رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجميع رابحون

بإعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية تبدأ مرحلة جديدة من العمل السياسى فى مصر، وعلى عكس ما يشيع دعاة العدمية، والهاربون للخارج والمنسحبون للداخل، فإن ما جرى فى الانتخابات الرئاسية لم يكن قبض ريح، ولم يكن بلا جدوى كما أشاع اليائسون من الوضع السياسى، ومن دعاة الهدم الدائم بديلًا عن البناء الدائم، ومن أنصار نظرية «لف وارجع تانى» التى تم تنفيذها فى مصر فى مراحل متعددة ومنعت استمرار أى نظام سياسى فى تنفيذ خطته فى التنمية ولم يستمر فى ظلها طويلًا سوى النظام الذى لم يكن له أى طموح فى التنمية وكان أقصى أمانيه بقاء الوضع على ما هو عليه لمدة ثلاثين عامًا متتالية. على عكس تصورات «مقاولى الهدد فى السياسة المصرية»، وهم فريق معروف ومشهور، فإن ما جرى فى الانتخابات الرئاسية يمكن البناء عليه لاعتبارات متعددة.. أولها أن المصريين قالوا كلمتهم وعبّروا عن وحدتهم، وعن رغبتهم فى إتمام مشروع النهضة العملاق بقيادة الرئيس الذى أيقظ هذا الحلم داخل الروح المصرية، وأخبر المصريين بأنهم يستحقون الأفضل وأن مصر تستحق مكانة أكبر، والناتج الطبيعى لهذا التوحد أن تسقط الضغوط التى كانت تمارس منذ ما قبل الانتخابات بعام أو أكثر بغرض تشكيك المصريين فى اختيارهم وإشعارهم بالضغط الاقتصادى وباليأس وبأن اختيار البناء كان اختيارًا خاطئًا. ومع إعلان المصريين كلمتهم فإن كل هذه الضغوط ستتلاشى وتسقط وسيدوسها المصريون فى طريقهم نحو المستقبل، ولعلنا نرى شواهد ذلك منذ الآن وسنرى شواهد أخرى له فى المستقبل. من علامات التغير أيضًا أن الانتخابات الرئاسية رغم أهميتها الكبرى كحدث، فإنها تأتى ضمن عملية إصلاح سياسى شامل بدأ منذ أن أطلق الرئيس دعوته للحوار الوطنى فى أبريل ٢٠٢٢ وما تلاه من تغيرات واضحة فى المناخ السياسى بشكل عام عبر عدة خطوات ملموسة انعكس بعضها فى الانتخابات الرئاسية نفسها التى شهدت ترشيح عدد من المرشحين أمام الرئيس السيسى، تعامل أغلبهم مع الأمر بالجدية اللازمة وأجاد التعبير عن أفكاره، وأتيحت له مساحات واسعة فى الإعلام لكى يعبر عن رؤاه المختلفة، وإذا كانت الممارسة السياسية فى مصر قد ربحت الكثير من هذا فقد ربح أيضًا المرشحون الذين لم يوفقوا.. فوفقًا للأرقام فقد فاز المرشحان الثانى والثالث بإجمالى أصوات يفوق المليون صوت لكل منهما، وهو مكسب كبير، حيث لم تكن معرفة المصريين بالمرشحين الثلاثة تتجاوز دوائر حزبية ضيقة تحيط بهم، لكن الانتخابات أتاحت لهم فرصة نوال ثقة رقم يتجاوز المليون شخص، وهو رقم يفوق سكان بعض الدول العربية الشقيقة، والمعنى أن الخاسر فى الانتخابات المصرية قد ربح معرفة المصريين به وتحمس مئات الآلاف لبرامجه وأفكاره، وهو ما يمكن البناء عليه فى الانتخابات البرلمانية والمحلية المقبلة، بحيث تتحول برامج المرشحين الخاسرين إلى نواة لبرامج تيارات سياسية رئيسية يتبناها مرشحو الأحزاب التى يقودونها فى انتخابات الشيوخ والنواب والمحليات، وإلى جانب هذا فهناك ما هو معروف من تبنى المرشح الفائز فى الانتخابات الرئاسية، الرئيس السيسى، بعض النقاط المضيئة فى برامج المرشحين على المقعد الرئاسى كنوع من الاحترام لأصوات المواطنين الذين صوتوا لهم حتى لو بدت هذه الأصوات بسيطة بالمقارنة بعدد الأصوات التى حصل عليها المرشح الفائز والنسبة التى حصل عليها.. والمعنى هنا أن الجميع قد خرجوا فائزين من هذه الانتخابات الرئاسية، وأن الرابح الأكبر هو الممارسة السياسية والمشهد السياسى المصرى الذى تتغير ملامحه بقوة منذ إطلاق الرئيس لدعوة الحوار الوطنى وحتى الآن رغم صيحات تجار العدمية ومقاولى الهدد فى السياسة المصرية.. حمى الله مصر وسدد خطاها دائمًا.