رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نحو جمهورية جديدة.. 4 مشاهد من قلب «انتخابات رئاسية تاريخية»

الانتخابات الرئاسية
الانتخابات الرئاسية

يمكن اعتبار الانتخابات الرئاسية ٢٠٢٤، وما شهدته من إقبال واسع وغير مسبوق من المصريين على صناديق الاقتراع على مدار ٣ أيام مخصصة للتصويت، شهادة على تطور التجربة الديمقراطية فى الدولة المصرية.

فما حدث فى المشهد الانتخابى، بداية من إجراءات الترشح وفترة الدعاية الانتخابية وتحركات حملات المرشحين، وصولًا إلى أيام التصويت نفسها، وحيادية مؤسسات الدولة المختلفة فى التعامل معها- كلها أمور تمت بحرفية شديدة، وجاءت نتيجة تطور العملية السياسية والديمقراطية داخل الدولة المصرية، ما يجعلها انتخابات متفردة تستحق نظرة متعمقة إليها من زوايا متعددة.

أول انتخابات للرئاسة دون «حالة الطوارئ» ووسط استقرار شامل سياسيًا واجتماعيًا وأمنيًا

شهدت الانتخابات الرئاسية المصرية ٢٠٢٤ العديد من المشاهد المهمة والدالة بشكل واضح على أن هناك تطورًا تدريجيًا فى بناء الديمقراطية داخل الدولة.

على رأس هذه المشاهد أنها أول انتخابات رئاسية فى ظل القانون الطبيعى وليس قانون الطوارئ، بعد أن قرر الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى أكتوبر ٢٠٢١، إلغاء مد حالة الطوارئ فى جميع أنحاء الجمهورية، لأول مرة منذ سنوات طويلة.

وأحدث إجراء الانتخابات الرئاسية الحالية فى ظل القانون الطبيعى بالتأكيد فارقًا كبيرًا فى المشهد الانتخابى، ويؤكد أننا أمام تطور حقيقى فى البناء الديمقراطى للدولة المصرية.

وأشاد العديد من الأحزاب السياسية ونواب البرلمان بما تم من إجراءات فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، باعتبارها خطوة فى طريق التطور الديمقراطى، مشيرين إلى أن الإقبال الكبير من المصريين على صناديق الانتخاب يعكس الإرادة الحقيقية للشعب لتحقيق تغيير حقيقى وتطور ديمقراطى فى البلاد، كما أنه يعزز من الشرعية الديمقراطية للرئيس الجديد، ويمنحه القوة والدعم اللازمين لتنفيذ وعوده الانتخابية، بالإضافة إلى الاستقرار السياسى والاجتماعى فى البلاد.

واختلفت تلك الانتخابات فى كثير من تفاصيلها عما حدث فى الانتخابات الماضية، من حيث طبيعتها وتفاصيلها وظروف إجرائها، فقد جاءت انتخابات الرئاسة المصرية فى عام ٢٠١٤ عقب عام من ثورة المصريين فى ٣٠ يونيو، والتى أطاحت بحكم جماعة «الإخوان» الإرهابية، وأجريت بين وزير الدفاع السابق المشير عبدالفتاح السيسى، والمرشح الرئاسى حمدين صباحى، وبلغت نسبة المشاركة فيها ٤٧.٤٥٪ من إجمالى الناخبين المقيدين فى كشوف الناخبين.

وبلغ عدد من يحق لهم التصويت ٥٣ مليونًا و٩٠٩ آلاف و٣٠٦ ناخبين، وأدلى ٣١٨ ألفًا و٣٣ ناخبًا بأصواتهم فى الخارج، بينما بلغ عدد من أدلوا بأصواتهم فى اللجان الانتخابية بمحافظات الجمهورية ٢٥ مليونًا و٢٦٠ ألفًا و١٩٠ ناخبًا.

