رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

‏رغم كرة القدم وحكاية الطعمية.. نبقى أحبابًا‏

انتهت كما تنتهى كل مباريات كرة القدم، مباراة الأهلى المصرى - الإفريقى، واتحاد جدة السعودى- الآسيوى فى كأس العالم لأندية كرة القادم أبطال القارات. فاز النادى الأهلى كعادته إذ حاز من جديد ثقة جماهيره بعد تألق كل اللاعبين وجهازهم الفنى الذى استطاع أن يتجاوز تعادلاته التى لازمته كثيرًا فى الفترة الماضية ليكون محلًا لثقة جماهير الكرة المصرية التى وجدتها قبل هذه المباراة على عكس ما أجدها فى غيرها.
على غير العادة، توحّد جمهور الكرة المصرية ورموز اللعبة– إلا قليلًا – من كل الأندية لتشجيع النادى الأهلى، وتمنوا أن يخرج من تلك المباراة بأقل الخسائر، فإذا به لا يخيب ظن جمهور الكرة المصرية ليحقق انتصارًا بالثلاثية ضد فريق – بل منتخب – من أفضل لاعبى الكرة على مستوى العالم، اجتمعوا فى فريق الاتحاد. فريق توافرت له كل الإمكانات المادية والفنية والدعم الإعلامى والجماهيرى، لا ليشارك فى كأس العالم للأندية التى يستضيفها استاد الجوهرة، وإنما ليفوز بالبطولة. ثقة ازدادت كثيرًا بعد أن فاز فى مباراته الأولى بثلاثية على أوكلاند سيتى النيوزيلاندى.
 ونحن كجمهور مصرى يعرف أن الرياضة مكسب وخسارة كان من الممكن أن نتهيأ لقبول الهزيمة ونكتفى بشرف المشاركة قانعين بأنها لعبة فى البداية والنهاية وفيها فائز ولا بد لها من خاسر. أما وقد تهيأت كل الإمكانات للمنافس السعودى «الشقيق»، علاوة على الملعب والجمهور فلا بأس من أن يحقق النصر ونحن نهنئ ونقبل بالهزيمة بكل روح رياضية. ثم نتوجه لتشجيع الاتحاد لأنه حينها سيكون ممثل العرب فى البطولة. 
 ولكن تأتى هتافات تلك القلة غير الواعية من جمهور الاتحاد لتعكر صفو اللقاء. فقد أساءت هذه الجماهير غير الواعية استقبال بعثة الأهلى عند أول نزولهم إلى المملكة بلدهم الثانى بهتاف لا يمُت لكرة القدم بصلة مرددين «هاتوا الطعمية»، «واحد اتنين الطعمية راحت فين؟» وهو هتاف لا يعيبنا ولا ينتقص من قدرنا ولا يمس بعمق تاريخنا. فى المقابل ردد النشطاء المصريون على مواقع التواصل هتافات عن «الكبسة» تلك الأكلة الشعبية السعودية. وهنا تنشأ حالة من الاحتقان المستهجن والمرفوض من كل ذى عقل فى مصر أو فى المملكة.
 قد نتقبل هذا الذى حدث بين جماهير البلدين – ولا أقول الناديين - على محمل الدعابة. ورغم ذلك، أكاد أجزم بخطورة أن يزيد هذا الصخب اللا- رياضي، خاصة بعد أن فاز الأهلى ليصل إلى حد الاحتقان بين الجماهير. ينبغى إذًا أن يعلو صوت الحكمة عند الطرفين ويتدخل الحكماء فى المربعين، فنحن لسنا فى حاجة إلى أن يقود المشهد بعض المغرضين أو الجهلاء فيسببوا شرخًا فى علاقات أخوية ممتدة لسنوات طويلة وفى مواقف عديدة بين شعبين شقيقين.
 وكم أتمنى أن نتجاوز تلك العوائق الرياضية المفتعلة التى تضعها الأيام فى العلاقات العربية - العربية، وليس ببعيد ذلك الذى حدث بين الجماهير المصرية وبين الجماهير الجزائرية قبل نحو عقدين على ضوء مباراة كرة قدم. فعلى الرغم من كل هذا الهوس الكُروى فى القارة الأوروبية ووجود كثير من المتعصبين بين صفوف المشجعين هناك، فإن كل المشاحنات بين الجماهير المتنافسة تنتهى بمجرد إطلاق حكم المباراة لصافرة النهاية، ورغم التعصب فإن الأمور لا تتجاوز كرة القدم. فلا هُم «يُحفّلون» على المهزوم، ولا يحتفل الفائز بأكثر من فرحة الفوز العادية، ولا يهتفون بما يهين شعبا أو يظنون أنه يمس كرامة أُمة.
من الواضح جدًا قوة تأثير منتسبى كرة القدم فى عالمنا العربى سواء مدربين أو لاعبين أو معلقين. وعلى هذا ينبغى أن يتمتع هؤلاء بأعلى قدر من الموضوعية وأن يرتقوا فى اختيار مفرداتهم، وألا يكون لهم كل هذا التمكين على وسائل الإعلام الرسمية أو المؤثرة. كلمة واحدة من معلق أو محلل أو مسئول كروى هنا أو هناك يمكن أن تعمل على الشحن الجماهيرى الذى يخرج بكرة القدم عن هدفها ليصل الأمر إلى حد الاحتقان فى كثير من الحالات. أقولها إذن لهؤلاء المتشنجين أو أولئك الموتورين: حنانيكم، إنها لعبة تُركل بالقدم فلا ينبغى أن تركلوا الكرة نحو الرءوس لتضر بالعقول. مارسوا كرة القدم أو شجعوها أو تربّحوا منها - كل على حسب موقعه منها - ولكن بروح رياضية تجعلنا نستمتع بمتابعة اللعبة أو بممارستها، ولا تجعلوا منها حصان طروادة الذى تسعون من خلاله لاختراق علاقات متينة وممتدة بعمق التاريخ.