رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عيد الفكر السنوى

وسط سعادة بالغة من كل عارفى قيمة الكتاب وعشاق الورق المزين بحبر الطباعة، قام د. مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء بالافتتاح الرسمى للدورة الخامسة والخمسين لمعرض القاهرة الدولى للكتاب. يرفع معرض الكتاب هذا العام شعارًا براقًا يلخص عقيدة القائمين عليه فى عبارة موجزة، تقول: «نصنع المعرفة.. نصون الكلمة». وتبدأ فعاليات العيد السنوى الذى تتزين خلاله مصر برداء الثقافة الفخم. إنه الرداء الذى يميّز طلّتها الجميلة بعد أن ورثه أبناء الجيل الحالى عن الآباء والأجداد. رداء يترجم ثراء وازدهار الوجدان المصرى وعبقرية الشعب وإرثه الحضارى.
تسابُق على المطابع وتنافُس من دور النشر بغية اللحاق بالحدث الثقافى الأبرز عربيًا. مئات العناوين الجديدة التى يحتفى بها القراء قبل مبدعيها أنفسهم. أمارة تحضُر ورغبة فى التطور وأمل فى الرقي، تبعثها رائحة الكتب. أفواج من المتابعين تحتشد مرارا ولسنوات بلغت 55 عامًا أمام أرض المعارض بالجزيرة، ثم بمدينة نصر، وحديثا بالتجمع. لكن السعادة الحقيقية تأتينا حين نرى الشباب والناشئة يحرصون على حضور الاحتفالية والمشاركة بمتابعة الفاعليات ومن بعدها يخرج منهم القارئ المتعطش للقراءة، ومن يدرى ربما يكون بين هؤلاء الشباب المبدع الصغير الذى يملأ جنبات عالمنا العربى إبداعًا ومعرفة.
ندوات وفعاليات ثقافية تصل إلى درجة المناظرة الحرة الجريئة يتبادل فيها أهل الفكر الرؤى، وتعلو خلالها لغة الحوار المتحضر والثقافة الراقية. حضور حاشد من كبار المثقفين العرب بين مدعو كمتحدث، أو مُحتفى به كمُكرم، أو حتى زائر يحرص على قضاء إجازته التى ينسق موعدها لتتوافق مع موعد الفاعلية الثقافية الأبرز فيلتقى بمن يعشق القراءة لهم، ويقتنى مخزونًا جديدًا من الكتب التى يقضى معها عاما كاملا من المتعة حتى موعد المعرض فى عامه التالي. وبهذا يتحقق الهدف: «مصـر تقـرأ والعـالم يقـرأ فى مصـر»، ليكون الشعار أمرا واقعا بالفعل وليس مجرد حلم نتمناه.
التزام بتنفيذ البرنامج الثقافى المصاحب بكل دقة وحرفية، وتخطيط للفاعليات المصاحبة يسبق الحدث بأشهر كاملة بإشراف وزيرة الثقافة د. نيفين الكيلانى وبرئاسة د. أحمد بهى الدين رئيس هيئة الكتاب. وحرص من الهيئة العليا على أن تتعدد وجهات النظر بحيث لا يتلون المعرض بلون أيديولوجى أو فكرى واحد، فالثقافة الحقيقية تقوم على تعدد الرؤى، وتقبل التباين فى الأفكار، وتعالج الشطط الذى لا يصل إلى هدم الثوابت الدينية أو الوطنية، فكل ما عدا ذلك يؤخذ منه ويرد.
احتفاء برموز الثقافة العربية من المبدعين للكبار وللصغار، فيصدر المعرض عنهم مطبوعات تكرّم مسيرتهم، وتعاد طباعة إصداراتهم، وتعقد الندوات تكريما لحضورهم أو تأبينا لذكراهم. فيتم اختيار عالم المصريات د. سليم حسن صاحب موسوعة مصر القديمة كشخصية المعرض، ويٌحتفى بالراحل الكبير يعقوب الشارونى كشخصية لمعرض كتاب الطفل.
تقدير كبير لإحدى الدول التى يزدهر فيها الإبداع وتعلو فيها قيمة الكلمة. لا تفرقة فى آلية اختيار الدول المكرمة كضيف شرف للمعرض، إلا بقدر احترامها لاتفاقيات ومبادئ حقوق الإنسان العالمية، ونبذها للإرهاب ودعمها لحرية الشعوب وحقوق المقهورين فى هذا العالم. ومن هنا كان اختيار النرويج كضيف شرف المعرض فى دورته هذه، ليتحقق الشعار: «مصر تقرأ، والعالم يقرأ فى مصر».
ورغم ارتفاع شديد فى أسعار الكتب نتيجة الأوضاع الاقتصادية العالمية التى تسببت فى زيادة سعر الورق فإن حرص المبدعين - وبصفة خاصة الشباب منهم- على وصول إبداعاتهم إلى الناس يجعلهم حريصين على تدبير نفقات طباعة الكتاب، ثم التفنن فى طريقة الترويج له وتسويقه بما يعود عليهم بجزء من رأس مالهم الذى أنفقوه من قوت أولادهم استجابة لداعى الإبداع. ومع كل عام يشكو رواد المعرض من ارتفاع أسعار الكتب، وفى نهايته يشكو الناشرون من تراجع المبيعات، وتلك هى منطقية الأمور فى ظل تراجع الأحوال الاقتصادية لقطاعات كبيرة من المواطنين أبرزهم الطبقة الوسطى التى هى العميل الأهم عند باعة الكتب وأصحاب دور النشر.
هنا تزداد من جديد أهمية الدعوة لعودة الدولة عموما ووزارة الثقافة خصوصا لدعم الكتاب أو إصدار طبعات شعبية من الكتب تزيد من قاعدة القراء الحقيقيين وتعلى من قيمة الفكر كما كان يحدث من قبل فى مهرجان القراءة للجميع . وتتكرر دعوتنا مع غيرنا من الغيورين على مستقبل هذا الوطن بأن تعود حصص القراءة والمطالعة ضمن اليوم الدراسى لينشأ فتياننا وبناتنا على عبارة: «وخير جليس فى الزمان كتاب». عبارة سمعناها قديمًا وأصبحت فارقة فى حياتنا حين صرنا كبارًا، ولكنها أصبحت عصية على فهم أولادنا وبناتنا بعد أن صار هناك من ينافس الكتاب بشدة. أجل ابتعد كثير من الشباب عن الكتاب بسبب كثرة المغريات كالإنترنت والموبايل وغيرهما، فليس أقل من أن نُرغّب الجيل الذى يليه فى القراءة ونعودهم عليها ليعود للكتاب قيمته وتعود الثقافة إلى مكانتها.