وبلغ عدد الأصوات الصحيحة ٢٤ مليونًا و٥٣٧ ألفًا و٦١٥ صوتًا، أى ما نسبته ٩٥.٩٣٪ من إجمالى أصوات من شاركوا فى عمليات التصويت، بينما بلغ عدد الأصوات الباطلة مليونًا و٤٠ ألفًا و٦٠٨ أصوات، بنسبة ٤.٠٧٪.

وبالنسبة لعدد الأصوات التى حصل عليها كلا المرشحين، فإن الرئيس السيسى حصل على ٢٣ مليونًا و٧٨٠ ألفًا و١٠٤ أصوات، بينما حصل حمدين صباحى على ٧٥٧ ألفًا و٥١١ صوتًا.

وفى انتخابات ٢٠١٨، ومع تحسن الأوضاع وقتها، لم يتقدم أحد لمنافسة الرئيس السيسى، الذى حمل على كاهله مهمة إعادة بناء الدولة ومحاربة الإرهاب لسنوات طويلة، قبل أن يتقدم موسى مصطفى موسى، رئيس حزب «الغد»، بأوراق ترشحه، فى مواجهة الرئيس السيسى.

وفى هذه الانتخابات انخفضت نسب المشاركة إلى ٤١٪ من إجمالى عدد الناخبين المقيدين فى الكشوف الانتخابية، الذى وصل إلى ٥٩ مليونًا و٧٨ ألفًا. وفاز حينها الرئيس السيسى بنسبة ٩٧.٠٨٪ من إجمالى الأصوات الصحيحة، فيما حصل موسى مصطفى موسى على ٦٥٦ ألف صوت، بنسبة ٢.٩٪ من الأصوات الصحيحة.

التصويت فى أجواء سياسية أكثر انفتاحًا بوجود الحوار الوطنى ولجنة العفو الرئاسى

جاءت الانتخابات الرئاسية ٢٠٢٤ فى ظل أجواء سياسية أكثر انفتاحًا، بعد أن شهدت الدولة على مدار السنوات التسع الماضية تقدمًا ملحوظًا فى الخطوات التى اتخذتها لبناء الإنسان المصرى، وتعزيز وحماية حقوق الإنسان، وإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى ممارسة كل من مجلسى النواب والشيوخ دورهما الرقابى والتشريعى باحترافية شديدة.

كما كانت دعوة الرئيس السيسى للحوار الوطنى فى عام ٢٠٢٢ خطوة جديدة فى عملية الإصلاح السياسى التى اتبعتها الدولة، خاصة بعد أن شاركت فيه كل تيارات وفئات ومكونات المجتمع، لتحديد أولويات العمل الوطنى خلال المرحلة الراهنة، وهو ما أدى إلى إحداث حالة من الحراك السياسى غير المسبوق، هدفت إلى ترسيخ الحياة الديمقراطية والإصلاحات السياسية.

ومثلت دعوة الرئيس السيسى للحوار الوطنى، وما شهدته جلسات الحوار من نقاشات معمقة فى كل الملفات والمحاور، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، نقلة نوعية دشنت مرحلة جديدة فى المسار السياسى للدولة.

وانتهى الحوار الوطنى فى مرحلته الأولى بالفعل إلى اتخاذ خطوات جادة وفاعلة فى مسيرته نحو الجمهورية الجديدة، وتم التوافق على العديد من التوصيات فى ١٣ لجنة فرعية بمحاوره الثلاثة: السياسى والاقتصادى والمجتمعى. وأعلن الرئيس السيسى عن الاستجابة لهذه التوصيات، ما عكس وجود إرادة سياسية حقيقية نحو التحول الديمقراطى، وممارسة العمل السياسى بحرية وشفافية دون أى تضييق.

