رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قراءة في "ترجمة الحكايات الشعبية التشيكية والسلوفاكية" بألسن عين شمس

جانب من الحدث
جانب من الحدث

نظمت لجنة العلاقات الثقافية والخارجية بكلية الألسن جامعة عين شمس تحت رعاية أ.د سلوى رشاد عميدة الكلية وأ.د أشرف عطية وكيل الكلية للدراسات العليا والبحوث وأ.د حسانين فهمي حسين مقرر لجنة العلاقات الثقافية والخارجية بالكلية أمس الاثنين لمناقشة ترجمات أعضاء هيئة التدريس بالكلية، وناقشت ترجمة الدكتور خالد البلتاجي الأستاذ المساعد بقسم اللغة التشيكية لكتابي "حكايات من التراث التشيكي" و"حكايات شعبية سلوفاكية"، وناقشه الدكتور عاصم العماري عضو اللجنة والكاتبة والروائية منصورة عزالدين.

وذكر المترجم والأكاديمي الدكتور البلتاجي خلال الندوة:أن من أقدم الحكايات الشعبية التي عرفتها البشرية هي حكايات من مصر القديمة تعود إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، ثم أساطير إيسوب، والقصص الإنجيلي، والأدب الاغريقي، ثم الحكايات ذات الصبغة الهندية والشرقية. 

حكايات قيل عنها إنها كُتبت للأطفال، ولذلك لابد من أن تكون نهايتها سعيدة. لكنها أقوال لا تستند إلى الواقع، فثمة حكايات كثيرة بنهايات حزينة، وغير مكرسة للأطفال. ثمة حكايات لا ينام عليها الأطفال، بل يسهر على قراءتها الكبار.

منذ ثلاثينيات القرن التاسع عشر لفت الفلكلور الشعبي اهتمام الجمهور التشيكي، وتصدر اهتمامات الناس في ذلك الوقت بما فيها الفلكلور السلافي، وليس التشيكي فحسب. ثم صدرت في أربعينات القرن التاسع عشر عدة أعمال معنية بالشعب وبثقافته. منها "كتاب الأغاني الوطنية التشيكية"، لـ كارل يارومير إيربن الذي جمع كذلك الحكايات الشعبية طوال سنوات دراسته الجامعية، وكتبها بصيغة شعرية. 

أكثر ما أعجب إيربن في البداية كان الغناء الشعبي الذي يعكس حياة الشعوب بأفضل صورة ممكنة، ثم انتقل إلى الأدب الشعبي في إطار نظرية الأخوين جريم، وتحت تأثير المذهب الرومانسي. أصدر مجموعة "كتاب الأغاني الوطنية التشيكية" التي أحدثت صدى واسع في الداخل والخارج، فقرر مواصلة الطريق في جمع الفلكلور الشعبي. لم يكن كال يارومير إيربن شاعرًا فحسب، كان كذلك روائيًّا، فظهرت أولى الحكايات الشعبية التشيكية على يديه. ربما كانت حياته الخاصة هي دعم اهتمامه بها.

وتابع : كان عنده ثلاث بنات، وأحب جمع الحكايات وحكايتها لهن. بدء في جمعها من المناطق القريبة، ثم استعان بأصدقائه لجمعها من مناطق أخرى نائية. بعد ذلك بدأ يفكر في نشرها، لكن أولويات أخرى حالت دون ذلك، في ستينات القرن التاسع عشر بدأ في نشر عدة حكايات في مجلات الأطفال، من بينها "ثلاث شعرات ذهبية للجد فشيفياد"، "أطه، أيها الكوب!"، "طائر النار والثعلب ريشكا"، "صاحبة الشعر الذهبي" وغيرها من الحكايات المماثلة التي كان من شأنها دعم الروح الوطنية أمام حكام المستبدين، والتمسك بالأمل في مستقبل أفضل. 

وأوضح:كان أبطال الحكايات التي صدرت في الخمسينيات في الغالب ملوكًا، وملكات، وأميرات، وأمراء، بينما في الستينيات انصرف عن هذا الاتجاه، وجمع حكايات أبطالها كائنات خارقة، لطالما آمن بها الناس. رغم هذا لم تبلغ حكاياته من الستينيات ما بلغته حكاياته السابقة لها.

