رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خبراء فلسطينيون: المقاومة أجبرت الاحتلال على سحب عدة ألوية من غزة

غزة
غزة

- أزمة بسبب ارتفاع الخسائر وتدهور الاقتصاد واشتداد الخلافات والفشل فى تحقيق أهداف الحرب

- إطلاق صواريخ «رأس السنة» على تل أبيب قلَب الموقف وتوقعات باقتراب هدنة جديدة 

أكد خبراء ومسئولون فلسطينيون أن معاناة قوات الاحتلال الإسرائيلى فى حربها على قطاع غزة هى ما دفعتها لسحب عدة ألوية عسكرية من القطاع، خاصة مع إعلان فصائل المقاومة عن أسلحة جديدة، وقصف تل أبيب بصواريخ متقدمة عشية رأس السنة.

وقال الدكتور عماد عمر، الكاتب والمحلل السياسى الفلسطينى، إن سحب إسرائيل عدة ألوية من مدينة غزة وشمال القطاع ربما يأتى فى إطار تعزيز قدرة الاحتلال الإسرائيلى فى منطقة خان يونس والمنطقة الوسطى، لكونه لم يتمكن من التقدم بهما منذ حوالى شهر، بسبب قوة وصمود المقاومة الفلسطينية، وهو ما اعترف به قادة الاحتلال أنفسهم.

وأضاف «عمر»، فى تصريحات، لـ«الدستور»: «الاحتلال لم يحقق أيًا من الأهداف التى أعلنها فى مدينة غزة وشمال القطاع سوى أنه دمر المبانى والشوارع والبنى التحتية للمدينة، ناهيك عن المجازر وحرب الإبادة الجماعية التى ارتكبها بحق الأطفال والنساء والرجال كبار السن، إلى جانب استهدافه الطواقم الطبية والمستشفيات ودور العبادة والصحفيين».

وحول التقارير التى تحدثت عن تولى تونى بلير، رئيس الوزراء البريطانى الأسبق، مهمة وضع خطة لتهجير الفلسطينيين، قال «عمر»: «إن صح ذلك فإن هذه جريمة أخرى ستلاحق بريطانيا، التى أعطت وعدًا لليهود بإقامة وطن قومى لهم على الأرض الفلسطينية»، مؤكدًا أن ذلك مخالف للقانون الدولى، وعمل معادٍ للفلسطينيين ولن يكون، لأنه لا تستطيع أى قوة فى العالم إجبار الفلسطينيين على الهجرة عن أرضهم، الشعب الفلسطينى بصموده سيُفشل كل المحاولات الرامية لتصفية القضية الفلسطينية. 

واختتم حديثه بالقول: «إن إسرائيل منذ بداية الحرب حاولت تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وكان الموقف المصرى الوطنى والمسئول، إلى جانب المواقف العربية، وصمود أهلنا فى غزة وشمالها، الذين رفضوا النزوح والخروج من بيوتهم رغم المجازر التى استهدفتهم، كل هذا أدى إلى إفشال سياسة إسرائيل الرامية لتهجير الفلسطينيين».

فيما قال القبطان محمد اسبيته، القيادى بحركة «فتح» ومستشار سلطة الموانئ الفلسطينية السابق، إن استخدام المقاومة الأسلحة تطور بشكل كبير، خاصة أن أكثر من ٧٠٪ من أسلحتها المستخدمة حاليًا هو عبارة عن تصنيع محلى على يد خبراء السلاح فى كتائب القسام وسرايا القدس والتنظيمات الأخرى. 

وأضاف «اسبيته»، فى تصريحات خاصة لـ«الدستور»: «إن أنواع السلاح المطور الذى ظهر مؤخرًا، مثل (سام ١٨) والكورنيت وبعض الأسلحة الدقيقة، تم إدخالها إلى قطاع غزة على مدى سنوات وبطرق مختلفة»، مؤكدًا أن الداعمين للمقاومة كانوا يتفننون فى طرق إدخال السلاح إلى القطاع، سواء عن طريق البحر أو البر.

وتابع «الحرب التى بدأت فى ٧ أكتوبر الماضى لم تكن حربًا مفاجئة للمقاومة، وإنما حرب خُطط لها، ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو أوهم واشنطن بأنه سيدخل إلى غزة فى أسبوع أو أسبوعين ليأخذ المحتجزين ويقضى على حركة (حماس)، واليوم يقترب من ثلاثة أشهر ولم ينفذ ذلك، ومع بداية العام الجديد، انطلق ٢٠ صاروخًا من طراز إم ٩٠ طويل المدى على تل أبيب وضواحيها».

وأشار إلى أن الوضع الحالى فى قطاع غزة يؤكد صمود المقاومة وتنوع أسلحتها واستخدامها أسلحة حديثة، مثل التى تم استخدامها فى قصف تل أبيب، والتى ينتسب تطويرها إلى إبراهيم المقادمة، أحد قادة «حماس»، الذين تم اغتيالهم على يد إسرائيل. 

وحول إمكانية التوصل لهدنة قريبًا، قال «اسبيته»: «هذا الملف يتولاه الوسطاء بالكامل حاليًا، والمحادثات اقتربت من نهايتها إلى حد ما، لولا أن هناك بعض التردد، لأن حماس فرضت شروطها، وإسرائيل تحت الضغط الذى تعيشه قبلت بمعظم الشروط».