وجاء قرار مجلس أمناء الحوار الوطنى بتعليق جلساته لحين انتهاء العملية الانتخابية حتى لا يؤخذ على التيارات الموجودة به أى مواقف معينة فى هذا التوقيت المهم والمفصلى، ليحقق بقاء الحوار الوطنى على مسافة واحدة من المرشحين الرئاسيين، ويضمن الحيادية ونزاهة الانتخابات الرئاسية وعدم سيطرة المشهد الانتخابى على الجلسات، على أن تتم عودة الحوار الوطنى لاستكمال مناقشة بقية القضايا والموضوعات التى سبق تحديدها من مجلس الأمناء، بالتوافق مع مقررى المحاور واللجان والمقررين المساعدين، بعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية.

كما جاء قرار الرئيس السيسى بإعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسى فى أبريل ٢٠٢٢، والإفراج عمّا يقرب من ١٥٠٠ شخص ممن لم تتلوث أيديهم بالدماء، ليمثل خطوة أخرى مهمة فى مسيرة الإصلاح السياسى.

وعكست القرارات والمبادرات الرئاسية حرص القيادة السياسية على المزيد من الانفتاح فى المناخ السياسى، ما يؤكد الخطوات المهمة التى اتخذتها الدولة فى مسار بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة، والعمل على تحقيق مطالب المواطنين ومعالجة كل الأزمات والتحديات التى تواجههم، وتعزيز المسار الديمقراطى وتوفير المناخ الإيجابى الذى يضمن إجراء انتخابات حرة ونزيهة.

وعزز كل ذلك من ثقة المواطنين فى أهمية المشاركة فى الانتخابات الرئاسية، وهو ما انعكس على ارتفاع نسب تصويت المصريين فى الداخل والخارج، وإقبالهم على ممارسة حقهم الدستورى وواجبهم الوطنى.

التنوع بين المرشحين أعطى حيوية للمشهد الانتخابى

أقيمت الانتخابات الرئاسية ٢٠٢٤ بين ٤ مرشحين، هم: المرشح الرئاسى عبدالفتاح السيسى، و٣ من رؤساء الأحزاب هم: عبدالسند يمامة، رئيس حزب «الوفد»، وحازم عمر، رئيس حزب «الشعب الجمهورى»، وفريد زهران، رئيس حزب «المصرى الديمقراطى الاجتماعى»، وهو ما يدل على أن الأحزاب السياسية قدمت نسبة ٧٥٪ من مرشحى الرئاسة.

وعكس ذلك الدور المهم للأحزاب السياسية فى الانتخابات، وعبّر عن فكرة التعددية الحزبية والسياسية فى الانتخابات، ما أحدث حالة من الزخم السياسى، من خلال عرض مختلف أفكار المرشحين على المصريين، سواء فى المؤتمرات الجماهيرية أو اللقاءات التليفزيونية أو غيرهما من أساليب الدعاية الانتخابية.

وتكفلت حالة التعددية الحزبية والسياسية فى المشهد الانتخابى بجذب مزيد من المواطنين والفئات التى كانت تحجم فيما قبل عن المشاركة فى الانتخابات، وهو ما صنع نسبة إقبال كبيرة واسعة وغير مسبوقة من المصريين فى الانتخابات الرئاسية، خاصة بعد إشادة حملات المرشحين المتنافسين فى الانتخابات الرئاسية بنزاهة سير العملية الانتخابية خلال عملية تصويت المصريين التى تمت فى الخارج والداخل.

ولعبت الأحزاب السياسية دورًا مهمًا ورئيسيًا فى الانتخابات الرئاسية ٢٠٢٤، من خلال دعم المرشحين بمختلف انتماءاتهم الفكرية والحزبية، بعدما أعلنت عدة أحزاب عن دعمها المرشح الرئاسى عبدالفتاح السيسى، ونظمت العديد من المؤتمرات الجماهيرية الواسعة والحاشدة فى القاهرة والمحافظات للإعلان عن أسباب هذا الدعم، مع حث المواطنين على ضرورة المشاركة فى الانتخابات، وهو ما انعكس على المشهد الانتخابى خلال أيام التصويت.

