رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أوراق الانتصار الكبير.. وثائق سرية نادرة عن كواليس حرب أكتوبر لأول مرة

كواليس حرب أكتوبر
كواليس حرب أكتوبر

- سجلات مكتوبة بخط اليد وبالآلة الكاتبة.. وخرائط عملياتية وسجلات يومية

- تتضمن التخطيط الاستراتيجى للحرب وتفاصيل إدارة مراحلها كلها حتى وقف إطلاق النيران

- تشمل خطة تصفية «ثغرة الدفرسوار» وشهادة الإسرائيليين عن شجاعة الجندى المصرى

نشرت وزارة الدفاع المصرية، لأول مرة، مجموعة من الوثائق العسكرية السرية النادرة، التى تتعلق بحرب السادس من أكتوبر ١٩٧٣، ومراحلها المختلفة، بالتزامن مع مرور ٥٠ عامًا على هذا الانتصار العظيم «اليوبيل الذهبى».

وتنوعت الوثائق المنشورة على الموقع الرسمى لوزارة الدفاع، لتشمل وثائق مكتوبة بخط اليد، وأخرى بالآلة الكاتبة، إلى جانب خرائط عملياتية، وكتيبات للبحوث العسكرية، وبعض السجلات اليومية للحرب، منذ حرب يونيو ١٩٦٧، ثم «التخطيط الاستراتيجى العسكرى»، وإدارة «الحرب بمراحلها حتى وقف إطلاق النيران»، والتخطيط لتصفية ثغرة الدفرسوار «الخطة شامل وشامل المعدلة»، ثم فض الاشتباك وانسحاب القوات الإسرائيلية.

كما تكشف الوثائق النادرة عن دور الإعلام العسكرى فى حرب أكتوبر ١٩٧٣، والهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية ودورها، بالإضافة إلى مذكرات بعض القادة.

«الدفرسوار» محاولة دعائية فاشلة لتقليص حجم الانتصار المصرى وحفظ ماء وجه إسرائيل

تبدأ الوثائق من أحداث «النكسة» فى عام ١٩٦٧، باعتبارها الحرب الثالثة بين العرب وإسرائيل، التى أدت إلى تدمير نحو ٨٠٪ من العتاد الحربى، واستشهاد ٢٥ ألف شخص، واحتلال سيناء، وتهجير بعض من سكان مدن القناة المصرية، والقنيطرة، وهضبة الجولان السورية، وعشرات الآلاف من فلسطين، واحتلال القدس الشرقية، والضفة الغربية وغزة وفتح باب الاستيطان بها، وإغلاق قناة السويس.

وأكدت الوثائق أنه «على الرغم من كل ما سبق، رفض المصريون والشعوب العربية نتائج هذه الحرب، من خلال رفض تنحى الرئيس جمال عبدالناصر، والخروج العظيم للشعب المصرى لمطالبته بالاستمرار، وإصراره على استعادة الكرامة وتحرير الأرض، من خلال لاءات ثلاث وردت فى مؤتمر القمة العربية بالخرطوم: (لا صلح- لا اعتراف- لا تفاوض)، ورفع شعار (ما أُخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة)».

وتناولت الوثائق تفاصيل «الحراك السياسى»، و«الاستخدام السياسى لسلاح البترول العربى»، فى الفترة مما بعد مبادرة «روجرز» لوقف إطلاق النار، فى ٨ أغسطس ١٩٧٠، حتى صباح السادس من أكتوبر ١٩٧٣.

وعرجت إلى مذكرات «مرحلة التخطيط الاستراتيجى العسكرى»، مؤكدة أن التخطيط الاستراتيجى العسكرى المصرى لحرب أكتوبر ١٩٧٣ يرقى إلى أعلى درجات الفكر العسكرى العالمى، بما يشتمله من التوجيه السياسى العسكرى للقائد الأعلى للقوات المسلحة، وإعداد فكر الاستخدام للقوات المسلحة، وقرار القائد العام، وإعداد خطط العمليات والخطط التكميلية، وتنظيم التعاون الاستراتيجى، والإشراف والمراجعة، واختبار التخطيط، فضلًا عن كشف تفاصيل إدارة أعمال القتال شرق وغرب القناة، حتى إيقاف إطلاق النيران، وإجراء مباحثات فض الاشتباك، وانسحاب القوات الإسرائيلية إلى الشرق. 

