رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل تخاف إسرائيل من جثث الفلسطينيين؟!

بالأمس القريب قامت إسرائيل بتجريف مقابر الحي النمساوي في خان يونس، بجوار مستشفى ناصر (التجريف: الكسح، والذهاب بكل الموجود في الطريق)، نبشت إسرائيل القبور، وسرقت جثثًا، وتركت بقايا بشرية مكشوفة، ثم دمرت المكان ذا الحرمة الخاصة، فعلت هذا الفعل الغريب المريب فعلًا، كما تفعل دومًا كل غريب ومريب، ولعل من مروا بالخبر مثلما مررت به سألوا أنفسهم سؤالًا يناسب غرابة الحالة وريبتها: هل تخاف إسرائيل من جثث الفلسطينيين؟!
القانون الدولي يعتبر من يهاجم مقبرة عامدًا مجرم حرب، ويحدد ظروفًا ضيقة تمامًا قد تحول الموقع المقصود إلى هدف عسكري، أما الجيش الإسرائيلي فيدعي أنه يبحث عن الرهائن، وأنه يتلقى أحيانًا معلومات استخبارية تفيد برصدهم في هذا المحيط بالذات، ويكذب طبعًا؛ فيدعي أنه يعامل المقابر معاملة كريمة محترمة، ويعيد كل شيء إلى ما كان عليه بعد الانتهاء من عملية البحث.
وراء الأكمة ما وراءها في الحقيقة، وأركز على معنيين أراهما الأقرب إلى تفسير المشهد المؤسف الأليم.. الأول: عزل الفلسطينيين عن بلدهم من خلال نزع ذكرياتهم الحميمة من البلد، ومن لا موتى لهم في موطنهم فالموطن كأنه ليس موطنهم!
الثاني: تحقيق فكرة الإبادة الشاملة والتطهير العرقي الكامل؛ فالمسألة، فيما يريد الإسرائيليون قوله للفلسطينيين، بالتصرفات المجنونة كلها، أن الميت سيباد كما الحي والمدفن كالمسكن، ولن يبقى شيء واحد يدل على ارتباط هذه الأرض بالناس الذين عاشوا فيها وماتوا فيها منذ الأزل، هكذا، ولست أخفي شعوري بالرعب من أن الإسرائيليين قد يكونون يستغلون أجساد الموتى في الحصول على أعضاء بشرية للحاجة أو للتجارة، مثلما يرد في بعض التحليلات التي تتناول الفظائع التي تجري في غزة منذ بدء قيام هذه الحرب الطويلة اللعينة.
الخوف الإسرائيلي من جثث الفلسطينيين وارد على كل حال، الخوف المرضي من كل ما هو فلسطيني عمومًا وغزي خصوصًا؛ فأعداد هائلة من الإسرائيليين باتت تزور الأطباء النفسيين باحثة عن علاج لأرقها وهلعها الملازمين بعد أحداث السابع من أكتوبر، ولعل هؤلاء يتراءى لهم، ضمن أعراضهم المرضية، هياكل عظمية تخرج من المقابر بالمشانق إلى حيث أندية الإسرائيليين وحفلاتهم الليلية الصاخبة!
الأمر يشعل الخيال ويثير السخرية كما الحزن والغضب، ويوجه أنظار العالم برمته إلى أكبر الفظائع المعاصرة والفضائح المعاصرة؛ أن كيانًا، يزعم انتماءه إلى القيم الأوروبية الحديثة، ويزعم أن جيشه هو الأكثر إنسانية وأخلاقية وسط الجيوش، يفرض سطوته على الموتى شاعرًا بالانتصار!
العالم في ورطة كبرى بسبب إسرائيل؛ فأعمالها فاقت أعمال المَردة والشياطين خسة ووضاعة، والبلاد بأجمعها تعجز عن ردعها فضلًا عن معاقبتها.. ألا يا رب لا تتركنا لنزقها وخبالها سرمديًا، واجعلها عبرة بأيدي القادرين العادلين؛ فكم يستحق شرها الفناء مثلما يستحق الطيبون النجاة.