رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف استغلت جماعات الإسلام السياسى المرأة فى تحقيق أهداف «تنظيم الشيطان»؟

جماعات الإسلام السياسى
جماعات الإسلام السياسى

لم تعد الخطابات النسوية المتمركزة حول هيمنة الذكور على الإناث وحجبهن عن المجال العام ركيزة يمكن من خلالها فهم المتغيرات فى أوضاع المرأة العربية بالسنوات الأخيرة، إذ إن خروج المرأة إلى الفضاء العام واستغلال هذا الوجود من قبل تيارات الإسلام السياسى لتحقيق مكاسب وشرعية لها يجعل من الضرورى أن توجه الخطابات النسوية تركيزها نحو فهم مآلات الصعود الملحوظ لأنشطة المرأة ودورها على مختلف الأصعدة، لا سيما بالسنوات الأخيرة، والأساليب المستحدثة التى عززت من العنف ضد المرأة على نحو مغاير لما سبق. 

فى كتاب «صخب المؤنث» تدعو الباحثة التونسية أم الزين بنشيخة المسكينى إلى الاشتغال على ظاهرة النساء الإرهابيات التى استفحلت عقب الثورات العربية، من منظور كونها تعبيرًا عن تأبيد الهيمنة الذكورية على النساء، بالنظر إلى استغلال تيارات الإسلام السياسى المرأة لدعم الإرهاب ضمن خطط «جهاد النكاح»، أو استغلالها «للتفجير» ضمن خطة الخراب الشاملة، ومن ثم استغلال المرأة لتحقيق مطامع الإسلاميين. 

وفى كتاب «المرأة الداعية» ترصد الباحثة المصرية أسماء فؤاد التحول فى الأيديولوجية الإسلامية التى فرضت بوقت سابق احتجاب المرأة عن الاحتكاك المباشر إلا فى إطار خدمى واجتماعى لتصير مكونًا أساسيًا فى استراتيجية قيادات الحركات الإسلامية الهادفة إلى إحداث تغيرات داخلية وهيكلية فى بنية المجتمع المصرى، ولتمارس المرأة دورًا أكبر فى سياسات حركات الإسلام السياسى فى الشرق الأوسط. 

انطلاقًا من الفلسفات النسوية المختلفة واتجاهاتها المتعددة والمتنوعة، تسعى الباحثة التونسية أم الزين بنشيخة المسكينى فى كتابها «صخب المؤنث: نحو نسوية إبداعية» إلى إعادة النظر فى مشكلات الهيمنة الذكورية ووضع النساء بالمجتمعات العربية بالاعتماد على تحليل نتائج تلك الفلسفات والإشارة إلى حدودها. تبسط «المسكينى» جملة من الفلسفات النسوية المتنوعة ما بين تلك التى ترى أهمية عدم الانصياع خلف فكرة المساواة مع الرجل والتشبث فى المقابل بالعبقرية الأنثوية، وتلك الثانية التى ترفض الحديث عن كتابة أنثوية وتدحض مقولة الأنثى كما فى أعمال الفيلسوفة الفرنسية مونيك فيتيغ، وأخرى تصرف النظر عن الجنس البيولوجى نحو النظر فى الجندر أو النوع الاجتماعى الذى يبنيه المجتمع، وهو ما يحضر فى أعمال الفيلسوفة اليهودية جوديث بتلر. 

ترى الكاتبة أن ثمة حاجة لإعادة النظر فى منطلقات تناول الشأن النسوى، فمن جهة ظلت هذه الفلسفات تفكر فى إطار الهيمنة الذكورية، ومن جهة أخرى لم يعد من المجدى اليوم التفكير فى النساء باعتبارهن كلًا متجانسًا، وغض الطرف عن طبقات النساء الاجتماعية وثقافتهن. علاوة على أن النضال ضد الهيمنة الذكورية للرجل يفقد معناه إذا نظرنا إلى القهر الواقع على الرجل اجتماعيًّا أو سياسيًّا أو ثقافيًّا، وهو ما يعنى ضرورة النظر إلى التهديد الذى يواجه الجميع فى ظل نظام عالمى عماده الهيمنة على الجميع إناثًا وذكورًا. وبناء على ذلك، تطرح المؤلفة أسئلة حول أشكال وجود الجدل النسوى فى معارك الفضاء العمومى، وكيفية استخدام الفن فى التحرر من الهيمنة الأبوية، ومدى إمكانية التحرر مما سمّته «النسوية الغوغائية»، التى تحول النساء إلى كتلة واحدة، وتأسيس أشكال جديدة من الحياة تعد بمستقبل أفضل، وهو ما ترى الكاتبة إمكانية تحققه فى فضاء الفن من خلال تجارب تصور عالم قوامه التعايش بين شتى المختلفين. 

