رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"تناول الكثير من القضايا الثقافية".. قراءة فى كتاب "كشوف الخالدين" لياسر ثابت

كتاب كشوف الخالدين
كتاب كشوف الخالدين

في أحدث كتبه "كشوف الخالدين" الصادر عن دار الكتب، للعام 2024، يقدِّم الباحث والناقد الدكتور  ياسر ثابت، نموذجًا للبحث بإصرار عمن هم في مجرى يعاكس التيار، في الرواية والشعر والسينما والموسيقى. 

 

وبعيدًا عن هؤلاء المفتونين بالأضواء والنجوم، فإن المؤلف في كتابه الذي يقع في 218 صفحة من القطع المتوسط، يرى أن الثقافات التي لا يوجد في هوامشها فن مضاد، فن ينتمي إلى ما يسمى بفن "الأندر جراوند"، لا حياة جديدة فيها ولا فنّ يتطلع نحو المستقبل. 

 

يقول الكاتب في مقدمة «كشوف الخالدين» إن «من هم فوق الأرض، من المكرسين ستجدهم في كل مكان في المسارح وصالات السينما، وإصدارات الكتب، وبرامج التليفزيونات الحكومية، والكتب المدرسية، وأغلفة المجلات الرسمية، في كل مكان حيث يستمر السطح بلا عمق، والتكريس دون قراءة، وإن حدثت القراءة فلا مقارنة بين نص ونص أو بين صنيع مبدع وصنيع آخر، فهي ثقافة الجزر التي لا تلتقي».

 

يهتم الكتاب باللغة التي تُشكِّل ملامح العمل الإبداعي، وتُضفي عليه الثراء اللازم لمزيد من الوعي والتذوق والاستمتاع، ولا يُغفِل الكتاب الأعمال الفكرية والإبداعية التي ترسم ملامح ثقافة جديدة باحثة عن التغيير وفضيلة التفكير وسيادة التنوير، وتُحرِّكُ الأسئلة المقلقة، وتحتفي في الوقت نفسه بالعقل والجمال.

 

نطالع في الكتاب تفاصيل مثيرة عن تشريح توفيق الحكيم وشاعر الشعب في المنفى الذي يحكي فصولًا مجهولة عن حياة بيرم التونسي وفترة رحيله الاضطراري عن مصر، ونحكي عن علاقة الكاتب الفرنسي أندريه جيد بالمحاكم، والأدب الاجتماعي وجيل أندرسون وسنكلير، ونقرأ عن مارتن فالزر بطل الجدل، وأودن شاعر التهويدة وأحزان الجنازة، وليو فيري ترتيل على الورق.

 

ويتناول الكتاب قضايا ثقافية وأدبية تستحق النقاش، مثل الترجمة ونشر الغرابة، وقصيدة النثر.. شعرية الحياة، وأدب الحرب والعبور، وأدب الذكاء الاصطناعي.

 

في عالم الرواية، يفتح المؤلف أبواب النقد لروايتي ستونر للكاتب الأميركي جون وليامز ود.مرسيدس للروائي المصري ياسر نبيل، وقصص الحُب على ضفاف بحيرة السلاحف، كما نقرأ عن صراع الهوية في الكتاب النقدي النول والمغزل: سوسيولوجيا المتخيَّل السردي.

 

وفي فصل بعنوان تأريخ ما أهمله التاريخ، يتابع ياسر ثابت حكاية العمال، سباق المسافات الطويلة، ونسرد سيرة شعبية لحرب أكتوبر 1973، ولا يفوتنا الحديث عن بلاد من نسج الخيال.

 

وفي فصل أخير، يخوض المؤلف معارك الوعي، عبر عناوين: ضد التاريخ تفنيد الأوهام، ومآلات الرأي وتطور الأفكار وناموا بسلام، بالإضافة إلى كُتَّاب هوليوود النهاية السعيدة.

