رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إسرائيل.. تاريخ من الأكاذيب

تتجاهل إسرائيل أن معبر رفح له وجهتان؛ واحدة في مصر والأخرى في فلسطين، وبالتالي فإسرائيل هي التي أغلقت المعبر من ناحيتها، بالإضافة إلى أنها تمتلك ستة معابر أخرى مع قطاع غزة، كان يمكن أن تفتح إحداها، لكنها لم تفعل ذلك، كما قامت إسرائيل بمحاولات لإفشال فتح المعبر أكثر من مرة، لدرجة أن الأمين العام للأمم المتحدة وصل إليه، ولم يستطع المرور نتيجة الإجراءات الإسرائيلية.

إن اتهام محامي إسرائيل مصر بعرقلة إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غـزة أكذوبة، كغيرها مما ساقه أمام محكمة العدل الدولية، لإبراء ذمة نظام تل أبيب من نية الإبادة الجماعية، التي ظهرت في تصريحات متواصلة من قادة إسرائيل، منذ السابع من أكتوبر، حتى قبل هذا التاريخ منذ أكثر من ٧٥ عامًا.. فالقتـل والتدمير وسرقة الأراضي والممتلكات وحتى سرقة الأعضاء البشرية، هو النهج المعتاد لقادة الاحتلال لمواجهة الأغلبية الفلسطينية، التي لم تفلح موجات الهجرة اليهودية في عكس الوضع الديموجرافي لصالح الدولة العنصرية، بعد هذه السنوات، وليتحول إلى الإبادة الجماعية بشكل أوسع، في محاولة منها لتغيير الوضع الجغرافي المحيط بكيانه، عبر التوسع ومد الحدود، بغرض تحقيق الأمن الزائف لمستوطنيها.

لقد استهدف الاحتلال الصهيوني معبر رفح الحدودي أربع مرات منذ السابع من أكتوبر، ليخرج على العالم في مرافعته أمام محكمة العدل الدولية، ليتهم مصر كذبًا بعرقلة دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.. فمن إذًا المتسبب في أزمة الغذاء والوقود التي أوصلت القطاع إلى هاوية الجوع وتفشي الأوبئة!.. ليس من المستغرب أن يلجأ العدو الصهيوني إلى الأكاذيب، كعادته منذ نشأة كيانه لتضليل الرأي العام العالمي، والإفلات من العدالة التي نأمل أن تتحقق بعد سنوات من تعتيم إعلامي وسياسي غربي، متعمد على جرائمه الوحشية في حق الشعب الفلسطيني.

حتى الأمم المتحدة، فندت الأكاذيب التي أطلقتها دولة الاحتلال الإسرائيلي في جلسة المحكمة، بأن مصر هي المسئولة عن عرقلة المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.. إذ قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، فيليب لازاريني، إن مصر لم تغلق أبدًا معبر رفح.. وأكد أن العدوان الإسرائيلي على  قطاع غزة جريمة إنسانية.. بينما قال السفير عمر عوض الله، مساعد وزير الخارجية الفلسطينية، إن "محامي إسرائيل أمام محكمة العدل قدم أكاذيب وادعاءات سياسية، نحن نكذبها كاملة.. لا يمكن أن نصدق أن إسرائيل تدافع عن النفس بارتكابها جريمة الإبادة الجماعية.. ولا يمكن أن نصدق ما قاله المحامي الإسرائيلي، بأن مفتاح معبر رفح في يد الأشقاء في مصر، وكأن مصر هي التي تمنع دخول المساعدات.. فمصر تعاني ما يعانيه الشعب الفلسطيني، وتتألم بما يتألم به الشعب الفلسطيني".
ملفات "إسرائيل تكذب ثم تعترف"، يرجع تاريخها إلى ملف التطهير العرقي داخل فلسطين، عقب حرب 1948 "مذبحة بلدة الشيخ 1947.. مذبحة دير ياسين 1948.. مذبحة قرية أبو شوشة 1948.. مذبحة الطنطورة 1948.. مذبحة قبية 1953.. مذبحة قلقيلية 1956.. مذبحة كفر قاسم 1956.. مذبحة خان يونس 1956.. وغيرها" وجاءت الاعترافات- فيما بعد التعتيم والتكذيب- على لسان ضباط من جيش الاحتلال، سجلوا في مذكراتهم مشاهد من المذابح.. ووفقا لمعلومات التحالف بين  صحيفة "هاآرتس" العبرية ومعهد "تعقُّب" الإسرائيلي، المعنى بدراسات النزاع الفلسطينى- الإسرائيلي، ومساهمات أرشيف "ياد يعري" في تل أبيب، فقد أفرجت الرقابة الإسرائيلية عن نزر ضئيل من وثائق سريَّة، وبروتوكولات حكومة دافيد بن جوريون، ذات الصلة بجرائم الحرب التى ارتكبتها العصابات الصهيونية في حق الفلسطينيين والعرب عام 1948.
