رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تضامنًا مع نساء فلسطين والسودان

بمناسبة الاحتفال بـ"اليوم العالمى للمرأة"، فى الثامن من مارس كل عام، ونظرا للظروف التى يمر بها العالم من صراعات وحروب، تؤثر على النساء والأطفال، ومنها منطقتنا العربية، حيث العنف الواقع على النساء، خاصة فى فلسطين والسودان، وذلك بجانب استمرار نضال النساء فى العالم من أجل عالم خالٍ من التمييز والعنف ضد المرأة، بالإضافة إلى مطالبة حكومات الدول بالتوقيع على الاتفاقية (190) الصادرة من منظمة العمل الدولية عام 2019، "مناهضة العنف فى أماكن العمل".
نظرا لكل هذه الظروف التى نمر بها، اختارت العديد من المنظمات الحقوقية والمدافعة عن حقوق المرأة شعارًا لهذا العام، حماية النساء فى السلم والحرب، "الحق فى الحياة".
تنص المادة الثانية من إعلان حقوق الإنسان: "لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة فى هذا الإعلان، دون تمييز من أى نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأى سياسيا وغير سياسى، أو الأصل الوطنى أو الاجتماعى، أو الثروة، أو المولد، أو أى وضع آخر. وفضلا عن ذلك لا يجوز التمييز على أساس الوضع السياسى أو القانونى أو الدولى للبلد أو الإقليم الذى ينتمى إليه الشخص، سواء كان مستقلًا، أوموضوعًا تحت الوصاية، أو غير متمتع بالحكم الذاتى، أو خاضعا لأى قيد آخر على سيادته". كما تنص المادة الرابعة منه على "لكل فرد الحق فى الحياة والحرية والأمان على شخصه".

فى الثامن من أكتوبر 2023 بدأ العدوان الصهيونى الوحشى على غزة، عقب العمل البطولى الذى قامت به المقاومة الفلسطينية "طوفان الأقصى"، قام الكيان الصهيونى الاستيطانى الإحلالى بالقضاء على كل وسائل الحياة فى غزة، من أجل تنفيذ خطة التهجير القسرى، والتوطين عن طريق الإبادة الجماعية وتهجير الفلسطينيين من شمال غزة إلى الجنوب مع الحصار والتجويع لإجبارهم على اللجوء إلى سيناء، واستكمالا للخطة كان العدوان المستمر على أهالى الضفة الغربية، وتهجيرهم وتوطينهم فى الأردن، وما زال الكيان الصهيونى مستمرا فى عدوانه ولم يحقق حتى الآن أى انتصارات وتحطمت خططه على صخرة المقاومة المسلحة والمقاومة الشعبية الأسطورية.
ولقد وصل عدد الشهداء أثناء كتابة هذا المقال، مع دخول العدوان الصهيونى الشهر الخامس، إلى أكثر من 29 ألفا، 70% منهم نساء وأطفال، ووصل عدد المصابين إلى أكثر من 69 ألفا، هذا غير 8 آلاف من المفقودين تحت الأنقاض، مع التركيز على استهداف الصحفيين لمنع كشف حقيقة العدو الصهيونى الدموية المتوحشة والعنصرية، وأيضا استهداف أطقم الأطباء والمسعفين وفرض الحصار على غزة، ومنع وصول المساعدات الإنسانية حتى يزيد من الإبادة الجماعية للشعب الفلسطينى.

