسرحى مبهر وهو (مدد مدد ) مع " محمد نوح" والذى تغنى به الجميع فى وقتها، ونجحت المسرحية نجاحا مذهلا. 

 وبعد ثلاث سنوات 1975 كلفت بالانتقال إلى المسرح القومى، وعملت فى ذلك الوقتعلى تفعيل ملف التبادل الثقافى بين مصر وفرنسا وقدمت (جان دارك) وتم عرضه فى باريس وكرمت من الرئيس الفرنسى.

حصاد والتكريمات 

قدمت سميحة أيوب عبر تاريخها فى المسرح والسنيما والتليفزيون عددا من الأعمال الفنية التى لم يتحصل عليها العديدات من أبناء جيلها كما وكيفا... فقد شاركت بالتمثيل فى 170 مسرحية منها الإنسان الطيب والذباب و  سكة السلامة، السبنسة، الندم، فيدرا، الوزير العاشق، السلطان الحائر، 43 فيلما سينمائيا أبرزهم: ”شاطئ الغرام” و”بين الأطلال” و”لا تطفئ الشمس” و” و”أرض النفاق” و"فجر الإسلام" بالإضافة إلى قرابة ال 50 عملا بارزا  فى الدراما التليفزيونية مثل: الضوء الشارد- اوان الورد -الفجر الكاذب- البهلوان - الحصان – مذكرات ضرة-  حفنة من الرجال -مغامرات ذكيه.

وكما يليق بالعظماء كرمت سميحة أيوب عبر تلك المسيرة  بأرفع الأوسمة من رؤساء الدول  فحصلت على سبيل المثال لا الحصر على  وسام الجمهورية من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1966م، هذا التكريم الذى قالت عنه: (شعرت أن مجهوداتى تكلل بالنجاح، وظل ذلك هذا الوسام مسئولية أحملها على عاتقى، أن لاأحيد عن الفن الراقى العظيم)

كما حصلت على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من الرئيس السوري حافظ الأسد عام 1983م، وكان هو من أطلق عليها (سيدة المسرح العربى)  كما حصلت على وسام بدرجة فارس من الرئيس الفرنسي جيسكار دستان عام 1977م، كما حصلت على جائزة الدولة التقديرية عام 2006، جائزة سمو الأمير (سلطان القاسمى ) بالشارقة، وسام العلوم والفنون عام 2014 من الرئيس عدلي منصور، حصلت على جائزة النيل 2016 كما أطلق اسمها على القاعةالرئيسية بالمسرح القومي 2017.

وستظل سميحة أيوب مكرمة عبر أعمالها التى لا تنسي وستظل رمزا على قوة الفن المصري وتأثيره فى الوطن العربى والعالم.. ايقونة عبر الأزمنة تتطلع إليها نساء المسرح وإلى تاريخها ويسيرن فى هدى شعلتها، ولهن جميعا ولكافة المسرحيين أهدت سميحة أيوب كلماتها التى كتبتها العام الماضى فى مثل هذا الوقت تقريبا حين طلب منها أن تكتب كلمة يوم المسرح العالمى والتى اختتمتها موجهة حديثها للمسرحيين قائلة: 

"أتحدث إليكم اليوم لا لمجرد الحديث أو حتى للاحتفال بأبي الفنون جميعًا "المسرح" في يومه العالمي وإنما لأدعوكم لتقفوا صفًا واحدًا كلنا جميعًا، يدًا بيد وكتفًا بكتف لننادي بأعلى صوتنا كما اعتدنا على منصات مسارحنا ولتخرج كلماتنا لتوقظ ضمير العالم بأسره أن ابحثوا في داخلكم عن الجوهر المفقود للإنسان.. الإنسان الحر السمح المحب المتعاطف الرقيق المتقبل للآخر ولتنبذوا هذه الصورة القميئة للوحشية والعنصرية والصراعات الدموية والأحادية في التفكير والتطرف والغلو.. لقد مشى الإنسان على هذه الأرض وتحت هذه السماء منذ آلاف السنين وسيظل يمشي فلتخرجوا قدميه من أوحال الحروب والصراعات الدموية ولتدعوه لتركها على باب المسرح لعل إنسانيتنا التي أصبح يعتريها الشك تعود مرة أخرى يقينًا قاطعًا يجعلنا جميعًا مؤهلين بحق أن نفخر بأننا بشر وبأننا جميعًا أشقاء في الإنسانية".

إنها رسالتنا نحن المسرحيون حملة مشعل التنوير منذ أول ظهور لأول ممثل على أول خشبة مسرح أن نكون في طليعة المواجهة لكل ما هو قبيح ودميم ولا إنساني، نواجهه بكل ما هو جميل ونقي وإنساني.. نحن ولا أحد غيرنا.. نمتلك القدرة على بث الحياة.. فلنبثها معنًا من أجل عالم واحد وإنسانية واحدة.