رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لعنة المومياء

جريدة الدستور

بشعرى الملىء بأوراق الشجر الميتة

أرافق امرأة شابة غريبة الأطوار

تقيم وحيدة فى قصر فيكتورى منعزل.

وتحت مطر المساء كنا نتمشى معًا.

حكت لى عن حياتها السابقة 

كمغنية أوبرا

وعن معجنات نابولى اللذيذة التى 

ما زال طعم القليل من كريمتها المخفوقة الطازجة

يسكن زاوية شفتها السفلى.

قالت لى أيضًا إنها ذات مرة

جرّت صليبًا خشبيًا

عبر بلدة مجذومة 

فى مكان ما فى الهند. 

وبدورى أخبرتها بثقة 

أننى ولدت فى كوبنهاجن

وأن والدى كان يعمل دفانًا

وأن والدتى أدمنت القراءة

وأخبرتها أيضًا كيف دمر آرثر شوبنهاور منزلنا السعيد.

وأنه منذ ذلك الحين، 

لم يمر يوم دون

أن أضع فوهة مسدس محشو فى فمى.

كانت قد سبقتنى ببضع خطوات 

ولكنها استدارت فجأة

شاهرة سوطها 

فى وجهى كمروض أسود

ولحسن الحظ، 

وفى نفس اللحظة 

مرت مومياء 

تقود دراجتها الهوائية 

حاملة طلب بيتزا لأحدهم

كانت تمضى مسرعة وهى 

تلعن الضباب والحفر.

 

استراحة الجنة

فى ذلك اليوم 

لم أبرح غرفتى 

كنت أستمع للرئيس وهو 

يتحدث بإعجاب عن الحرب 

التى مات فيها 

الملايين من الأبرياء

وكأنها جرعة حب سحرية.

فتحت عينى مندهشًا وأنا

أطالع وجهى فى المرآة

كان يبدو مثل طابع بريدى 

تم إلغاؤه مرتين.

نعم لقد عشت جيدًا، 

لكن الحياة كانت فظيعة.

فى الخارج كانت الطرقات مكدسة 

بالكثير من الجنود واللاجئين

الذين اختفوا جميعًا

فى غمضة عين

وكأن التاريخ 

الذى كان يلعق زوايا فمه 

الملطخ بالدماء قد ابتلعهم.

على إحدى القنوات الإباحية 

ثمة رجل وامرأة

يتبادلان القبلات الجائعة 

ويمزقان ملابسهما 

أبقيت صوت التلفاز صامتًا 

وأنا أطالعهما.

وبينما كانت الغرفة 

تسبح فى ظلام دامس

كانت الشاشة تضج 

بالكثير من اللون الأحمر 

وبالكثير أيضًا من اللون الوردى.

اتل قدرك

العالم يختفى من حولك

أيها الشارع الصغير

الضيق الملىء بالظل.

كلب واحد

وطفل وحيد

هما كل ما لديك الآن

بعد أن أخفيت 

مرآتك الكبرى

وعريت عشاقك

الذين حملهم أحدهم فى شاحنته المكشوفة

كانوا لا يزالون عراة 

وهُم ممددون على 

على أريكتها.

وبينما كانت الشاحنة 

تمضى فى طريقها فوق أحد سهول 

كانساس أو نبراسكا المعتمة

كانت المرأة تفتح مظلتها 

الحمراء فى وجه عاصفة تزمجر 

وفى الأثر كان الصبى

والكلب يجريان،

وكأنهما يحاولان اللحاق

بديك مقطوع الرأس.

الطفل الأكبر

يبدو أن الليل لا يزال يخيفك

أنت تعرف أن لا نهاية له

وأن أبعاده ممتدة ولا يمكن تخيلها

وأيضًا «لأن أرقه دائم»

كما تقول الصوفية.

هل أدركت الآن لأى مدى ينخدع قلبك 

ببوصلته الطفولية؟ 

فى مكان ما بعيد ربما يكذب العشاق

تحت أشجار السرو المظلمة،

يتظاهرون بأنهم يرتجفون من فرط السعادة،

أما هنا فلا مكان للكذب 

فالعثة الليلية الساكنة فى لحيتك ترتجف أيضًا 

ولعدة أيام متتالية 

تحت يدك الجاثمة على صدرك.

أنت طفل بروميثيوس الأكبر

الذى يقدم للنار الباردة 

قربانًا من وقت بطىء 

تقضيه عثة ليلية 

تخشى الرفقة.