رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فضيلته.. وقداسته

زيارة فضيلة الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، صباح الأربعاء، قداسة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، نراها زيارة عادية من مواطن يعرف الواجب الوطنى والدينى، الذى يحتم عليه تقديم «خالص التهنئة» لزميله المواطن، بعيد ميلاد السيد المسيح، عليه السلام، يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيًا، والذى لا يختلف مصريان عاقلان، مسلمان أو مسيحيان، على أن الله آتاه الكتاب وجعله نبيًا، وجيهًا فى الدنيا والآخرة، ومباركًا أين ما كان.

تبادل التَّهنئة والزيارات «يعكس المحبَّة والمودة فيما بيننا، ويؤكِّد عمق العلاقات التى تجمع المصريين، مسلمين ومسيحيين، وتماسكهم فى نسيج وطنى موحد»، كما أوضح فضيلة الإمام الأكبر، متمنيًا «أن يكون هذا العام عامًا سعيدًا على الناس أجمعين». والمعنى نفسه كرره قداسة البابا، الذى أعرب عن سعادته بتجديد اللقاء وأواصر المحبَّة، وتجديد الأمل فى الأخوة فيما بيننا، مسيحيين ومسلمين، وفى مستقبل أفضل لمصرنا الحبيبة، مشيرًا إلى أن هذا اللقاء يبعث بالفرح لدى كل فئات الشعب المصرى.

بالفعل، لا يمكن أن يكون هذا اللقاء باعثًا للحزن إلا لدى شرذمة ضالة محسوبة زورًا على المصريين. وسيحرق، طبعًا أو قطعًا، قلوب الإسرائيليين وداعميهم، الذين اتفق الإمام الأكبر وقداسة البابا على إدانة جرائمهم، وفضح واستنكار ما نراه يوميًّا، وطيلة أكثر من ثلاثة أشهر، من إرهاب صريح، وقتل وكراهية، وإبادة جماعية، وتطهير عرقى، واستباحة لدماء المواطنين الأبرياء، فى ظل عجز عالمى مخزٍ.

خلال اللقاء، أكد شيخ الأزهر أن ما يحدث على أرض فلسطين لم يعرفه تاريخ البشاعات ولا الشناعات ولا الجرائم من قبل، مشددًا على أن ما يحدث هو إبادة جيش مسلح مدجج بأعتى الأسلحة لمواطنين أبرياء، ولا يمكن أن يكون حربًا؛ لأن الحرب تقوم بين طرفين متكافئين. وأكد شيخ الأزهر، أيضًا، أننا نحن المؤمنين بالدين لدينا واجب ومسئولية أمام الله للدفاع عن الفلسطينيين الأبرياء، خاصة بعد ما رأيناه من تخاذل فى دعم الشعب الفلسطينى ووقف هذا العدوان الدموى، وفى ظل ما شاهدناه من وعى الجماهير حول العالم بحقيقة ما يحدث، وخروجهم فى تظاهرات للتعبير عن رفضهم لما يقوم به هذا الكيان المغتصب.

وأوضح شيخ الأزهر، أيضًا، أننا لسنا دعاة حرب وكراهية، ولكننا نقف مع الحق، ونساند الطرف الذى يمارس ضده أبشع الجرائم، مشددًا على أن كل العقائد ترفض وتُدِين ما يقوم به هذا الكيان من مذابح ومجازر. كما أكد أن الإسلام أرسى قواعد للجهاد وحرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ، حتى الاعتداء على الحيوان، ومنع المساس بأى شخص لا يتوقع منه العدوان، وجعل الجهاد موجهًا لمَن يقومون بالعدوان فقط، مؤكدًا أنه لا يمكن تصور أى دين يبرر ما يتعرض له الأبرياء فى غزة من ظلمٍ وقهرٍ وقتلٍ وتنكيل.

فى السياق نفسه، أشار قداسة البابا تواضروس الثانى إلى أن الإنسان يجب أن يكون صانع سلامٍ أينما حلَّ، بدءًا من داخله وشعوره بالارتياح والتوازن النفسى، مؤكدًا أننا جميعًا نتألم لما يحدث فى أرض فلسطين، وغياب الإنسانية بكل صورها، وصمَّ الآذانَ عن دعوات وقفِ العدوان وتسهيل دخول المساعدات الإنسانيَّة، رغم ادِّعاء بعض الدول ريادتها فى التقدُّم الحضارى ورعاية حقوق الإنسان، مشددًا على أننا لم نرَ القسوة التى تمارس ضد الفلسطينيين حتى فى عالم الحيوان، تلك القسوة التى انتفت معها كل معانى الرحمة والإنسانية، وأظهرت تعمدًا وإصرارًا على ارتكاب أبشع الجرائم فى حق الأبرياء.

.. وأخيرًا، نرى أن ما قد يجعل الزيارة هذه المرة، أو هذه السنة، بالذات، غير عادية، هو اقتراح الإمام الأكبر إنشاء لجنة مشتركة تجمع الأزهر والكنائس المصرية، لمتابعة ما يحدث فى غـزة، لحظة بلحظة، وعلى مدار الساعة، والخروج بصوت واحد منادٍ بوقف هذا العبث والحقد والقتل والإرهاب. وهو الاقتراح الذى رحب به قداسة البابا، مقترحًا هو الآخر أن تكون اللجنة المشتركة فى «بيت العائلة المصرية»، وأن يكون الصوت المصرى الواحد معبرًا عن رفض العدوان، ومدافعًا عن حقوق الشعب الفلسطينى.