رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«العلامة 91».. قصة الانتصار المصرى الكبير فى «طابا».. اللواء على حفظى: استرددنا «آخر شبر» بـ1000 وثيقة ومستند

«العلامة 91»
«العلامة 91»

تحل اليوم الذكرى الخامسة والثلاثون على استرداد آخر نقطة حدود مصرية فى سيناء، وهى نقطة طابا، التى تم رفع العلم المصرى عليها فى ١٩ مارس ١٩٨٩، تأكيدًا على أن مصر لا تترك حقها ولا أرضها مهما طال الوقت أو حالت الظروف.

بدأت قضية طابا عقب توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل فى ١٩٧٩، والتى نصت على سحب إسرائيل لكامل قواتها من شبه جزيرة سيناء فى موعد غايته ٢٥ أبريل ١٩٨٢، لكن إسرائيل أثارت أزمة، منذ ديسمبر ١٩٨١، من خلال الادعاء بمواقع غير صحيحة للعلامة الحدودية رقم ٩١، فى محاولة منها لضم منطقة طابا إلى إقليمها.

وإزاء إصرار إسرائيل على موقفها، تم البحث عن حل مقبول يسمح بإنجاز الانسحاب الإسرائيلى فى الموعد المحدد، مع البحث عن وسيلة مقبولة لحل الخلافات القائمة حول العلامات المعلقة دون حسم.

وفى إطار حرص القيادة المصرية على إتمام الانسحاب الإسرائيلى من شبه جزيرة سيناء، وقعت الدولتان اتفاقًا فى ٢٥ أبريل ١٩٨٢، استهدف وضع النزاع فى إطار محدد لتسويته بإحدى وسائل تسوية المنازعات الدولية، عن طريق المفاوضة أو التوافق أو التحكيم، والتى حددتها المادة السابعة من معاهدة السلام.

وفى يوم ١١ سبتمبر ١٩٨٦، وقعت مشارطة التحكيم بين مصر وإسرائيل، وأُحيل النزاع إلى هيئة تحكيم دولية، تشكلت من خمسة محكمين، ومنذ تشكيل هيئة التحكيم فى سبتمبر عام ١٩٨٦ وحتى ٢٩ سبتمبر ١٩٨٨، قدم الفريق المصرى أسانيد ووثائق تؤكد حق مصر التاريخى فى منطقة طابا، وتمتد من عام ١٢٧٤، وأيضًا مجموعة من الأسانيد والوثائق التاريخية من المندوب السامى البريطانى إلى الخارجية المصرية، فى عام ١٩١٤، وتقارير مصلحة الحدود فى عام ١٩٣١، إلى جانب تقارير أخرى مختلفة. وأسدل الستار فى ٢٩ سبتمبر ١٩٨٨ على القضية، بإصدار هيئة التحكيم حكمها التاريخى، فى جلسة علنية عقدت فى قاعة المجلس الكبير بالمقر الرسمى لحكومة مقاطعة جنيف، فى حضور وكيلى الحكومتين، وأعضاء هيئة الدفاع لكلا الجانبين، معلنة عودة طابا إلى أحضان الوطن المصرى، ورُفع علم مصر عليها فى ١٩ مارس ١٩٨٩.

فى ربوع المحافل الدولية، قاتل المصريون، جنودًا وضباطًا، سياسيين ودبلوماسيين، بكل ما أوتوا من قوة وحنكة، متسلحين بالحجة والبرهان والإرادة الصلبة، وخلال فصول تلك الملحمة المشوقة، برزت أسماء وقصص وبطولات لا يمكن لأسطرٍ قليلة أن تحتويها، ويكشف لنا اللواء على حفظى، مساعد وزير الدفاع محافظ شمال سيناء الأسبق، بعضًا من تفاصيل ما حدث فى الكواليس، والخطط المضادة للعدو ومكائده، لنرى كيف أحبطتها العقول المصرية المبدعة بكل ذكاء وحنكة.