وأضاف: «يفترض أنهم فى اللحظات الأخيرة قبل الموافقة على هدنة قد تطول هذه المرة، لتصل إلى أسبوعين، مع الإفراج عن ٣٠ إلى ٤٠ محتجزًا لدى حماس، مقابل الإفراج عن قيادات فلسطينية من ذوى الأحكام الكبيرة، وتطرح أسماء مثل: مروان البرغوثى، وأحمد سعدات، ونائل البرغوثى، وعبدالله البرغوثى، لتتضمنهم الصفقة المقبلة».

وأشار إلى أن الوضع يتطور حاليًا فى معظمه لصالح المقاومة الفلسطينية، خاصة بعدما سحبت إسرائيل لواء جولانى من غزة، وهو لواء متميز جدًا، بعد أن خسر ٤٢ من ضباطه وجنوده، بالإضافة إلى ألوية أخرى، وهذا بحد ذاته يمثل تراجعًا كبيرًا، لأن سحب هذه القوات جاء وسط المعركة.

ونوه القيادى الفلسطينى إلى أن سحب الألوية أتى بالتزامن مع تصريحات محافظ البنك المركزى الإسرائيلى حول إجمالى الخسائر الإسرائيلية فى هذه الحرب، التى وصلت إلى ٦٠ مليار دولار، ليعود من تم استدعاؤهم من الاحتياط، وهم نحو ٣٦٠ ألف مجند إلى أعمالهم.

واستطرد: «الوضع فى غزة حتى الآن ضبابى، والولايات المتحدة بدأت تتأخر فى تسليم المساعدات والذخائر لإسرائيل، بل رفضت تسليمها طائرات أباتشى، والوضع داخل إسرائيل أصبح صعبًا جدًا، وهناك خلافات فى مجلس الحرب بين رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع ورئيس الأركان، لدرجة أنهما لم يوافقا على الظهور معه فى المؤتمر الصحفى الأخير، كما أن هناك خلافات كبيرة فى الحكومة الموسعة، بقيادة الوزيرين المتطرفين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريش».

وأكمل: «السبب وراء كل ذلك هو صمود المقاومة حتى الآن، وقدرتها على إطلاق صواريخ على تل أبيب وضواحيها، وهذا ما قلب معادلة جيش الاحتلال، لأن المقاومة اختارت الدقيقة الأولى والساعة الأولى من بداية العام الجديد ٢٠٢٤ لتطلق الصواريخ التى وصلت إلى تل أبيب واللد والرملة، هذا ما يقلب المفاهيم بطريقة أو بأخرى لدى جيش الاحتلال، الذى لا يزال يعانى من ضربة ٧ أكتوبر».

وفى الإطار نفسه، أكد الدكتور جهاد أبولحية، أستاذ القانون والنظم السياسية الفلسطينى، أن إسرائيل لم تحقق أى هدف عسكرى حتى هذه اللحظة من جملة الأهداف التى أعلنتها منذ بدء عدوانها الهمجى ضد الشعب الفلسطينى، موضحًا أن كل ما تمكنت إسرائيل من تحقيقه بنجاح باهر هو أنها أظهرت وجهها الصهيونى المجرم أمام العالم كله.

وأشار «أبولحية»، فى تصريحات خاصة لـ«الدستور»، إلى أن قرار سحب الألوية العسكرية المشاركة فى العدوان على غزة يعود إلى سببين، الأول هو استمرار فشل جنود الاحتلال فى القضاء على المقاومة الفلسطينية أو تحرير محتجز إسرائيلى واحد ممن لدى المقاومة، والثانى هو الاقتصاد الإسرائيلى الذى يشهد دمارًا كبيرًا وتراجعًا غير مسبوق.

وأضاف: «سحب هذا العدد الكبير من الألوية جاء بطلب من الولايات المتحدة، التى رأت الفشل الإسرائيلى، كما تشير المعلومات الأولية إلى أن عدوان إسرائيل على غزة يكلف حوالى ١٨ مليار دولار، أو ما يقدر بـ٢٢٠ مليون دولار فى اليوم الواحد، لأن استدعاء قوات الاحتياط يستدعى إنفاق أموال طائلة».

واستطرد: «كل هذا بدوره يوفر ضغطًا ماليًا كبيرًا على خزينة إسرائيل، ناهيك عن أن جنود الاحتياط هم بالأصل أصحاب عمل يقوم عليه الاقتصاد الإسرائيلى، وقرار استدعائهم للحرب أدى إلى توقف كامل لكل الأعمال التجارية، ما ألحق ضررًا كبيرًا باقتصاد إسرائيل، ومن المتوقع أن ينخفض الناتج المحلى الإجمالى للاحتلال من ٣٪ فى عام ٢٠٢٣ إلى ١٪ فى عام ٢٠٢٤، وذلك وفق ما أعلن بنك إسرائيل المركزى».

وحول الأنباء التى تم تداولها فى الآونة الأخيرة حول قيام رئيس الوزراء البريطانى الأسبق «بلير» بتحركات فى الدول الأوروبية من أجل استقبال الفلسطينيين، قال «أبولحية» إن تلك الأنباء تأتى فى سياق التصريحات المتتالية من قبل أعضاء فى الحكومة اليمينية المتطرفة فى إسرائيل، التى تعبر بكل وقاحة منذ بدء العدوان عن نيتها تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى خارجه للتخلص منهم.

واختتم حديثه بالقول: «هذه التحركات المشبوهة من قبل تونى بلير أو غيره من الشخصيات الذين لم يتم الكشف عنهم بعد لن تكلل بالنجاح، لأن شعبنا الفلسطينى، رغم كل ما تعرض له على مدار ٧٥ عامًا، بقى متجذرًا فى أرضه ورافضًا كل الإغراءات التى حاولت تهجيره خارجها».