وهناك ملف كامل عن جرائم قتل المصريين عام 1949 بقرية أم الرشراش المصرية "ميناء إيلات"، حيث تم قتل كل أهالي القرية وقوات الشرطه المصرية.. إلى جانب جرائم حرب 67، حين كان التكذيب والتعتيم الإسرائيلي متعمدين، حتى عرض فيلم "روح شاكيد" عن جريمة قتل الأسرى المصريين ودفنهم أحياء ودهسهم بالدبابات، وتوثيق لعدد من إفادات شهود العيان، كما سجل اعتراف العميد السابق أرييه بيرو، بقتل 49 مدنيًا، كانوا يعملون في أحد المحاجر قريبًا من ممر متلا والتمثيل بجثثهم، وقد تم تقييد أيديهم وإطلاق الرصاص عليهم، وتركهم جثثًا هامدة مكدسة في العراء، كما جمع اعترافات بجرائم أخرى ذكرها جنود إسرائيليون سابقون بفخر، وقالوا إنهم نفذوها بأوامر من رؤسائهم.. وواصلت سلطات الاحتلال تكذيب استخدامها طائرات مسيرة مسلحة، في عمليات قتل في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة.. ثم أقر الجيش الإسرائيلي على لسان مسئول، بأنه يستخدم طائرات مسيرة مسلحة.
وعقب الإعلان عن اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة، يرصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي في مخيم جنين، خرج الاحتلال على الفور ليكذب الرواية التي أدانته واتهمته بقتل الصحفية، بل واتهم المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، شباب فلسطيني من مخيم جنين، بأنّهم من أطلق الرصاص على الصحفية أثناء تبادل النار مع جنود الاحتلال.. وكانت الأدلة على كذب رواية الاحتلال متعددة.. البداية كانت مع مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلّة "بتسليم"، والذي نشر مقطع فيديو يوضّح المسافة الواقعية بين الأزقّة التي يوجد فيها مُسلّحون فلسطينيون وموقع سقوط الصحفيّة شيرين أبو عاقلة، نافيًا ادّعاءات الاحتلال التي أشارت إلى تطابق الموقعين.. وكتبت صحيفة "هآرتس" العبرية، إن "إسرائيل لم تقدم أي دليل على أن جنودها لم يطلقوا النار على شيرين أبو عاقلة، كما أنّ أبو عاقلة أصبحت بوفاتها رمزًا لوحشية الاحتلال الإسرائيلي وانتهاك حرية الصحافة". وذكرت شبكة CNN أنها جمعت أدلة تؤكد، أن الجيش الإسرائيلي استهدف مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة في جنين بشكل متعمد.. وقال تقرير للشبكة الأمريكية إن تحقيق فريقها والأدلة التي جمعها، تشير إلى أن شيرين استُهدفت من قِبل القوات الإسرائيلية، وإن الأدلة تؤكد عدم وجود مسلحين أو مواجهات مسلحة قرب شيرين خلال اللحظات التي سبقت قتلها.
وتعد مذبحة صبرا وشاتيلا، إحدى أكثر الفصول الدموية فى تاريخ الشعب الفلسطيني، والتى راح ضحيتها العشرات بين أطفال ونساء وشيوخ فى جنوب لبنان.. وهى مذبحة نُفذت فى مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين فى 16 سبتمبر 1982، واستمرت لمدة ثلاثة أيام.. ورغم التعتيم الإسرائيلي والدفع بالأكاذيب والإدعاءات المضللة، فقد اضطرت دولة الاحتلال تحت ضغط المجتمع الدولي،  لتشكيل لجنة برئاسة رئيس المحكمة العليا، إسحاق كاهان، سميت لجنة كاهان، فى نوفمبر 1983، التي قررت أن وزير الدفاع الإسرائيلى، أرئيل شارون، يتحمل مسئولية مباشرة عن المذبحة، إذ تجاهل إمكانية وقوعها، ولم يسع للحيلولة دونها، كذلك انتقدت اللجنة رئيس الوزراء، مناحيم بيجين، ووزير الخارجية، إسحاق شامير، ورئيس أركان الجيش، رفائيل إيتان، وقادة المخابرات.. ثم تم الكشف، بعد مرور ثلاثين عامًا، عن مجموعة وثائق سريّة، تُرجّح تورط جهات أمريكية في مجزرة صبرا وشاتيلا.