لا يكتفى الكتاب بالطواف النظرى والتحليلى لتاريخ العنف على النساء وأشكال التحكم بأجسادهن على مر التاريخ وصولًا إلى تحليل الإرهاب النسائى باعتباره أحد أشكال التحكم فى المرأة، وإنما ينطلق فى الجزء الثانى نحو تحليل تجارب إبداعية تشكيلية لفنانات تشكيليات عربيات وإفريقيات قدمن سرديات مغايرة لعالم تتعايش فيه كل الأجناس. 

تستعرض المؤلفة الأجيال المتتابعة من النزعات النسوية منذ سيمون دى بوفوار إلى لوسى إيريجارى، ثم نانسى فرايزر، اللاتى يمثلن ثلاثة نماذج معرفية؛ الأول يقوم على المساواة بين الجنسين، ويرى أن سلطة الذكر هى ما تعطل تحرر المرأة، أما الثانى فيعتمد على الاختلاف وثنائية الكينونة، فيما يركز الثالث على العدالة بوصفها اعترافًا، لتنطلق من هذه النماذج نحو مساءلة أشكال تأثيرها فى المجتمعات العربية والإسلامية ومدى قدرتها على تفكيك البنى الثقافية العميقة المؤسسة للهيمنة الذكورية على النساء. 

وتصل «المسكينى» إلى أن معظم ما أنجزته المرأة العربية قد أفاد من حركات التحرر النسوى العالمية وطبقت مبادئها بأشكال متفاوتة فى نجاحها على المجتمعات العربية منذ معارك التحرر من الاستعمار، لكنها ترصد ثلاث ملاحظات على مسيرة النسوية العربية؛ الأولى أن غالبية دعوات تحرير المرأة تأسست فى البلاد العربية بأقلام ذكورية، والثانية أن غالبية النضالات النسوية فى البلاد العربية ارتبطت بمعركة النسوية الغربية ضد السلطة الذكورية التى اعتبرت الذكر خصمًا أول فى معركتها، أما الثالثة فتتعلق بالنسوية الإسلامية التى تعتمد على إمكانية استعادة النص القرآنى لصالح تحرير المرأة من التفسيرات الذكورية الظالمة، والتى ترى الكاتبة أنها أطروحة على أهميتها تبقى أسيرة اعتبار المسألة كما لو كانت عالقة بالفرق بين الجنسين وباضطهاد الذكور للإناث؛ ولا تضع فى الاعتبار أشكال الاضطهاد التى يعانى منها الذكور تحت نفس المنظومة الإسلامية. 

تنتقل «المسكينى» إلى النظر فى قضية الإرهاب النسائى، إذ تقول إنه إذا كان الاهتمام بقضية المرأة قد انصب منذ قرن من الزمن على معارك تحرر النساء من الهيمنة الذكورية، وعلى صورة المرأة كضحية لعنف تاريخى مطول يعود إلى آلاف السنين؛ فإن الدراسات النسوية مطالبة اليوم بالاشتغال على ظاهرة ظهور نساء إرهابيات، وهى الظاهرة التى استفحلت عقب الثورات العربية. وترى الكاتبة أن الإرهاب النسائى يعبر عن «ضرب من العدمية النسوية السالبة الناجمة عن تأبيد تاريخى مؤلم للهيمنة الذكورية على النساء»، فالإسلام السياسى عمل على تحويل النساء إلى أجساد صالحة لدعم مكنة الإرهاب ضمن خطط «جهاد النكاح» أو أجساد «للتفجير» ضمن خطة الخراب الشاملة، وبالتالى فإن الإرهاب النسائى يعد مواصلة لتاريخ العنف على النساء وتأبيدًا لخضوعهن إلى منظومة المركزية الذكورية التى تتخذ من النساء دومًا حقلًا للاستثمار فى خططها. 

