رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حصاد الحرب الروسية الأوكرانية فى 2023.. استمرار الصراع وعدم إحراز تقدم لتحقيق السلام

الحرب الروسية الأوكرانية
الحرب الروسية الأوكرانية

دخل الصراع بين روسيا وأوكرانيا عامه الثاني، ولم يشهد أي تقدم نحو السلام، بل على العكس تصاعدت حدة الاشتباكات والهجمات على الجبهات المختلفة، في ظل تدخل الغرب المتزايد في دعم أوكرانيا بالأسلحة والمال، بدا أن الوضع يتجه نحو تصعيد خطير قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع روسيا، وفي الوقت نفسه، تعرضت روسيا لضغوط داخلية وخارجية كبيرة، كان أبرزها محاولة انقلاب عسكري فاشلة في منتصف العام، ومع ذلك، استطاعت روسيا الحفاظ على قوتها وثباتها في مواجهة التحديات المتعددة.

تصاعد الضغوط على موسكو

لم يكن عام 2023 سهلًا على الكرملين، حيث واجهت روسيا ضغوطًا عسكرية واقتصادية وسياسية متزامنة، على صعيد الحرب مع أوكرانيا، كان على الجيش الروسي سحب قواته من منطقة خيرسون بعد أسابيع من الاحتجاجات الدولية، وتعزيز مواقعه على خطوط التماس مع القوات الأوكرانية. 

وفي الوقت نفسه، تعرضت روسيا لهجمات متكررة من الطائرات المسيرة التي استهدفت منشآت حيوية في موسكو ومدن أخرى، مما أثار حالة من الذعر والقلق بين المواطنين، وعلى الصعيد الداخلي، شهدت روسيا أزمة سياسية خطيرة عندما قامت مجموعة من الضباط العسكريين بمحاولة انقلاب ضد الرئيس فلاديمير بوتين، ولكنهم فشلوا في السيطرة على السلطة.

صمود روسي أمام الضغوط الغربية

رغم كل هذه الصعوبات، لم تنهار روسيا أمام الضغوط، بل أظهرت قدرة عالية على التكيف والابتكار، فعلى الصعيد الاقتصادي، تمكنت روسيا من تجاوز العقوبات الغربية والحفاظ على استقرار عملتها وميزانيتها، وتحقيق نمو في بعض القطاعات الحيوية مثل الطاقة والزراعة والتكنولوجيا. 

وعلى الصعيد العسكري، لم يتراجع الجيش الروسي أمام الهجوم الأوكراني المضاد الذي استمر لأشهر، بل نجح في صدّه وإلحاق خسائر بالقوات الأوكرانية والمعدات الغربية. 

وعلى الصعيد السياسي، تمكن بوتين من قمع المتمردين العسكريين وتأكيد سلطته وشعبيته، وكذلك تهدئة التوترات مع بعض الدول الأوروبية التي بدأت تتساءل عن مصلحتها في مواجهة روسيا.

أسلحة متطورة لأوكرانيا

في مقابل ذلك، لم تكن أوكرانيا وحدها في الحرب ضد روسيا، بل حصلت على دعم كبير من الغرب، خاصة من حلف الناتو، الذي قرر في بداية العام تزويد أوكرانيا بأنواع جديدة من الأسلحة، قد تغير موازين القوى في المنطقة. ومن بين هذه الأسلحة، دبابات ألمانية وأمريكية من طراز "ليوباردو" و"أبرامز"، وصواريخ متطورة بعضها قادر على الوصول إلى أهداف بعيدة المدى، وطائرات مسيرة متنوعة الأحجام والقدرات.

وبفضل هذه الأسلحة، تمكنت أوكرانيا من توسيع نطاق عملياتها واستهداف مواقع روسية داخل القرم والأراضي الروسية، وزيادة الضغط على الجيش الروسي، وكذلك حصلت أوكرانيا على مساعدات مالية وإنسانية هائلة من الغرب، لمواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها.