وأوضح «حفظى»، خلال حديثه لـ«الدستور»، أنه كان شاهدًا على ملحمة استرداد سيناء عن كثب، بادئًا فى سرد تفاصيل هذه الملحمة التى استغرقت سنوات من الكفاح، التى وصفها بأنها لا يمكن اختصارها فى بضع كلمات، مؤكدًا أنه لا يمكن أن نطلق عليها لفظ «حرب» أو «معركة» فقط، لأنها كانت «ملحمة»، تعمل فى اتجاهين رئيسيين فرضهما الشعب على القيادة السياسية، فى ذلك الوقت. 

وعن هذين الاتجاهين، قال: «عندما أراد الرئيس جمال عبدالناصر التنحى بعد هزيمة ١٩٦٧ رفض المصريون وأطلقت حرب الاستنزاف التى استمرت ١٠٠٠ يوم، وتم خلالها تنفيذ أكثر من ٤ آلاف عملية عسكرية، ورفض الشعب التنحى وطالب بتحقيق هدفين: الأول هو استرداد الأرض، والثانى استعادة الكرامة المصرية».

وأضاف: «استغرقت عملية استرداد الأرض ٢٢ عامًا، منها ٦ سنوات من الصراع العسكرى، و٩ سنوات من الصراع التفاوضى السياسى، و٧ سنوات من الصراع التفاوضى التحكيمى، حتى تم استرداد كامل الأرض بعودة طابا فى مارس ١٩٨٩، الذى يعد تاريخ استرداد شرف العسكرية المصرية والكرامة المصرية».

وأوضح أن تحقيق الهدف الثانى، وهو استرداد الكرامة المصرية والعسكرية، تحقق بالفعل فى ١٨ يومًا فقط، أى فى الفترة من ٦ أكتوبر وحتى ٢٤ أكتوبر ١٩٧٣، عندما تم وقف إطلاق النار، مضيفًا «كانت مرحلة طابا بعد سنوات طويلة من النجاحات، حيث رفرف العلم المصرى على طابا فى مارس ١٩٨٩، وهو ما جعل الجميع يشعرون بقيمة المنظومة المصرية التى تعمل ليلًا ونهارًا لتحقيق هذين الهدفين، وهى رسالة مهمة يجب أن تدركها الأجيال».

وعن سبب تفجر أزمة طابا، والتى لم تكن فى الحسبان، قال «حفظى»، مستعيدًا ذكريات تلك المرحلة: «إن الأزمة كانت غير متوقعة، لأن الجانب المعادى كان يخطط لهذا الموقف قبل إتمام الانسحاب من سيناء، لكنهم وجدوا أننا نجحنا فى كل تحركاتنا العسكرية والسياسية، لذا أرادوا إعاقة عملية استكمال الانسحاب وخلق أوضاع جديدة تساعدهم فى تحقيق أهدافهم المستقبلية».

وشرح «حفظى» أن «العدو» بدأ بناء فندق فى طابا قبل الانسحاب الكامل، وهذا كان جزءًا من مخططهم لإثارة المشكلة منذ بداية الثمانينيات وليس فقط فى نهايتها، كما يعتقد البعض، مضيفًا: «كانوا يهدفون إلى جعل طابا منطقة مشتركة بين الطرفين، ويشترطون لإعادتها دفع ٥٠ مليون دولار مقابل المنشآت التى أقاموها، بالإضافة إلى التنازل عن كيلومتر مربع واحد من الأراضى المصرية لهم، لأن طابا منطقة استراتيجية، وتعتبر إحدى البوابات الرئيسية المهمة على حدودنا الشرقية».

وبنبرة حماسية، بدأ فى سرد كيفية تعامل المصريين مع تلك الأزمة فى الفترة من ١٩٨٢ إلى ١٩٨٩، من خلال ٣ مسارات، هى: المفاوضات، والتوفيق بتدخل طرف ثالث، ثم التحكيم الدولى، الذى تم اللجوء إليه عندما فشلت المحاولات السابقة.