تدعو الكاتبة إلى الاهتمام فى المقابل بتطوير نسوية نقدية إيجابية تعنى بالتحرر من أشكال الهيمنة المختلفة على البشر، سواء كانت سلطة أو استعمار أو سياسات لا تعدل بين البشر، بالإضافة إلى تطوير مشروع ثقافى مستمر يرسى حقوق الإنسان ويسعى للتخلص من مختلف أشكال العنف، ومن ثم لا تعمد تلك النسوية الإيجابية إلى إقصاء أى نوع اجتماعى، وإنما تدعو الجميع إلى التحرر من الأوهام بكل أشكالها، وهو ما يعنى أن يصير تحرر المرأة جزءًا من تحرر البشر من الاضطهاد والعنف. 

وتشدد «المسكينى» على دعوتها إلى نسوية إبداعية لا تكتفى فقط بالنسوية الحقوقية، وإنما تعمل على النظر فى الخطاب الجمالى العربى لمقاومة هيمنة النظام الذكورى على تاريخ الفنون ومجال الخيال، مشددة على خطورة مواصلة إقصاء النساء من مجال الفلسفة وصناعة الحقيقة، وداعية إلى تدخل المرأة الفيلسوفة فى غمار الحياة الفكرية العربية، وأن تسهم فى صناعة الفلسفة العربية المعاصرة بعد قرون من إقصائها من مجال صناعة العقل.

ترصد الباحثة المصرية أسماء فؤاد فى كتابها «المرأة الداعية.. دور النساء فى التعبئة الإسلامية للمجتمع»، الصادر عن «دار العربى للنشر والتوزيع»، صعود دور المرأة وأنشطتها الاجتماعية والثقافية والسياسية المستندة إلى مرجعية إسلامية داخل خريطة الحالة الدينية فى مصر فى الآونة الأخيرة، وامتلاك المرأة لمكانة بارزة فى واقع الحياة اليومية. تنطلق الباحثة مما شهده الواقع العربى عمومًا، والمصرى على وجه الخصوص، من تصاعد دور المرأة فى الفضاء العام واستغلالها بشكل كبير فى العمل السياسى، إذ لعبت النساء الداعيات دورًا كبيرًا فى لجان التصويت على التعديلات الدستورية فى مارس ٢٠١١، وفى الانتخابات البرلمانية عقب ثورة يناير ٢٠١١ فحضرن داخل اللجان كمراقبات أو خارجها كداعيات لحث الجمهور على التصويت لصالح مرشح إسلامى، فضلًا عن بذلهم جهدًا مكثفًا فى إلقاء محاضرات لإقناع النساء بمرشح التيار الإسلامى المطروح، وهو ما أدى إلى تعبئة أعداد ضخمة من الناخبات ودفعهن للمشاركة فى التصويت بالانتخابات. 

يبدأ الكتاب من ملاحظة الحضور الواضح لنساء الحركة الإسلامية فى ساحة المجتمع العام وتفاعلهم المباشر مع الجمهور، فخلافًا لما كان شائعًا بوقت سابق من التزام نساء تلك الحركة بأيديولوجية إسلامية تحجبهن عن الاحتكاك المباشر بالمجتمع، تحولن إلى مكون جوهرى لدى قيادات الحركة الإسلامية المعاصرة، فاتخذت النساء الداعيات الدعوة إلى الله وسيلة نحو غاية التغيير السياسى التى يسعى إليها القادة الذكور، سواء تم ذلك بوعى مباشر أو بدون تخطيط مسبق. 

تشير الباحثة إلى أن الإسلاميات الناشطات مارسن دورًا أكبر فى رسم سياسات حركات الإسلام السياسى فى الشرق الأوسط، ونجحن فى شق طريقهن فى صفوف الحركة الإسلامية عبر إنشاء فروع نسائية قوية، والمناداة بمشاركة سياسية أوسع، والارتقاء بتمثيلهن فى المناصب القيادية العليا داخل الحركة، والانخراط فى نشاط الدعوة العامة، والظهور على شاشات الفضائيات، وممارسة الفتوى، ولعب دور سياسى واجتماعى عام.

