رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يونس.. الفيلم الذى لا نعرفه

مبهور أنا بأبيدوس.. وكل ما له علاقة بذلك المعبد، الذى تقول كتب التاريخ إنه الأقدم فى العالم.. منذ ما يقرب من خمسين سنة اصطحبنا مدرس التاريخ فى رحلة إلى هناك.. مجموعة من الأطفال يريدون المرح لساعات.. ثم عدنا كلٌ إلى حاله الذى كان، لكننى لم أعد. 

سحرتنى حكايات المرشد الأثرى عن الحج إلى أبيدوس فى قديم الزمن وعن حلول الروح.. عن أوزوريس الذى قطَّعه الشرير ووزع أعضاءه فى البلاد؛ طمعًا فى المال والسلطة وزوجته الجميلة إيزيس.. خطفتنى إيزيس نفسها بمكرها وصبرها ورحلتها بحثًا عن أشلاء زوجها لتلملمه من جديد.. عاودت زيارة المعبد، الذى لا يبعد عن قريتى سوى نصف ساعة.. وفى كل مرة أستغرب كيف لا نعرف شيئًا عن المعبد وناسه وعالمه؟.. غادرت للقاهرة تاركًا الجنوب كله بتفاصيله، لكن أبيدوس وناسها ومعبدها لم تغادرنى أبدًا. 

منذ عامين، وربما أكثر قليلًا أخبرتنى الوزيرة إيناس عبدالدايم بأنهم سيقيمون مهرجانًا دوليًا باسم أبيدوس.. وأنهم سيقيمون المهرجان فى ساحة المعبد، وأنها مجرد بداية لمشروع كبير للتعريف بمعابدنا وكنوزنا فى بر مصر كله.. ودعتنى لمرافقتهم.. وقد كان.. وكان مهرجانًا عظيمًا.. يومها أخبرنى كثيرون، من الذين ذهبوا إلى هناك، بأنهم يشعرون بسحر عجيب فى هذا المكان لا يفهمون سره.. وحكى أحد الأثريين من أبناء الصعيد لهم قصة سيدة أجنبية جاءت إلى هناك فى بداية القرن الماضى.. شعرت بما نشعر به.. ولم تعد لبلدها.. عملت فى تدريس اللغة الأجنبية لأطفال العرابة وساعدت الأثرى الكبير سليم حسن فى أعمال التنقيب.. عاشت قرب المعبد فى بيت صغير.. أحبها الناس هناك وصارت منهم.. اعتبرت نفسها خادمة للمعبد وأوصت بدفنها بالقرب منه حين تموت وهذا ما حدث.. خطفتنا حكاية السيدة لفترة، لكننا حين عدنا إلى بيوتنا نسينا. 

منذ أيام قليلة أعلن أحد الشباب عن فوز فيلمه القصير «يونس» بجائزة دولية للفيلم القصير.. من دولة تونس الشقيقة.. وكان قد حصل على جائزة أخرى من أمريكا فى مهرجان مماثل.. وأضاف أنه سيشارك بفيلمه الذى تدور أحداثه فى أبيدوس فى عدد من المهرجانات قبل أن يتم عرضه فى مصر قريبًا.. المخرج اسمه يوسف طارق.. لم أسمع عنه من قبل.. ويقول إنه سعيد لأنه يحكى للعالم عن قريته التى ولد بها.. عن أبيدوس الساحرة يتحدث المخرج الذى لم نعرفه بعد. 

يوسف كتب قصة فيلم.. يونس.. لا أستطيع العيش بدونك.. لتدور أحداثه عام ١٩٤٥. بالقرب من المعبد، حيث يتعرض بطله لغيبوبة سكر ويظن أهله أنه مات؛ فيتم دفنه لكنه يفيق بعد فترة.. ويعود للحياة.. وبين الإغماءة تدور أحداث الفيلم، التى تحكى رحلة يونس مع المعبد وسكانه القدامى.. يستفيد الفيلم قطعًا من فكرة حلول الروح ومن أجواء أبيدوس.. لا أستطيع الحكم على الفيلم الذى لم أشاهده ولا أعرف كيف أفعل.. فقط أتمنى أن يقوم صاحبه أو الجهة التى أنتجته بعرضه فى الأوبرا.. وأن يتم إهداء نسخة منه لقنواتنا لعرضه للناس.. ربما نعرف قليلًا عن تلك البقعة الساحرة من بلادنا، وعن ذلك التاريخ الذى نحتاجه فى هذه الأيام.