في المقابل، شنت القوات الروسية هجمات قوية تستهدف المعدات الغربية، وبدأت في زيادة الضغط العسكري بقوة على كبرى المدن، ووضعت محطات الكهرباء وإمدادات المياه ومحطات الوقود ومنشآت البنى التحتية ضمن قائمة أهدافها، حيث وسعت الإدارة الروسية دائرة ضرباتها وسط انهيار لصفقة الغذاء حتى شملت الموانئ ومراكز تخزين الحبوب والأسمدة ضمن مخطط روسي يمنع أوكرانيا من النجاح في استمرار صادراتها.

تمرد مجموعة "فاغنر" العسكرية

في أحد أكبر الأحداث التي شهدتها روسيا خلال العام 2023، نشب تمرد عسكري لمجموعة "فاغنر" الخاصة، التي تضم آلاف المقاتلين المحترفين الذين شاركوا في عدة نزاعات دولية بدعم من الكرملين.

المجموعة، التي أسسها رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين، الملقب بـ"الطباخ الخاص لبوتين"، انقلبت على الجيش ووزارة الدفاع، واتهمتهما بـ"خذلان" المدافعين عن مدينة باخموت في شرق أوكرانيا، التي كانت تحت سيطرة الانفصاليين الموالين لروسيا.

التمرد بدأ في أبريل، عندما وجه بريغوجين انتقادات حادة لوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، ولوح بسحب قواته من باخموت، التي كانت تقاتل فيها منذ سبتمبر (أيلول) 2022. 

وقال إن الجيش حجب الإمدادات العسكرية عن المجموعة، وحاول فرض نظام التعاقد عليها، مما يقيد حريتها واستقلاليتها. وأطلقت المجموعة حملة إعلامية واسعة لتعبئة الرأي العام ضد المؤسسة العسكرية، وحصلت على دعم من بعض الأحزاب السياسية الروسية.

في مايو، سحبت "فاغنر" قواتها من باخموت، وتركت المدينة الاستراتيجية للجيش الروسي، الذي تمكن من السيطرة عليها بعد معارك ضارية مع المقاومة الأوكرانية. وكان هذا الانسحاب مفاجئًا ومثيرًا للجدل، لأن المجموعة كانت تقاتل في المدينة لتسعة أشهر، وكانت على بعد كيلومترات قليلة من إنهاء الحصار عليها.

في يونيو، اشتد التمرد، ونجح مقاتلو "فاغنر" في السيطرة على عدة منشآت عسكرية حساسة في روسيا، بينها قيادة غرفة العمليات في مدينة روستوف، وتوجهت كتائب من المجموعة إلى موسكو، وهددت بالانقلاب على الحكومة. وأعلن بريغوجين أنه "سيعلق مشنقة لوزير الدفاع الروسي في الساحة الحمراء"، وطالب الرئيس فلاديمير بوتين بالتدخل "قبل فوات الأوان"، ووصف بوتين المتمردين بأنهم "خونة ويجب معاقبتهم".

التمرد أثار الذعر والقلق في روسيا والعالم، وتدخلت بيلاروسيا كوسيط بين الطرفين، وتم التوصل إلى اتفاق لوقف النار والعفو عن المتمردين، الذين انتقلوا إلى بيلاروسيا مع قائدهم، وتم نقل باقي مقاتلي "فاغنر"، الذين لم يشاركوا في التمرد، إلى سلطة وزارة الدفاع الروسية.

لكن القصة لم تنته بعد.. في أغسطس، تحطمت طائرة بريغوجين بسبب انفجار قنبلة على متنها، مما أدى إلى مقتله وجزء كبير من قيادة المجموعة. لم يتم التعرف على الفاعل حتى الآن، لكن هذا الحادث أنهى وجود "فاغنر" كقوة عسكرية خاصة في روسيا والعالم.

في الوقت نفسه، فشل الهجوم الذي أطلقته أوكرانيا في منتصف العام على الجبهات المتنازع عليها مع روسيا في تحقيق أي تقدم ميداني، وبدا أن موسكو أقامت خطوط دفاع قوية عرقلت كل محاولات التقدم الأوكراني، وتصاعدت التوترات السياسية بين الغرب وموسكو، حيث تمسك الرئيس بوتين بأهداف الحرب.