ولفهم جذور حضور المرأة الداعية الواسع بتلك السنوات المذكورة، ترجع الباحثة إلى بداية ظهور قسم الأخوات المسلمات التابع لجماعة الإخوان منذ العام ١٩٤٤، والذى لعب أدوارًا مهمة ومؤثرة فى تاريخ الجماعة، وكان ظهوره تعبيرًا عن فهم الجماعة لأهمية اعتبار العمل الدعوى النسائى ضرورة من ضرورات النشاط الدعوى والسياسى الأكبر للجماعة. 

على الجهة الأخرى، لعبت الداعيات السلفيات دورًا واسع النطاق بدأ مع اتخاذ القيادات الذكورية لحزب النور السلفى قرارًا بترشيح عدد كبير من السيدات المنتميات إلى الحزب على قوائمه الانتخابية البرلمانية عام ٢٠١٢، وإصدار فتوى تجيز ترشح المرأة على قوائم الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، مبررين ذلك بأن ترشح المرأة فى الانتخابات لن يترك البرلمان للعلمانيين الذين يحاربون الإسلام، على حد قولهم، وهو ما منح فرصة كبيرة أمام الداعيات السلفيات حتى ينفذن إلى المجال العام والسياسى ويحققن مكانة وشهرة إعلامية. 

توضح المؤلفة، بعد رصدها وتحليلها عددًا من الخطب الدينية للنساء الداعيات وانخراطها بأوساط الدعوة الإسلامية النسائية، أن الخطاب الدينى لهن لم يخرج عن كونه واحدًا من ثلاثة اتجاهات هى: الاتجاه الدنيوى الذى تظهر فيه الصبغة النسائية بوضوح، بمخاطبة احتياجات الجمهور والعمل على استثارة مشاعرهم بشكل عاطفى مؤثر، ثم الاتجاه السياسى الذى يهتم بالتأصيل الشرعى لقضايا اجتماعية موجودة فى حياة الجمهور اليومية تبحث الداعية لها عن دلائل وحلول من القرآن والسنة والتراث الإسلامى، أما الاتجاه الأخير فهو الأخروى الذى يهتم بنشر فكرة معينة ويضم القضايا الفقهية الإسلامية والتعبوية ومسائل الترغيب والترهيب الخاصة بالعقيدة الإسلامية. وتلفت إلى أن الاتجاه السياسى فى الخطب انتشر بين الداعيات صاحبات الأيديولوجية السياسية، واللواتى يسعين من وراء طرح هذا النمط من الخطاب الدينى إلى تأسيس بوصلة فكرية ترجع إليها السائلة فى كل قول أو فعل، ومن ثم، اهتمت الداعية المرأة بإثارة بعض القضايا السياسية مثل عملية اغتيال بن لادن، وحقوق غير المسلمين فى الشريعة الإسلامية، وقضية المواطنة، وآراء بن باز فى فساد مقولة حرية تبنى الفرد للعقيدة الإسلامية، وقضايا ممارسة العمل السياسى والخروج للتصويت فى الانتخابات، وقضايا الشورى والديمقراطية، وقضايا المرأة المسلمة فى بلاد الكفر، وقضايا النقاب واللحية والخروج على الحكام والأحزاب الإسلامية والتحزب فى الإسلام، وترشح المرأة فى المجالس النيابية والقسم على الدستور فى البرلمان، وتطبيق الشريعة الإسلامية، وعلاقة الليبرالية والعلمانية بالإسلام، وقضايا الاقتراض من البنوك بفوائد، وقضايا السمع والطاعة، وتحالف الأحزاب الإسلامية مع أحزاب غير إسلامية، وكذلك إيجابيات الثورة المصرية وسلبياتها. 

لا يتوقف الكتاب عند الكشف عن مضمون الخطب الدينية للداعيات، وإنما تسعى الباحثة فى كتابها لبيان الأساليب التى اعتمدتها النساء الداعيات فى سبيل إضفاء الطابع المؤثر على خطابهن الدعوى، وجذب النساء إليهن ليمارسن التثقيف الدينى وتشكيل الوعى الاجتماعى والسياسى للنساء، فمن ضمن الأساليب المعتمدة التى أشار إليها الكتاب بناء روابط إنسانية مباشرة مع الجمهور الذى من الممكن مقابلته فى أى وقت داخل ساحة المجتمع العام، وعلاقة قوامها المشورة وأخذ الرأى فى الأمور الخاصة والشخصية، فضلًا عن المساعدات المادية والخدمية والاضطلاع بدور الأخت والصديقة فى أوقات الأزمات.