ومرورًا بمجزرة "قانا" في لبنان، عندما قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بقصف مدفعي على مبنى تابع للأمم المتحدة، كان يؤوي مدنيين لبنانيين، هربوا من القصف الإسرائيلي الشديد على قرية قانا بجنوب لبنان عام 1996، خلال العملية العدوانية العسكرية على لبنان "عناقيد الغضب"، وأسفرت عن استشهاد وإصابة العشرات.. وبعد هروب النازحين من نيران "عناقيد الغضب"، نفذت دولة الاحتلال المذبحة التي وصفها المراقبون بـ"المذبحة السوداء غير المسبوقة"، حين لجأ أهالي البلدة إلى مركز الأمم المتحدة، مركز "فيجي" لقوات الطوارئ الدولية "اليونيفيل"، هربًا من القصف الإسرائيلي، واستُهدف مقر الأمم المتحدة أمام مرأى ومسمع المجتمع الدولي، وكانت مشاهد المجزرة النازية، صدمة للضمير الإنساني العالمي، حيث تفحمت أجساد الأطفال والنساء والشيوخ، ولم يُتمكن  بعدها من تحديد هويات ثمانية عشر شهيدًا، كُتب على قبورهم "شهيد مجهول الهوية" و"شهيدة مجهولة الهوية" و"طفل شهيد مجهول الهوية".. ساعتها، دفعت إسرائيل بمبررات واهية تستبعد القصد في تنفيذ المذبحة.. ثم اعترفت أخيرًا، مع تحقيقات مركز "فيجي" لقوات الطوارئ الدولية، أن دواعي الأمن الإسرائيلي قد تجاوزت نقاطا محددة لم تكن في الخطة للحماية والأمن!!
هذه الصورة الاستعمارية العنصرية تذكرنا دائمًا بمئات الجرائم والمذابح في حق الفلسطينيين.. غير ناسين العنصرية التي تمارسها سلطات الاحتلال في حصر التحقيقات بشأن مقتل الإسرائيلي فقط.. فما أن أُعلن عن مقتل جندي بالقرب من مدينة طولكرم، حتى سارعت الجهات العسكرية الإسرائيلية بتوجيه التهمة للفلسطينيين، وبشكل استباقي مقصود يعكس نظرة المؤسسة الإسرائيلية للمواطن الفلسطيني باعتباره متهمًا في جميع الأحوال وتجب ملاحقته ومعاقبته، وبعد أن تم استدعاء المزيد من القوات، ونصب العديد من الحواجز والاستنفار بحثًا عن الجناة، تبين لقادة جيش الاحتلال أن الجندي الإسرائيلي قُتل بما أسموه "نيران صديقة"، زميله هو الذي أطلق النار عليه. 
هذه الصورة تذكرنا بمئات الإعدامات الميدانية، التي أقدم على ارتكابها جيش الاحتلال وعناصره، ضد المواطنين الفلسطينيين المدنيين العُزل، دون أن يشكلوا أي خطر على جنود الاحتلال أو المستوطنين.. في بعض الحالات التي كان لها صدى وتفاعلًا على المستوى الإعلامي المحلي والإقليمي والدولي، قامت المؤسسة العسكرية ببعض التحقيقات، ليس بهدف الكشف عن القتلة الجناة ومجرمي الحرب الإسرائيليين ومن يقف خلفهم، وإنما لطمس الحقيقة أو تسجيلها ضد مجهول، وفي بعض الأحيان اعتقال الجاني وتوجيه بعض التهم له، وإن تمت محاكمته فإن الحكم يكون مخففًا وسُرعان ما يتم الإفراج عنه.
■■ وبعد..
فإن تصريحات المسئولين الإسرائيليين، من رئيس الوزراء ووزير المالية ووزير الأمن الداخلي ووزير الطاقة، في الوقت الحالي، يؤكد جميعها أن إسرائيل لن تسمح بوصول المساعدات الإنسانية من الغذاء والوقود للشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة، وبالتالي فإن الأسانيد والبراهين الإسرائيلية، أمام الجنائية الدولية، كاذبة، ومحاولة للالتفاف على الوقائع بصورة أو أخرى، في إطار اتهام مصر للضغط عليها وتوريطها وتغيير المواقف والتوجهات، إلا أن مصر لديها من البراهين القوية للتعامل مع إسرائيل في هذا التوقيت، على اعتبار أنها دولة معتدية، ولن تهرب بالجرائم التي ارتكبتها ضد الشعب الفلسطيني، مهما كان حكم المحكمة، ناهيك أن مصر دولة مُهددة في أمنها وحدودها، وهي من يلتزم بالقوانين، ويحافظ على الشرعية التي أقرها المجتمع الدولى، وذلك حديث المقال التالي.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.