الحكاية الشعبية التي تناقلتها الألسن جيل وراء جيل كانت قائمة على حكاية ذات حدث خيالي، ولا تتعلق بزمن أو بمكان بعينه. تظهر فيها الشخصيات الأسطورية، كالعمالقة، والساحرات، والتنانين، والعفاريت. تطل فيها دائمًا ثنائية الشر والخير الذي ينتصر في النهاية. اللافت في الحكايات التشيكية أن الشر لا يُجتث من جذوره، بل يُروّض، ويُعالج بحيث يصبح خيّرا. كل شيء في الحكاية الخرافية وارد، فهي من صنع خيال بشري لا حدود له. يضع فيها الناس أحلامهم رغم علمهم المسبق بأنه لا شيء منها سيتحقق. كتب إيربن حكايات شعبية ساحرة، سمتها الأساسية الخيال، والسحر، والافتتان. حكايات سحرية تعود جذورها إلى الأسطورة. 

من أكثر الموتيفات في الحكايات المترجمة إلى العربية تحت عنوان "حكايات شعبية من التراث التشيكي" موتيف الرحلة التي عادة ما تكون محفوفة بالمخاطر، مفعمة بالأمنيات، والإرشادات. حكايات الحيوانات تعد الأقدم في الحكاية الشعبية، والأقرب إلى الأسطورة. تتواصل فيها الحيوانات مع البشر، وتنعكس أقدار البشر عليهم. 

نجد موتيف الأسطورة في حكاية "الملك ابن عرس" ذات الصبغة السياسية. 

"كان يا ما كان في سالف العصر والأوان لكل جماعة من الدجاج في بلاد التشيك سيدًا. وكان لهذه الجماعة فناء، ومقلب نفايات، تنقب فيه الدجاجات كيفما تشاء، وكان بينهم ديك عجوز يرأسهم. إن عثرت دجاجة على شيء في المقلب صار لها وحدها، وإن عثر الديك على أي حبة استدعى كل دجاجاته، وأعطى الحبة للدجاجة التي يحبها أكثر من غيرها أو ابتلع هو الحبة. وإن غضبت دجاجة من الدجاجات مما يفعله نقرها فتتقبله راضية. كلما صاح الديك في الفناء، جاوب صياحه كل ديكة القرية. هكذا سارت الأمور لسنوات وسنوات، بحلوها ومرها، لا شيء يعكر صفوها.

من سوء الحظ أن ضفادع بطن النار بدأت تثور على النظام القديم. ظلت تنق وتنق حتى اختارت لقلقًا طويل الساقين ملكًا عليها. لما رأت الدجاجات والديكة ما حدث رفضوا جميعا الامتثال لحكم ضفادع بطن النار، وقالوا إن عليهم اختيار ملك لهم وحدهم مثلما فعلت الضفادع.

دعوا إلى اجتماع عام، وشرعوا في مداولات ومشاورات. كانوا جميعًا على قلب رجل واحد. لكن لَمّا وصلوا إلى لحظة اختيار ملك عليهم نشبت بينهم النزاعات، واشتد الخصام، ورفض كل منهم أن يحكمه آخر، وأراد كل واحد منهم أن يكون الملك. وقعت بين الديكة مشادات ومشاحنات أسفرت عن نتف ريشها، ونزيف الدم على ظهورها. 

عندها نصحهم ديك عجوز حكيم بأن يولوا عليهم حاكمًا أجنبيًّا قويًّا ليعم الهدوء، ورشّح لهم في الحال ابن عرس. فهو ذو أسنان، وسيد قوي سيخافه الجميع، وسيؤمن لهم بكل تأكيد الهدوء والاستقرار. 

أعجبتهم جميعًا النصيحة، وأرسلوا في طلب ابن عرس كي يعقدوا معه اتفاقًا لائقًا بهذا الخصوص. 

استمع السيد ابن عرس لطلبهم، رحب به وتحمس له كثيرًا. وعدهم بأن يحافظ على كل حقوقهم، وعلى حرياتهم التاريخية، وأنه سيحميهم من البومة التي تخطف أطفالهم، ومن الضفادع التي تمتص بيضاتهم. وعدهم كذلك أن يتخذ كبار الديكة مستشارين له، وأن يضمهم إلى رجال البلاط الملكي وضباط الجيش".