وتابع: «وافقت إسرائيل على التحكيم فى سبتمبر ١٩٨٦، بعد رفضنا الجمع بين التوفيق والتحكيم، وبعد أكثر من ٣ سنوات من البدء فى التفاوض، وبذلك انتصرت مصر فى معركة السلام، وبالتالى خلقنا مفهوم الربط بين الحرب والسلام».

واستطرد: إسرائيل كانت تتبع سياسة «قلب الترابيزة» وإثارة المفاجآت باستمرار لإعاقة تحقيق أى نتائج، وركزت على الحرب النفسية ضد كل الأطراف المشاركة فى القضية، واستمر ذلك حتى بعد صدور الحكم لصالح مصر فى ٢٩ سبتمبر ١٩٨٨، وواصلت المماطلة حتى تم الاتفاق على الانسحاب فى ١٥ مارس ١٩٨٩».

ولفت «حفظى» إلى أن أهم الدروس المستفادة من الأزمة هو كيفية توظيف الذكاء المصرى للحفاظ على الحقوق المصرية، وأن أرض مصر مقدسة ولا يمكن التفريط فى أى شبر منها، لأنها البلد الوحيد الذى لم تتغير حدوده تقريبًا على مر التاريخ، بل على العكس، كانت تخرج لتأمين نفسها ثم تعود إلى حدودها. 

وأردف: «الدرس الآخر هو أنه عندما تتعاون الجهات المختلفة وتتم الاستفادة من الخبرات المتنوعة فإن النجاح سيكون حليفنا، لأننا نوظف الذكاء المصرى لتحقيق الأهداف والحفاظ على أمن واستقرار بلدنا». 

وتابع: «يجب أيضًا الاستفادة من الخبرات الأخرى التى من الممكن أن تساعدنا فى تحقيق أهدافنا، فقد استعانت اللجنة القومية لطابا بخبراء قانونيين غربيين متخصصين فى القانون الدولى، بالإضافة إلى شهادات من ضباط القوات اليوغوسلافية التى كانت ضمن قوات الطوارئ الدولية فى رأس النقب بعد حرب ١٩٥٦».

وبعيون لامعة، وصف لنا «حفظى» مشاعره يوم صدور حكم المحكمة الدولية فى ٢٩ سبتمبر ١٩٨٨، قائلًا: «كان يومًا عظيمًا وانتصارًا للدبلوماسية المصرية، فقد قدمت مصر حوالى ألف وثيقة ومستند، فى ٤٥٠ صفحة، و٤٩ خريطة، بينما قدم الجانب الإسرائيلى حوالى ٢٧٠ مستندًا فقط، مكتوبة فى ١٧٠ صفحة، كما شهدت المحكمة تقديم شهود حقيقيين فى هذه القضية، وأكدوا أنهم كانوا داخل حدود مصر، وكانت هذه الشهادة دليلًا قويًا على نجاح المجهود المصرى فى توفير الأدلة وإثبات الوجود، مما يظهر حجم العمل المبذول من الجانب المصرى».

وأكد ضرورة أن نتذكر دائمًا أن أبناء مصر لا يفرطون فى أى شبر من أرضها مهما كانت الضغوط، وأنهم عظماء عندما يكونون يدًا واحدة وأقوياء داخليًا، ما يجعلهم أيضًا أقوياء فى الخارج.

وفى حديثه عن أرض سيناء، استخدم «حفظى» تعبير المفكر جمال حمدان الذى وصف سيناء بأنها «قدس الأقداس»، موضحًا أنها تمثل أعظم قدس فى الأبعاد التاريخية المصرية، ومشيرًا إلى أنها من أشهر المناطق الجغرافية التى ذُكرت فى التاريخ، وأكثر المناطق التى شهدت عمليات عسكرية، وأكثر المناطق التى ذُكرت فى الكتب السماوية، وأن لها مكانة خاصة، تتميز عن أى منطقة أخرى فى أرض مصر.