كما أعلنت أحزاب مختلفة، عن دعم بعض المرشحين الآخرين فى الانتخابات الرئاسية، وتم كذلك تنظيم المؤتمرات الجماهيرية الحاشدة لدعم هؤلاء المرشحين، مع تأكيد أهمية مشاركة كل مواطن فى هذا الاستحقاق وممارسة حقه الدستورى والقانونى.

وقال العديد من المراقبين والمتابعين للمشهد الانتخابى إن مشاركة الأحزاب بفاعلية فى السباق الانتخابى، سواء من خلال الدفع بمرشح أو دعم أحد المرشحين الأربعة، أسهم فى وجود زخم سياسى كبير بالشارع.

وعلى مدار شهور تمكنت الأحزاب وقياداتها من التواصل مع الشعب المصرى إعلاميًا ومن خلال المؤتمرات الجماهيرية فى جميع المحافظات، للتعبير عن برامجهم الانتخابية وآرائهم وأفكارهم.

وأسهم ذلك فى دعم القاعدة الجماهيرية لتلك الأحزاب فى الشارع، من خلال اجتذاب عدد كبير من الأنصار والمؤيدين والمؤمنين لأفكارها، وهو ما ستُحصد نتائجه خلال السنوات المقبلة، حال حافظت الأحزاب على استثمار هذه الفرصة والبناء عليها.

ونجحت جميع الأحزاب السياسية التى شاركت فى الانتخابات الرئاسية، سواء بدعم مرشح بعينه أو عن طريق الدفع بمرشح رئاسى، فى تقديم نفسها وبرامجها، وهو ما نقلها من حالة الركود إلى التفاعل مع الشارع، ما يتيح فرصة يجب استثمارها من جانب الأحزاب، والعمل على تعزيز تواجدها فى الشارع، مستفيدة من حالة الحراك السياسى.

حيادية الدولة رفعت ثقة المواطنين فى عدالة الاقتراع

نجحت الدولة فى اتخاذ كل التدابير والإجراءات المطلوبة لكفالة نزاهة العملية الانتخابية، خاصة بعد أن تمت الانتخابات تحت الإشراف القضائى الكامل، بما يضمن نزاهتها وشفافيتها.

وعملت الهيئة الوطنية للانتخابات على متابعة تنقية الجداول الانتخابية وتنقيحها قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، واتخذت كل الإجراءات المطلوبة لتسهيل عملية تصويت المصريين فى الداخل والخارج، مع عرض تنويهات فى كل وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعى حول كيفية التصويت، وكل الإجراءات المرتبطة بهذه العملية.

وسهلت الهيئة عملية التصويت على ذوى الهمم، إيمانًا من الدولة بحقهم الدستورى. كما رحبت بوجود متابعين من منظمات المجتمع المدنى والهيئات الدولية الرقابية، الأمر الذى أكد نزاهة العملية الانتخابية، وعزز من ثقة الناخبين فى المشاركة، خاصة مع إشراف القضاء الكامل، باعتباره أكثر الجهات حيادية فى مراقبة الانتخابات الرئاسية.

كما التزمت مؤسسات الدولة بالحيادية التامة تجاه حملات دعم المرشحين، والوقوف على مسافة واحدة من جميع المتنافسين، قبل وأثناء وبعد الانتخابات، فى ظل وجود ضمانات لنزاهة الانتخابات تتعلق بالإشراف القضائى الكامل عليها ومراقبة المجتمع المدنى، بالإضافة لعدم الإنفاق من المال العام المملوك للدولة فى الدعاية الانتخابية للرئيس الحالى، بل إن حملة الرئيس الحالى دعت المتبرعين لحملته الانتخابية بتوجيه هذا الإنفاق لصالح إرسال المساعدات الإنسانية والإغاثية لدعم الأشقاء فى غزة.

وحرصت الدولة على إجراء الاستحقاق الانتخابى بانتظام وفقًا للدستور والقانون، كما حرصت على كفالة سير العملية الانتخابية بنزاهة وشفافية، مع ضمان حصول كل مواطن على حقه فى التصويت.