كما تطرقت الوثائق إلى أكثر موضوعات حرب أكتوبر جدلًا وهى «ثغرة الدفرسوار»، مؤكدة أن «الحرب الدعائية والإعلامية، باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من العقيدة العسكرية الإسرائيلية، وتضخيم إنجازاتها، صورت هذه الثغرة إعلاميًا على أنها انتصار باهر، فى حين أن معركة الثغرة هى محاولة فاشلة لتقليص حجم الانتصار المصرى، وحفظ ماء وجه إسرائيل وكرامتها، التى سقطت فى الحرب الحقيقية الوحيدة التى خاضتها فى مواجهة الجيش المصرى، رغم الدعم الأمريكى، وخسائرها الجسيمة».

وأضافت أن هذه الخسائر دفعتها إسرائيل كثمن لفتح محور إلى الضفة الغربية للقناة، كما قال موشى ديان فى اتصال تليفونى مع شموئيل جونين: «لقد حاولنا وكل محاولاتنا ذهبت أدراج الرياح، وليس أمامنا إلا أن نستمر حتى النهاية المريرة».

وتطرقت الوثائق إلى ما بعد اليوم الـ١٦ من بدء حرب أكتوبر ١٩٧٣، وصدور قرار مجلس الأمن رقم «٣٣٨»، الذى يقضى بوقف جميع الأعمال العسكرية، بدءًا من ٢٢ أكتوبر ١٩٧٣، والذى قبلته مصر ونفذته، وخرقته إسرائيل كعادتها، ما أدى إلى صدور قرار آخر، يوم ٢٤ أكتوبر، والتزمت به إسرائيل اعتبارًا من يوم ٢٨.

وتابعت: «اضطرت بعدها إسرائيل للدخول فى مباحثات عسكرية للفصل بين القوات، فى شهرى أكتوبر ونوفمبر ١٩٧٣، والتى عرفت بمباحثات الكيلو ١٠١، وتم فيها الاتفاق على وقف إطلاق النار، وتولى قوات الطوارئ الدولية المراقبة، ثم بدأ تبادل الأسرى والجرحى، وهو الاتفاق الذى كان مرحلة افتتاحية فى إقامة سلام دائم وعادل».

وكشفت الوثائق عن دور الإعلام فى الحرب، مشيرة إلى أن الإعلام المصرى عامة، والعسكرى على وجه الخصوص، لعب دورًا مهمًا فى مجال الإعداد والتخطيط لحرب أكتوبر١٩٧٣، ليختلف تمامًا عن الوضع الذى كان عليه ذلك الإعلام خلال حرب يونيو ١٩٦٧.

وأوضحت أن الإعلام المصرى خرج إلى نطاق التأثيرين الإقليمى والدولى، وتوجه نشاطه لكشف النوايا الإسرائيلية، والتحكم بالأحداث العربية والعالمية، لذا اكتسب ثقة المواطن والشعب المصرى بمصداقيته، خاصة خلال حربى «الاستنزاف» و«أكتوبر»، رغم أنه لم يتمكن من تغطيتها مباشرة، بسبب حرص القيادة المصرية على تحقيق السرية، وعدم كشف نية الهجوم يوم السادس من أكتوبر.

اللواء الجمسى: كفاءة المقاتل المصرى أكبر مفاجآت العدو فى الحرب

ضمت قائمة الوثائق التى نشرتها وزارة الدفاع، وثيقة تحمل عبارة «سرى للغاية»، عبارة عن تقرير يحمل توقيع نائب رئيس أركان حرب القوات المسلحة رئيس هيئة العمليات وقتها، اللواء محمد عبدالغنى الجمسى، حول الوضع داخل إسرائيل أثناء الحرب.

يقول اللواء «الجمسى»، فى تقريره: «فيكفى أن تعلم أنها تمر بأحرج وأخطر موقف واجهته منذ إنشائها، اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا، بعد استدعاء ثلاثة أرباع الاحتياطى، ما أثر على الاقتصاد الإسرائيلى، وأدى إلى توقف ٩٩٪ من عمليات البناء، وانهیار شبه تام لنظام توزيع البضائع والمواد الاستهلاكية بسبب سحب نسبة كبيرة من سيارات النقل، بالإضافة إلى ارتفاع متوسط أسعار البترول بنسبة ٥٠٪ والكهرباء بنسبة ٣٠٪، إلى جانب حصار مفروض عليها من باب المندب، مع خلافات داخلية سياسية عنيفة، وتحقيقات وخلافات عسكرية عميقـة».