لا يعيش الفلسطينيون كوارث إنسانية فقط بل وكوارث بيئية، نتيجة للعدوان المتوحش بالأسلحة المحرمة وإلقاء آلاف الأطنان من المتفجرات، وإزالة أسر بكاملها بهدم المنازل فوق رءوسهم، بل وقصف الأماكن التى تلجأ إليها الأسر من النساء والأطفال والمسنين (المدارس وأماكن الأونروا والمساجد والكنائس والمدارس والمستشفيات)، بجانب إحكام الحصار وعدم وصول المساعدات الإنسانية إلا الشحيح جدًا منها الذى لا يلبى أبسط مقومات الحياة.
وسط هذه الظروف الصعبة القاسية يعيش واحد مليون و400 ألف فلسطينى فى جنوب غزة فى مدينة رفح بالقرب من الحدود المصرية، مكدسون فى خيام لا تحمى من زمهرير الشتاء وغزارة الأمطار، الكثير منهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، لا غذاء ولا ماء نظيفًا ولا أدوية، ما يساعد على نشر الأوبئة ويؤدى إلى موت النساء والأطفال.
وبالطبع تعانى النساء والفتيات فى هذه الظروف اللا إنسانية من عدم توافر احتياجاتهن الخاصة، احتياجات الحمل والولادة، واحتياجات الأطفال المولودين حديثا والأطفال الرضع، من ملابس وأدوية وألبان وحفاضات، وأمصال ولقاحات، حيث يوجد خمسون ألف سيدة حامل منهن من  وضعن ومن هن على وشك الولادة خلال أيام وأسابيع.
وفى الأيام الأخيرة كشف عدد من المنظمات العاملة فى مجال حقوق الإنسان، والتى توثق لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، عن اعتداء الجنود الصهاينة على المعتقلين من النساء والأطفال والرجال والتنكيل بهم وتركهم عراة ومعصوبى الأعين بجانب انتهاك أعراض النساء.
يحظر القانون الإنسانى الدولى، المعروف بقوانين الحرب، على أطراف النزاع المسلح تعمد إيذاء المدنيين، وتحظر المادة (3) المشتركة فى اتفاقيات جنيف 1949، والقانون الدولى الإنسانى العرفى، الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسى.
ويُشكِّل الاغتصاب الذى يرتكبه المقاتلون أحد أشكال التعذيب، ويعتبر جريمة حرب، وإذا كان جزءًا من هجوم واسع النطاق، أو منهجى، من قبل حكومة أو جماعة مسلحة على مدنيين، يمكن أن يُشكِّل جرائم ضد الإنسانية.

وفى الفترة الأخيرة تزايدت التقارير والإحصاءات التى تتحدث عن الانتهاكات المرتكبة بحق النساء والفتيات فى السودان، منذ اندلاع الاقتتال بين القوات المسلحة بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتى".
قالت الدكتورة أديبة إبراهيم السيد، عضو اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، (فرعية اختصاصى أم درمان): "إن حالات الاغتصاب فى الخرطوم ودارفور (370) حالة، منذ اشتعال الحرب قبل ثمانية أشهر، حيث تم تسجيل 63 حالة اغتصاب فى الخرطوم، من بينها أطفال ذكور وإناث بالمستشفيات المختلفة. وأعلنت عن تسجيل 240 حالة اغتصاب فى إقليم دارفور".
كما أشارت الدكتورة أديبة إلى وجود حالات كثيرة لم تصل إلى المستشفيات خوفا من الوصمة الاجتماعية.
وذكرت وحدة العنف ضد المرأة بوزارة التنمية الاجتماعية أن الحالات التى تم توثيقها من جانبهم لم تتعدَ 150 حالة؛ لصعوبة التوثيق وضعف إمكانات تغطية كل مناطق النزاعات. 
ولم تكتف قوات الدعم السريع بذلك، ولكنها قامت بعمليات نهب منظمة للمساعدات الغذائية التى يقدمها برنامج الأغذية العالمى، ما يهدد بكارثة غذائية، وكان من نتائج ذلك نزوح ملايين من الشعب السودانى، سواء فى داخل السودان، أو اللجوء للخارج للبلدان المجاورة، ومنها مصر وتشاد.
ولقد وثَّقت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، بين أواخر أبريل إلى أواخر يونيو 2023، مسئولية قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها عن ارتكاب عدد هائل من حالات الاغتصاب، أثناء هجومها على "الجنينة" عاصمة غرب دارفور، ومنها اغتصاب النساء والفتيات، وبعض الحالات تعرضت للاغتصاب المتكرر من أكثر من رجل، والبعض تعرضن للضرب بالرصاص بعد الاغتصاب، والتهديد لهن (لأنهن غير عربيات) إذا لم يتركن السودان إلى بلدان أخرى.

إننا نناشد كل المنظمات التى تعمل على مناهضة العنف ضد المرأة أن ترفع صوتها عاليا من أجل وقف الحرب فورا، ومن أجل عالم خالٍ من العنف، عالم يسوده الخير والسلام والاستقرار.
كما نطالب بأن يكون شعار اليوم العالمى للمرأة فى الثامن من مارس هذا العام حماية النساء فى السلم والحرب "الحق فى الحياة".
كل الدعم والتضامن مع نساء فلسطين والسودان، ونطالب بوقف العدوان الصهيونى فورا على الشعب الفلسطينى، ووقف الحرب الدائرة فى السودان فورا، وتقديم كل المسئولين عن هذه الجرائم فى فلسطين والسودان إلى المحكمة الجنائية الدولية.