رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحق فى الحياة والحرية والأمان للشعب الفلسطينى

فى اليوم العالمى لحقوق الإنسان الذى يوافق العاشر من ديسمبر، صدرت وثيقة تاريخية مهمة واعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة فى باريس فى 10 ديسمبر عام 1948، وثيقة "الإعلان العالمى لحقوق الإنسان" بوصفه المعيار المشترك الذى ينبغى أن تستهدفه كل الشعوب والأمم وهو يحدد حقوق الإنسان الأساسية التى يتعين حمايتها عالميًا، وتنص المادة الرابعة منه على "لكل فرد الحق فى الحياة والحرية والأمان على شخصه". 
وتجدر الإشارة إلى أنه فى الأول من فبراير2022 أصدرت منظمة العفو الدولية "امنيستى" المعنية بحقوق الإنسان، تقريرًا حول واقع الفلسطينيين، متهمًا الكيان الصهيونى بممارسة نظام فصل عنصرى (أبارتهايد) تجاههم، واعتمد التقرير على سياسات الاحتلال وممارساته القائمة على التمييز ضد الفلسطينيين.
ومن أشكال هذه الممارسات مصادرة الأراضى والممتلكات الفلسطينية على نطاق واسع، إضافة إلى القيود الصارمة على الحركة والتنقل، وحرمان الفلسطينيين من حقوق الجنسية والمواطنة، وانتهى التقرير إلى أن هذه الممارسات انتهاكات مكونات نظام عنصرى تمييزى يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولى.
وبهذا التقرير تنضم منظمة العفو الدولية إلى منظمتى "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية، ومنظمة "هيومن رايتس ووتش" فى اتهام الكيان الصهيونى بممارسة نظام "الأبارتهايد" أى الفصل العنصرى فى الأراضى الفلسطينية ضد مواطنيها العرب فى الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة.
ودعت أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية المجتمع الدولى إلى التحرك لوقف جرائم الإسرائيليين بحق الفلسطينيين، وقالت "نعلم أن لدى إسرائيل تاريخًا وسجلًا ضعيفًا فى محاسبة المسئولين لذا ندعو المؤسسات الدولية إلى العمل ومن بينها محكمة الجنايات الدولية".
وبالطبع ملأت حكومة الكيان الصهيونى الدنيا صراخًا وعويلًا ورفضت التقرير، بل واتهمت منظمة العفو الدولية بأنها منظمة إرهابية تساعد وتموِّل الإرهابيين، وأنها معادية للسامية، ودخلت الولايات المتحدة الأمريكية (راعية أمن وسلامة الكيان العنصرى الصهيونى) على الخط فورًا معلنة حق إسرائيل فى الوجود ورافضة للتقرير.
أتى هذا التقرير فى وقت تزداد فيه الجرائم الصهيونية اليومية من هدم منازل أصحاب الأرض الفلسطينيين وطردهم بجانب عمليات التهجير القسرى فى أحياء القدس، بالإضافة إلى الهجوم المستمر من جانب المستوطنين "الذين يقطنون مستوطنات غير شرعية" على الفلسطينيين بالاعتداءات عليهم وسرقة محاصيلهم وتدمير زراعاتهم وحرق أراضيهم، وزد على ذلك هجوم اليهود اليمينيين المتطرفين على المسجد الأقصى والدخول إليه والاعتداء على المصلِّين، وذلك فى حماية جنود الاحتلال، كل هذه الجرائم بجانب تعذيب الأسرى ومنع الأدوية عنهم مما تسبب فى وفاة عدد منهم نتيجة لذلك، وارتكاب العدو لجريمة ما يسمى بالاعتقال الإدارى غير القانونى والمخالف لكل الاتفاقيات الدولية الخاصة بمعاملة الأسرى.