 

في فصل عن بيرم التونسي في المنفى، نطالع في الكتاب المقاطع التالية: «الشاهد أن بيرم قضى تسع سنوات في فرنسا بعد نفيه من مصر للمرة الثانية، لكنه لم ينقطع فيها رغم الألم النفسي والجسدي الذي عاناه من الانقطاع عن تأليف الأزجال التي كان يرسلها إلى الصحف وناشري الكتب بصفة مستمرة، ولم يمنعه من مواصلة الكتابة سوى خروج الصحف الفرنسية ذات يوم وبها إنذار يطالب الأجانب بالاستعداد لمغادرة البلاد والعودة إلى أوطانهم فورًا.

«في عام 1932 تم ترحيل بيرم من فرنسا إلى تونس، ومن تونس إلى سوريا. وفي عام 1938 تنقل بيرم ما بين لبنان وسوريا واتصل به الزجال المعروف رمزي نظيم من بيروت، وطلب منه مراسلة جريدة «لصاعقة، فكتب لهم أول زجل بعنوان غاندي قال فيه: السلام لك والسلامة.من هنا ليوم القيامة يا اللي أظهرت الكرامة بعد عهد المرسلين، ويبدو أن نشاط بيرم التونسي في سوريا في ذلك الوقت لم يعجب السلطات الفرنسية فقررت إرساله إلى أي بلد في شمال إفريقيا لكي تستريح من كتاباته الساخرة.

 

«وفي طريق المنفى وقفت الباخرة أمام ميناء بورسعيد، ونجح بمساعدة أحد البحارة في التسلل إلى داخل مصر في 8 إبريل 1938، وهي الفترة التي صاحبت انتخابات البرلمان الجديد، وكان الملك فاروق تربع على عرش مصر.

 

«ما إن وصل بيرم التونسي إلى القاهرة حتى بدأ حياة من الهروب والخوف من النفي مجددًا، طلب بيرم من زوج ابنته سعيد راتب أن يذهب إلى جريدة الأهرام، ويقابل صديقًا من المعجبين به ويعطيه خطابًا مهمًا، وكان هذا الصديق هو الصحفي كامل الشناوي الذي كتب له بمجرد هروبه من السفينة، وفي الخطاب قال بيرم:

 

«غلبت أقطع تذاكر وشبعت يا رب غربة»، «ويطلب بيرم في هذا الخطاب من كامل الشناوي أن ينشره له. اتصل كامل الشناوي بأنطون الجميل رئيس تحرير «الأهرام»، وروى له قصة هذا الخطا، ليفاجأ برئيس التحرير نفسه وهو يقول له: إن محمد محمود رئيس الوزراء ومحمود فهمي النقراشي وزير الداخلية، وأحمد حسنين الأمين الأول في القصر، من أشد المعجبين ببيرم، وقد سمعت منهم بعض أزجاله وسأتصل بهم وأستأذنهم في نشر هذا الزجل. 

 

وبعد ساعتين استدعى أنطون الجميل كامل الشناوي وقال له: مبروك، انشر الزجل في الصفحة الأولى. وكانت هذه أول مرة تنشر فيها الأهرام زجلًا في الصفحة الأولى، قدَّم هذا الزجل كامل الشناوي بقوله: إنهم تلقوا هذا الزجل من مجهول وهو بخط بيرم التونسي، وطلب في هذا التقديم العفو عن صاحب الزجل خاصة وأن زجله مليء بالاستعطاف، «وقيل إن مدير دار الأوبرا الملكية، الفنان سليمان بك نجيب، توسط أيضًا لبيرم لدى القصر للعفو عنه.

 

يحاول هذا الكتاب أن يمنح القارئ مساحة أكبر للفهم والتخيل، والبحث والتحليل، لعله يجد في نهاية العتمة ضوءًا أو منارة.

 

يعد الدكتور ياسر ثابت من الباحثين والمؤلفين الذين يجمعون بين الدقة العلمية والرصانة وجودة الأسلوب، فضلًا عن الموسوعية وغزارة الإنتاج، حيث صدر له أكثر من 80 كتابًا في الأدب والتاريخ. ومن أبرز مؤلفاته: قصة الثروة في مصر، ذاكرة القرن العشرين، شهقة اليائسين: الانتحار في العالم العربي»، تاريخ اليهود في مصر والعالم العربي، مقامات الروح: دليل إلى الأغنية العربية».

اقرأ ايضًا:

«فاتن».. السيرة غير المنشورة لـ«سيدة الشاشة العربية»