رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«فلتصمت».. كتاب أسرار العنف الخفى ضد المرأة فى تل أبيب

العنف الخفى ضد المرأة
العنف الخفى ضد المرأة فى تل أبيب

يزيح كتاب «فلتصمت.. نساء فى فخ العنف الخفى» الستار عن دراما العنف ضد النساء فى إسرائيل، حيث يحتوى على قصص حقيقية، ويسلط الضوء ليس على ظاهرة صامتة فحسب، بل يوفر الكتاب نوعًا من خارطة الطريق التى تهدف إلى المساعدة فى تحديد الظاهرة وكيفية التعامل معها.

اهتمت الكاتبة الإسرائيلية استر بلومبرج، والتى تعمل أيضًا كمستشارة فى مجال العنف ضد المرأة، بالتركيز على كل أنواع العنف الذى تتعرض له المرأة وليس العنف الجسدى فقط، حيث إن العديد من النساء يعانين من العنف بأنواعه المختلفة، لتشير إلى أن العنف المنزلى الموجه ضد المرأة منذ فترة طويلة أصبح آفة فى إسرائيل.

وحسب الكتاب، الذى يقع فى ٢٦٣ صفحة: «تقول ميراف: أتحرك على عجلات الخوف.. عندما أسمع خطواته على الدرج، تتقلب أحشائى.. لم يتطاول عليها بيده قط، لكنها شعرت دائمًا بالتهديد منه، فهى لا تحتاج الرجل المسىء بالتهديد صراحة أو رفع صوته لغرس الخوف بطرقه الخاصة.. وتقول أخريات: ينظر إلى بنظرة تهديد.. كأن فى عينيه جريمة قتل.. لكن متى تقدمين شكوى إلى الشرطة بشأن نظرة فى العيون؟».

لسنوات عديدة، ذهبت مئات النساء من جميع أنحاء العالم القطاعات والمهن والطوائف- جاءت إلى مؤلفة الكتاب للحصول على المشورة، فهؤلاء النساء، ومعظمهن من الطبقتين المتوسطة والعليا، يعانين سرًا من إساءة معاملة شركائهن، وأنهن فى نظر أنفسهن لسن نساء معذبات، بل يتعرضن للألم والرعب والعار، والقاسم المشترك بينهن جميعًا هو «الأزواج»، الذين يبدون عاديين، بينما يكتشفن عكس ذلك مؤخرًا.

تتحدث استر، فى كتابها، عن دراما العنف الخفى وتطلق صوت النساء اللاتى يعانين من ذلك العنف خلف جدار من الصمت والعجز، وتروى قصص النساء لا تسلط الضوء على تلك الظاهرة، بل توفر نوعًا من الحلول المنطقية والممكنة للمساعدة فى تحديد الظاهرة والتعامل معها.

ويتناول الكتاب ذلك العنف الخفى ضد المرأة فى إسرائيل من شريحة اجتماعية واقتصادية مرموقة، حيث يستند إلى ٣٠ عامًا من العمل والأبحاث الميدانية التى أجرتها «بلومبرج» لا سيما من واقع عملها كمستشارة فى ذلك المجال.

وتقول مؤلفة الكتاب فى مقدمتها: «قالت فاراد التى كانت تجلس أمامى فى الاستشارة: أشعر بقهر شديد، وكأن حجرًا يوجد على صدرى، ليس لدى هواء، أنا أختنق». 

فى حياة فاراد، وهو اسم مستعار، مثل أسماء جميع النساء فى الكتاب، والتى تعمل مديرة جمعية كبيرة، كان هناك انقسام داخلى: فى الخارج كانت تعتبر امرأة موهوبة وناجحة، بينما فى المنزل، تم تحويلها إلى مجرد امرأة، كائن مهين ومنقوص، يكافح من أجل البقاء.