وبعد سنة من صدور التقرير ومنذ بداية عام 2023 ومع تولى الأطراف اليمينية المتشددة حكم الكيان الصهيونى العنصرى ازدادت جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطينى. ومنذ شهرين وبالتحديد من السابع من أكتوبر 2023 وحتى الآن يقوم الكيان المجرم بالعدوان اليومي على قطاع غزة، ويرتكب جرائم التطهير العرقى وقتل النساء والأطفال والشيوخ وهدم مدن بكاملها، مع تدمير البنية التحتية للقطاع، ومنع وصول المياه والغذاء والدواء والوقود إلى المواطنين، بل وتهجيرهم قسريًا من أجل توطينهم خارج بلدهم فى سيناء المصرية، هذا بجانب الاعتداء على أهالى الضفة الغربية بغرض تهجيرهم إلى الأردن وبذلك يشرع الصهاينة فى إقامة الدولة اليهودية.
يرتكب العدو الصهيونى هذه الجرائم البشعة، وسط صمت الضمير العالمى، ومع شراكة ومساندة ودعم الدول الاستعمارية الكبرى، وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية فى ارتكاب هذه الجرائم.
كما يرتكب العدو قتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين وسط تواطؤ وصمت الدول العربية المهرولة للتطبيع مع الكيان العنصرى المحتل.
إن الشعب الفلسطينى الذى يُسطِّر كل يوم بدمائه وتضحياته ملحمة نضالية من أجل الدفاع عن الأرض والمقدسات، وعن عزة وكرامة الأمة العربية، ومن أجل الحفاظ على الأمن القومى المصرى والعربى منذ نكبة 1948، لن يرضى عن حق التحرير والعودة بديلًا.
ويردد الشعب الفلسطينى بصوته العالى، من كلمات صلاح الدين الحسينى، وألحان مهدى سردانة:
وعهد الله ما نرحل
عهد الله نجوع نموت ولا نرحل
عهد الثورة والثوار
والجماهير ما نرحل
واحنا قطعة من هالأرض 
وعمر الأرض وعهد الله مابترحل.
وفى يوم الأربعاء السادس من نوفمبر 2023 (ومع تفاقم المأساة الإنسانية نتيجة استمرارالعدوان الصهيونى المتوحش على الشعب الفلسطينى)، استخدم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، ولأول مرة منذ أن أصبح أمينا عاما عام 2017، المادة (99) من ميثاق الأمم المتحدة، التى تُخوِّل له لفت انتباه مجلس الأمن إلى أى مسألة يرى أنها قد تهدد حماية السلم والأمن الدوليين، حيث أشار إلى أن "الحرب فى غزة تؤدى إلى تفاقم التهديدات القائمة للسلم والأمن الدوليين"، كما حذرمن انهيار كامل وشيك للنظام العام، بسبب ظروف تدعو إلى اليأس، الأمر الذى يجعل من المستحيل مساعدة إنسانية حتى لو كانت محدودة. وأضاف جوتيريش "قد يصبح الوضع أسوأ مع انتشار أوبئة، وزيادة الضغط لتحركات جماعية نحو البلدان المجاورة".
وقال جوتيريش "فى مواجهة الخطر الجسيم، لانهيار النظام الإنسانى فى غزة، أحث مجلس الأمن على المساعدة فى تجنب كارثة إنسانية، وأناشد إعلان وقف إنسانى لإطلاق النار".
ونحن نطالب مع كل الشعوب العربية والشعوب الحرة فى كل دول العالم بوقف العدوان الصهيونى على الشعب الفلسطينى فورًا، ومحاكمة قادته أمام المحكمة الجنائية الدولية على جرائم الحرب التى يرتكبونها، ونطالب باستمرار تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة دون تعطيل أو توقف أو شروط من جانب العدوالصهيونى.
كما نطالب دول العالم التى مازالت تحمل ضميرًا إنسانيًا مستيقظًا بأن تتحمل مسئولياتها فى حماية الشعب الفلسطينى، ودعمه فى حق مقاومة المحتل واستعادة أراضيه، وإقامة دولته وعاصمتها القدس الشريف، وعودة اللاجئين.
المجد والخلود للشهداء، والشفاء للجرحى، والحرية للأسرى، والنصر للمقاومة، والبقاء للشعوب، والزوال للاحتلال.