ويضيف نائب رئيس أركان حرب القوات المسلحة: «أختتم تقريرى بالقول إن الدور الرئيسى فى حسم هذه المعركة وتحقيق النصر هو المقاتل المصرى، الذى يتمتع بإيمان راسخ وروح معنوية وقتالية عالية، المؤمن بالهدف الذى يحارب من أجلـه، شهادة عدونا اليوم فى تصريحات إلعازار بقوله: (لكل حرب مفاجآتها)، فكانت أكبر مفاجأة لهم فى هذه الحرب هى كفاءة الجندى المصرى، وتصميمه واستعداده للتضحية، ووجود الدافع القوى لديه».

رئيس «هيئة العمليات»: «مشروع روجرز» طُرح لإنقاذ العدو بعد تكبيده أكبر خسائر

وثيقة أخرى لرئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، كُتب عليها أيضًا «سرى للغاية»، عن حديث أدلى به أمام لجنة الأمن القومى ورؤساء المجموعات الإقليمية، فى جلسة سرية، عن حرب السادس من أكتوبر ١٩٧٣.

وقال رئيس هيئة العمليات العسكرية إنه تم إيقاف إطلاق النار فى ٧ أغسطس ١٩٧٠، لكن هذا مرتبط ببداية حرب «الاستنزاف» مع إسرائيل، فى ٢٨ سبتمبر ١٩٦٨، وشهد إنزال أكبر خسائر ممكنة فى صفوف العدو على مدى عامين، لتتحرك الولايات المتحدة وتتقدم بمشروع «روجرز» لإيقاف إطلاق النيران بشكل محدود، بعد أسبوع من تهاوى الطائرات الإسرائيلية فوق الجبهة المصرية.

وأضاف رئيس هيئة العمليات- وفقًا للوثيقة- أنه منذ ذلك، والقيادة السياسية الإسرائيلية تعمل على تجميد القضية وتسكين الأوضاع لعدة أهداف، منها تكثيف التسليح الأمريكى لإسرائيل، وتهيئة الرأى العام العالمى لقبول استمرار جمود الموقف كحل مقبول، واستغلال الوقت لتحقيق أهداف محددة وحيوية، خاصة فيما يتعلق بتحقيق الخلافات بين الدول العربية، مع استنزاف الموارد العربية، وتثبيت الوضع السياسى والاقتصادى فى الأراضى المحتلة. 

وشدد على أن القوات المسلحة المصرية لم تضيع الوقت سدى، وعملت على تحقيق الدعم فى العديد من الجوانب، سياسيًا واقتصاديًا وأيديولوجيًا وعسكريًا، لذا تم استخدام الجانب العسكرى لتحريك القضية سياسيًا، من أجل تهيئة الظروف والمناخ المناسب لاستخدام باقى جوانب القوة المتاحة.

وأشار إلى الأسس الاستراتيجية لإسرائيل، مؤكدًا أنها مبنية على التفوق الجوى، والقدرة على توجيه الضربة الأولى، بالإضافة إلى قوات مدرعة على درجة عالية من الكفاءة القتالية. 

وشدد على أنه «نتيجة لتحقيق عنصر المفاجأة، أمكن تسهيل عملية اقتحام القناة، وتدمير خط بارليف، وتكبيد العدو أكبر خسائر فى الأفراد والمعدات، خلال الأيام الأولى للقتال، إلى جانب منع العدو من استخدام المواد المشتعلة فى القتال».

كيف تصدى أبطالنا لـ«الثغرة» بخطة هجومية؟

من بين الوثائق الأخرى المنشورة، الخريطة التوضيحية لفكرة العملية الهجومية الشاملة «باسم شامل ٢ المعدلة»، التى تختص بتصفية «ثغرة الدفرسوار»، وتبين- مع وثائق أخرى- تفاصيل تمركزات الجيشين الثانى والثالث الميدانى، وتحركات قوات الميكانيكا وغيرها، لسد «ثغرة الدفرسوار»، وغلق ممر الاختراق من الشرق، وتدمير قوة العدو غرب قناة السويس.

وارتكزت العملية الهجومية «باسم شامل ٢ المعدلة» على كل من «اللواء ١١٦ ميكانيكا»، و«اللواء ١٨ ميكانيكا»، و«اللواء ٢٥ مدرع مستقل»، واستهدفت تحرك «اللواء ١١٦ ميكانيكا»، والفتح والانتشار فى نقطة محددة، من أجل الانضمام لقوة من «اللواء ١٨ ميكانيكا»، واتجاه قوة أخرى إلى منطقة «الدفرسوار».