جاءت إلى فاراد بعد أن غرقت فى اكتئاب عميق، كانت تحاول معرفة الخطأ الذى حدث فى حياتها، فالفجوة بين المنزل والخارج عطلتها، وما زاد الأمر تعقيدًا هو صعوبة تعريف سلوك زوجها بأنه سلوك عنيف: فهو لم يرفع يده عليها قط، ولم يرفع صوته عليها قط، ولم يهددها صراحة قط.

إن حالة فاراد ليست حالة معزولة، إنها مجرد واحدة من مئات النساء، وربما أكثر، اللاتى عملت معهن، نساء يعانين من العنف المستمر على أيدى شركائهن، العنف الذى لا يترك بصمات ولا يتحدث لغة العنف المألوفة. فقط بعد أن نمر بعملية مثيرة للدهشة ومؤلمة فى بعض الأحيان، تتعلم هؤلاء النساء التعرف على الحقيقة المرة: إنهن ضحايا الإرهاب المنزلى القاسى الذى يستمر لأيام وسنوات ويعرض صحتهن العقلية والجسدية للخطر.

يميل الخطاب الاجتماعى حول العنف ضد المرأة إلى التركيز بشكل رئيسى على النساء المحرومات، النساء اللاتى يعشن فى الفناء الخلفى للمجتمع الإسرائيلى «أى فى أوساط ليست مرموقة بما يكفى». لكن النساء مثل فاراد وأخريات، اللاتى سأقدم قصههن فى الكتاب، بعيدات كل البعد عن وصفهن بالضعيفات. وهن لا ينتمين إلى الفئات المحرومة، وغالبًا ما ينتمين إلى مجتمعات راسخة ويعشن فى أحياء لائقة فى المدن المركزية وفى الضواحى ذات السمعة الطيبة، ومن المحتمل أن يكون لدى بعضهن وظيفة ومهنة ناجحة.

لكن هذا مجرد مظهر.. فداخل منازلهن، تتعرض هؤلاء النساء للقمع من قبل أزواجهن أو شركائهن المسيئين.

ومن المفارقة أن انتماء هؤلاء النساء إلى مكانة اجتماعية واقتصادية عالية، وأن السلطات والهيئات التى من المفترض أن تتعامل مع العنف ضد المرأة لا تراهن، فهؤلاء نساء يتمتعن بالشفافية، ويتم دفع محنتهن إلى الهامش.

وتشير بلومبرج عبر بحثها، إلى أن هذا العنف لا يميز بين النخبة الأرثوذكسية المتطرفة والنخبة العلمانية أو الدينية، ولا يرتبط العنف الخفى بالثقافة أو القطاع، كما يميل المجتمع إلى تسميته، ولكن فقط بملف الرجل المسىء ذاته، فهذا عنف بارد ومتلاعب ومخطط، وليس بالضرورة عنفًا جسديًا.

وحول كتابها، تقول بلومبرج: «من بين أمور أخرى، العنف الجسدى هو نتاج للثقافة أو التعليم فهو مكتسب، أما العنف البارد هو عنف منظم، فمن شملهن البحث هن زوجات ومحامون، وطبيبات، وأشخاص يعملون فى مجال التكنولوجيا الفائقة، وحاخامات، ورجال أعمال، وما إلى ذلك، وهم يعيشون فى بيئات معيشية مرموقة، ففى المجتمع أو أمام العلن هناك تمثيل زائف لعائلة جيدة أو مثالية، لكن عندما يُغلق باب المنزل تتغير الصورة».

ويوفر الكتاب مساحة لسرد أدوات للتمييز بين أنواع العنف، كما أنه تضمن فصلًا مخصصًا للفتيات والشابات أو النساء نحو الفصل الثانى ليتعرفوا جنبًا إلى جنب على كيفية اكتشاف السمات التى تشير إلى رجل ذى شخصية عنيفة، وكيفية التعرف على ذلك لاسيما فى مجتمعات النخبة فى المدرسة الدينية وطالب الكمبيوتر المتميز والضابط الكبير فى الجيش، وغيرهم.