رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مع الانتخابات؛ لنعرف ما لنا وما علينا..

بدأت انتخابات الداخل، والأمل أن تكون حاشدة وناجحة، الناس يجب أن يعتمدوا الأسلوب الديمقراطي وسيلة أبدية للتغيير أو تجديد المسيرة القائمة في البلاد فهذا تغيير أيضا؛ لأن ما يعقب الانتخابات خلاف ما يسبقها بالضرورة، وامتداد الحكم الفائت إضافة إليه لا تكرار له.
نحب أن يرانا العالم، ويرانا الأبناء الصغار، مقبلين على اللجان بثقة وتفاؤل؛ لأن الانتخابات هي الطريق الشرعي الوحيد للتعبير عن آرائنا بحرية فيما تراه بصائرنا شموسا تنير طرق المستقبل..
هذه الانتخابات تختلف عمّا قبلها اختلافا جذريا نظرا للظروف التي تمر بها منطقتنا، ظروف الحرب المستعرة في فلسطين، ومن ثم تنعكس علينا. يجب أن يكون ملء ذاكرتنا، ونحن ندلي بأصواتنا، أننا أمة مستهدفة يقينا، وأن الحرب التي قامت تريد سيناء، أول ما تريد، لتقتل القضية الفلسطينية قتلا، وتنقل المعارك إلى أرضنا التي فشل الصهاينة، طوال الحروب الماضية، في ضمها إليهم فشلا ذريعا! 
من الخطايا التاريخية في أجواء الانتخابات شعور الجماهير بأنها تحصيل حاصل، وأن الدولة ستأتي بشخصية محددة سلفا، وهو ما كان يغني الدولة عن إجرائها أصلا، في ظروف كالتي أوردتها آنفا بالذات، واستبدال استفتاء بها مثلا، لعله أقل تكلفة وجهدا، لكن الدولة المصرية أقرت الانتخابات مؤمنة بها وعارفة أهمية تعويد الشعوب عليها كنظام مشهور محكم يبز ما عداه في ميدانه.
يقول مواطن متواكل ومتشكك لنفسه: صوتي ليس فارقا، سأمكث في بيتي مستريحا وسيتعب غيري نفسه ويذهب للإدلاء بصوته، وفي النهاية ستكون الغلبة للأصوات التي صنعت لها أجهزة الدولة هذا الحفل الكبير الصاخب.. هذه خطيئة ثانية ترتبط بالأولى؛ ففضلا عن محاولة إحداث الفتنة بين المواطنين والدولة، والتي تظهر في نبرة التكلم البائسة الساخطة، فإن الانتخابات تحت إشراف قضائي كامل، وهو الفيصل فيها، والهيئة الوطنية للانتخابات هيئة مستقلة مؤلفة من كافة الهيئات القضائية التي يفضل الشعب نزاهتها ويمتدح نقاء سوحها.
مرت فترات جرى فيها اختلال في العملية الانتخابية؛ أثرت في الناس تأثيرا كبيرا،
لكن عليهم أن يتخلصوا من تلك الآثار السلبية، الآن وليس غدا، فبقاؤها مشين، وحين تأتي النتيجة النهائية بمن لا تبتغي طائفة منهم؛ فهذا طبيعي تماما لأنها تأتي بمن تبتغيه الأغلبية، وعلى الباقين أن يذعنوا لرأي الكثرة الكاثرة، ويراقبوا الأداء القادم، الأداء الذي إن لم يعجبهم فبوسعهم معارضته، بوطنية، بل تبديله بالأصلح في الانتخابات الرئاسية التي بعدها..
67 مليونا من المصريين لهم هذا الاستحقاق الدستوري؛ فلماذا لا يملؤون الأماكن فيما يشبه عُرسا هائلا تمت دعوتهم إليه بطول الجمهورية وعرضها؟ إذا افترضنا أن لدى مليونين منهم أعذارا مقبولة؛ فما أعذار الباقين؟ وبالمناسبة مهما يكن من مشاكل صحية عند أعداد من هؤلاء فسيجدون مساعدة أخوية هناك، من أفراد الأمن وموظفي اللجان، لن ينسوا حميميتها أبدا، وسيدلون بأصواتهم آمنين وسط عناية تامة. 
الذين لا يحضرون الانتخابات ولا يعبؤون بها ليس عليهم أن يصدعوا رءوسنا بأسئلة من نوعية: ما جدوى الحرص عليها؟؛ فالحرص عليها مجد وهم بلا جدوى، كمن نسوا الوطن مثلما نسوا أنفسهم، وإن الاندفاق إلى اللجان الانتخابية فعل يعزز المرشح المناسب من بين المتنافسين، قدر ما يعكس مظهرا تفاخر به الدولة راصديها.. القصد لا يصح أن يقول الغائبون، بعد إعلان النتيجة النهائية، أين ظلالنا؟ فلا ظلال لهم! 
لا تحتمل المرحلة أي اضطرابات؛ فهذا مراد الأعداء والمتربصين في هذه الأيام خصوصا ليثبوا علينا مطمئنين، ولا تحتمل فلسفات فارغة زائدة؛ فقد شبعنا منها ولم يفض الأمر إلى شيء ذي بال، إنما إلى تفرق مذموم، ألا ليتنا نجرب الاتحاد هذه المرة ونجرب الوقار، ثم نبدي تعاونا صادقا مع البلاد في أفقها السياسي القريب الآتي؛ فنكون مثلا في الالتزام ونكون أسوة لغيرنا كما كانت حضارتنا.