وأظهرت الخريطة الخاصة بالعملية الهجومية «باسم شامل ٢ المعدلة» حركة طيران العدو الإسرائيلى لإحداث الثغرة، وعمق العملية الهجومية، الذى تراوح ما بين ٢٥ و٣٥ كم، وتصنيف الأعمال القتالية الليلية والمهام من يوم إلى أكثر من يوم.

قائد «جبهة سيناء»: «طوقنا الجندى المصرى بالجحيم.. لكنه ظل يتقدم»

استعرضت وثيقة أخرى بعض ما كتبته الصحف الإسرائيلية عن شجاعة الجندى المصرى، ومن بينه ما جاء على لسان الجنرال شموئيل جونين، قائد «جبهة سيناء»، وقال فيه: «كان الجندى المصرى يتقدم فى موجات تلو موجات، وكنا نطلق عليه النار وهو يتقدم، ونحيل ما حوله إلى جحيم، ويظل يتقدم، كان لون القناة بلون الدم، ورغم ذلك ظل يتقدم».

ونقلت الوثيقة تصريح وزير الدفاع الإسرائيلى، موشی دیان، لجريدة «جيروزاليم بوست»، فى التاسع من أكتوبر ١٩٧٣، الذى قال فيه: «أريد أن أقر فى أوضح أسلوب، بأنه ليست لدينا الآن القوة اللازمة لرد المصريين على أعقابهم عبر القناة، فليس فى مقدورنا القيام بعملية قتال. السوريون والمصريون أرهقوا قواتنا، ما لا أستطيع عمله الآن هو رد المصريين على أعقابهم وهزيمتهم».

وأضاف: «ليست لدينا القوة الآن لدفع المصريين الى الجانب الآخر، ولهذا الكلام مضمونان، الأول إن قول (إسرائيل أقوى من العرب) لم تثبت صحته هذه المرة، ويجب أن أقول ذلك، لن نجنى شيئًا من وراء تغطية الحقيقة، والثانى إذا لم نستطع رد المصريين فسيستمرون فى تجميع قواتهم، وسينتهى الموقف إلى عجزنا عن ردهم، وضرورة إعادة انتشارنا».

وواصل: «لقد اعتقدنا أنه فى استطاعتنا أن نمنع المصريين من بناء الكبارى، لم نكن نتوقع أن يفعلوا ذلك».

جنرال إسرائيلى: عبروا من غرب القناة إلى شرقها فى غمضة عين

وثيقة أخرى توضح «ماذا قال الإعلام الإسرائيلى بعد نصر أكتوبر؟»، أشارت إلى تصريح أدلى به الجنرال دافيد إلعازار، رئيس الأركان الإسرائيلى وقتها، بعد حرب أكتوبر، واعترف خلاله بكفاءة الجندى المصرى، قائلًا: «أكبر مفاجآت الحرب المصرية كانت روح الجندى المصرى وكفاءته العالية».

وقال الجنرال غورى تاركيس، وهو من أبرز قادة إسرائيل، فى حديث مع أحد الملحقين العسكريين الغربيين: «الذى لا أستطيع عمله الآن هو رد المصريين على أعقابهم وهزيمتهم»، مضيفًا: «لا بد أن نشهد لجهاز التخطيط المصرى بالبراعة، لقد كانت خطتهم دقيقة، وكان تنفيذها أکثر دقة».

وواصل «تاركيس»: «لقد حاولنا بكل جهد عرقلة عملية العبور وصدها بالقوة وردها على أعقابها، ولكننا ما كدنا نتمثل ما حدث، إلا وقد تحققت لهم النتائج المرغوبة، كأننا أغمضنا عيوننا وفتحناها، فإذا هم قد انتقلوا تحت النار من غرب القناة إلى شرقها». وأكمل: «فاجأونا فى صباح السابع من أكتوبر ١٩٧٣ بـ٥ فرق كاملة أمامنا على الضفة الشرقية من القناة».

كما صرح وزير الدفاع الإسرائیلى، موشی دیان، فى ٢٥ ديسمبر ١٩٧٣، بأن «الحرب كانت بمثابة زلزال تعرضت له إسرائيل، وإن ما حدث فى هذه الحرب قد أزال الغبار عن العيون، وأظهر لنا ما لم نكن نراه قبلها، وأدى إلى تغيير عقلية القادة الإسرائيليين، وأن أشد أيام إسرائيل العصيبة لم تمر بنا بعد، وعلينا أن نظل صامدين فى فترة المحنة التى ما زالت أمامنا».